الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خطة الحكومة لـ "فلترة" الإنترنت مدخلا لفرض الرقابة عليها !! بقلم: نبهان خريشة

2016-03-29 10:32:24 AM
خطة الحكومة لـ
نبهان خريشة

 

نقلت وسائل إعلام عن وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات علام موسى، قوله إن الحكومة بصدد إعداد خطة لـ "توفير خدمة إنترنت آمنة للأسر والأطفال" عبر تنظيم خدمة "مفلترة" تستثني المواقع "الضارة" لتلك الفئات قريباً... وأوضح الوزير أن الخطة التي تجري بلورتها تستهدف تفعيل دور الحكومة في "الحفاظ على العادات والتقاليد والهوية الحضارية للمجتمع والحفاظ على السلم الأهلي"، "وسيتم تقنين وتنظيم استخدام الإنترنت من أجل الحصول على إنترنت آمن، عبر حجب المواقع الضارة مثل المواقع الإباحية، وأخرى ذات صلة بالإرهاب والجريمة مع مراعاة الحريات العامة". 

إن خطة الحكومة هذه تثير المخاوف من فرض قيود على حرية المواطن في الحصول على المعلومات من الإنترنت وعلى حرية التعبير عن الرأي وتكميم الأفواه، إضافة لذلك فإن مصطلحات كـ "توفير خدمة إنترنت آمنة للأسر والأطفال" و"الحفاظ على العادات والتقاليد والهوية الحضارية للمجتمع والحفاظ على السلم الأهلي" وحجب المواقع الضارة ذات الصلة بالإرهاب والجريمة.. "هي مصطلحات فضفاضة قابلة للتأويل وتحمل "شبهة قيود" فعلاً.

إن سلوك الحكومة الحالية مؤخراً تجاه الحريات العامة في فلسطين يثير الشكوك بنواياها في فرض مزيد من القيود على الحريات العامة من خلال فرض رقابة على الإنترنت، فبالأمس القريب حاولت تمرير قانون مجلس الإعلام الأعلى الذي يقيد وسائل الإعلام، كما لا يزال الجميع يتذكر كيفية معالجتها لإضراب المعلمين بمحاولتها منعهم من التظاهر والتجمع للمطالبة بحقوقهم، ناهيك عن الاعتقالات والاستدعاءات لنشطاء لمجرد التعبير عن آراءهم على صفحاتهم على الفيسبوك، وإصدار مذكرات اعتقال ضد ناشطين وسياسيين وبرلمانيين (بسام زكارنه ونجاة أبو بكر مثلاً).

إن القانون الأساسي الذي على ما يبدو أن الحكومة لا تقيم له الاعتبار (ينص في مادته الـ (19) "على عدم المساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون"، كما تنص المادة (27) من القانون على: "حظر الرقابة على وسائل الإعلام، ولا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقاً للقانون وبموجب حكم قضائي".

وحسب استطلاع للرأي بين الشباب أجرته مؤسسة "ستوديو سوشيال" في العام 2015 حول الخشية من مراقبة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لمواقع التواصل الاجتماعي، قال 66% منهم إنهم يخشون هذه الرقابة، ويبتعدون عن نقاش أو طرح آراء قد تتسبب لهم بالملاحقة.

وبالفعل فإن أجهزة الأمن الفلسطيينة في الضفة الغربية اعتقلت واستدعت للتحقيق 12 صحفياً وناشطاً خلال العام الماضي على خلفية التعبير عن الرأي في الفيسبوك، كما اعتقلت وهددت أجهزة أمن حماس في قطاع غزة 6 ناشطين وصحفيين على الخلفية نفسها.

نعم هناك مشكلة في تصفح المواقع الإباحية، فحسب (جوجل) فإن فلسطين تأتي في تصفح تلك المواقع في الترتيب السادس عربياً والترتيب الـ 15 عالمياً، ولكن حل هذه المشكلة لا يتأتى من خلال ما تسميه الحكومة بالـ "فلترة" لأن الحجب حتى على البالغين يكرس عقلية "الوصاية" التي لا تختلف عن المبررات التي قد تساق ليتم التوسع في حجب مواقع سياسية أخرى عى أساس المضمون، ما يبعث الخوف من فتح الباب لسياسة أوسع من الفلترة والحجب والمنع ومصادرة الحريات.

وصحيح أيضاً أنه يجب حماية أطفالنا من هذه المواقع، فجسب دراسات طبية عالمية فإن 27% من المشاكل العقلية لدى الأطفال تعود لتصفح الأفلام الإباحية، وأن متوسط العمر لمتصفحيها من الأطفال هو 11 عاماً.

إن هذه المشكلة قد تعالج من خلال حلول غير "الفلترة" كإنشاء دائرة متخصصة في مكافحة الجرائم المعلوماتية، كما يمكن أيضاً توعية المواطنين بآليات حماية أنفسهم دون تدخل حكومي، تجنباً للتضييق على الحريات العامة وحق الحصول على المعلومات، حيث بإمكانهم وبإرادتهم الحرة والطوعية الاشتراك في خدمة الإنترنت الآمن وحجب ما يرونه مضراً بمصلحة أبنائهم القاصرين، لا سيما وأن هناك الكثير من البرامج المجانية التي توفر الحماية والفلترة على أجهزة الحاسوب الشخصية.

*رئيس المركز الفلسطيني للسياسات والمصادر الإعلامية [email protected]