بقلم: محمد إقبال حرب - لبنان
ترحَّموا على الأموات... عَظمَ الله أجركم.
ترحَّموا على الشهداء... على مَنْ مات تفجيراً أو قضى تهجيراً.
ترحَّموا على مَنْ قضى في سريره بسلام أو من مزَّقته أحلام ساعٍ للقاء الحواري ففجر وقتل وترك وصية أنهاها "بالحمد لله رب العالمين".
ترحَّموا على بعضكم البعض قبل فوات الأوان؟ قبل أن تصبح الرحمة عملة نادرة تُباع في أسواق النخاسة كما يُباع الشرفاء في مزادات الأمم.
مَنْ يترحَّم على كرامتنا الـمُداسة؟
مَنْ يصلي على حريتنا المسروقة؟
من يترحَّم على عصر الاستبداد. بل مَنْ يفك الأصفاد ويزيح النصل عن الأوراد؟
مَنْ يقف في وجه الكفرة الذين يكبِّرون عندما يرتكبون فاحشة القتل ويسبحون عندما يُهتك عرض؟ مَنْ يوقف رقصة الانتصار على كفار "من طائفة أخرى"؟ بل صموا آذانكم لأن صوت النغم من عمل الشيطان... تباً لكم.
مَنْ يترحَّم على زمن أصبح فيه الماضي حاضراً ببشاعة لا يقبلها كفار قريش. يا علماء اللغة غيرِّوا النحو والإعراب فالماضي أصبح حاضراً ومستقبلاً. والحاضر أصبح دفين الوثنية الجديدة. وثنية ترفع شعار الإيمان... مَنْ يترحم على الإيمان؟
مَنْ يترحَّم على وطن داسه وثن؟ على مواطن قضى جوعاً ثكلاً مفجوعاً؟ على زمن كانت لكم فيه كرامة... فأصبحتم جزءاً من قمامة.
ويحكم أيها البؤساء, تترحمَّون على من رحل إلى رحمة الله وتنسون أنفسكم. وليتكم تعلمون كيف تترحَّمون على أنفسكم.
ترحمَّوا عليها بالتمرد، بالثورة على كل المنافقين والمدعين, أطلقوا عنان أرواحكم لتعيش حرة منخلعة من هذا السلطان وذاك الفرعون... بل طلائع الكفر المقنعة بوقار كاذب. كلهم يلبسون نفس الحذاء مع أن ركلاتهم مختلفة... لكنكم تُركلون.
ارحموا أنفسكم وصلوا عليها صلاة الغائب، لأنها قد رحلت منذ أمد طويل مع رحيل كبريائكم وانحطاط شموخكم فأصابتكم الذلة بمقتل. ترحمَّوا على جبن قلمكم وجبن صوتكم فما عاد أي منهما يصدح بالحق خوفاً من سوط السلطان الجديد.
ويحكم، ألم تخجلوا بعد؟
ألم تدفنوا أنفسكم في مزابل النسيان... مَنْ يريد أن يتذكر عصركم؟
ويحكم أيها الأموات أقيموا صلاة الغائب على نفوسكم العفنة وانتظروا أبا لهب يجزُّ رقابكم إن لم تُقبِّلوا يده سمعاً وطاعة.