بقلم: إبراهيم رحمة
ما حدث في الأيام الأخيرة مما اصطلح على تسميته بتفجيرات بروكسل، يندرج لا محالة في عسكرة العقل البشري، حيث أنه ليس من المعقول في وقت كل ما على الكوكب تحت مجهر المراقبة، أن يدخل فرد بحزام ناسف بكل هذه السذاجة فيخترق أنظمة المراقبة الدقيقة التي تعمل تلقائيا ولا دخل للبشر فيها، وأين؟؟، المكان هو المطار، ألهذه الدرجة يتم الاستخفاف بالعقل البشري، غربيا كان أو شرقيا؟؟، أم أن المخططين لمثل هذه العمليات يدفعون بساكنة الكوكب إلى حالة من الهستيريا والخوف الفطري كي تتم برمجة عقولهم بعد ذلك على حسب الحاجة.
لهذا فقد درجت مع الأيام فكرة تحريك الساكن وحتى تغيير المتغيّر، أو الدفع بتسارع أكبر لمجموعة أحداث معيّنة كي تطفو على سطح الإعلام دون سواها، والهدف المخبوء عادة ما يكون منافيا لقواعد القانون الدولي، رغم أن أولئك المحركين للساكن والمغيرين للوقائع هم من حماة القانون الدولي ومن الناطقين الرسميين له.
نسوق هذا الكلام تعقيبا لجملة من التحاليل التي أعقبت بدورها ما تم الاصطلاح على تسميته بتفجيرات بروكسل، وقد تناسى الكثيرون عامة وخاصة، ما سبق هذه التفجيرات من تفجيرات أيضا، والتي منها تفجيرات باريس، ولم يلاحظ هؤلاء الكثيرون أن لهذه الأحداث دورية (وفق الاصطلاح في علم الرياضيات).
لا يهمني في هذا المقام من خلف التفجيرات، سواء أكان معتوها أو عاقلا، وسواء أكان شبكة أو نظاما رسميا، كما لا يهمني المستفيد منها، وإن كان المستفيد منها في نظرنا نحن ساكنة جنوب البحر وشرقه، هم ذات الفئة التي تسعى باستمرار ودون كلل إلى تغيير الخرائط في كوكب الأرض وتسعى إلى تجزئة المجزَّأ.
لا يهمني في هذا المقام شرح الملابسات والأسباب، ولا حتى النتائج، ولا يهمني سرد إحصائية أو تسجيل ملاحظة، كما لا يهمني أن أدلي بدلوي في ما أدلى فيه الناس من غير انتباه إلى تكرارية الحدث الساذجة، ودون انتباه إلى جاهزية لوائح المتهَمين، وأدلة الجناية.
ما يهمني في هذا المقام أمر واحد، لا غير، ما يهمني هو سؤال يتسلق إلى سطح الدماغ في كل مرة، والسؤال مفاده، لماذا بعد كل تفجير في نقطة غربية من الأرض، يتم إسقاط الضوء كل الضوء على أصول المنفذين، هذا إنْ كانت تلك الأصول صحيحة؟؟.
السؤال الغريب، لماذا كل المحللين (ومن يطلقون على أنفسهم صفة المراقبين وصفة الخبراء) ينساقون في نفس السياق ويتحدثون عن فلان أنه مغربي الأصل، وعن علان أنه جزائري، وعن الآخر تونسي، ومن وقف مع ذاك عند الرصيف سعودي، وغيره مصري إلخ من الأصول، خاصة الأصول العربية.
لم نجد من بين المحللين من يعكس زاوية نفس الضوء، ليقول لأولئك الذين يسلون سبابة الاتهام نحونا، يطعنوننا بها في كل مرة، ربما بغية ابتزاز دولي أو ما شابه من استصدار قوانين (بالنظر إلى مواقع التفجيرات ودلالاتها)، قلت لم نجد من بين المحللين ليعكس نفس زاوية الضوء فيقول لهم أن من تذكرون أصولهم العربية، ليسوا عربا، ألم يذكر علماؤهم في الاجتماع وفي علم النفس أن الإنسان ابن بيئته، ألم ينشأ هؤلاء أو معظمهم في البيئة الغربية ويتعلمون في المدارس الغربية بل ويعتنق كثير منهم مذاهب الحياة الغربية، إن كان ولا بد أن يكون منهم من تمرّد عليهم (ولم يكن مدفوعا من بعضهم لتلك الوقائع) فهذا يعود إلى خلل في التركيبة الاجتماعية وحتى الفردية في الغرب ويعود إلى خلل حتى في النهج السياسي الاستعماري لديهم، وتلك الممارسات المبنية على تصنيف عرقي وتمييز عنصري من إدارة أو فرد أو منظومة.
في المطلَق، يمكننا القول بصفتنا ضحايا منذ فجر التاريخ، مسلوبي الإرادة والمدنية والحضارة، في المطلَق يمكننا القول أنه عِوَض الاتهام الجزافي وفبركة الوقائع لتغيير المتغير وتجزئة المجَزَّأ، على المجتمع الغربي مع مسؤوليه أن ينظروا إلى أخطائهم تجاه غيرهم من الشعوب قبل أن تغرق السفينة، سفينة كوكب الأرض بالجميع.