السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حوارات التعيس وخائب الرجاء/ بقلم: نبيل عمرو

2016-03-29 10:31:53 AM
حوارات التعيس وخائب الرجاء/ بقلم: نبيل عمرو
نبيل عمرو

 

لم يعد أحد في وارد انتظار ما سيسفر عنه اللقاء الذي جرى أو يجري أو سيجري في الدوحة بين وفدي فتح وحماس، هذا إذا كان، وبعد الكثير من حسن النية، أن نجد عشرة أشخاص من الفلسطينيين عرفوا بهذا الاجتماع أو اكترثوا له.

التعيس وخائب الرجاء هي صفة يتبادلها الوفدان الأزليان، مع أن كل واحد منهما يملؤه يقين مصطنع بأنه يملك أوراقاً أقوى من الأوراق التي يملكها من يحاوره، وهذا نوع من الوهم السياسي الذي لا ينتج إلا مزيد من التردي على أرض الواقع.

 وبينما تجري الاتصالات واللقاءات في المطارات والعواصم، يدور الحديث في بيتينا الفلسطينيين غزة والضفة، حول منسوب الكارثة التي يكابدها المواطنون، والتي بلغت حد اليأس السياسي في الضفة، واليأس من وقف التدهور الحياتي في غزة، ففي الضفة سؤال تجاوز الانقسام والتعثرات السياسية، وهو أخطر سؤال واجهه الفلسطينيون منذ بدء قضيتهم ويتلخص في كلمتين: "ما هو مصيرنا؟" الأخطر من السؤال هو الإجابات المتعددة عنه، والتي تدل على أن الطبقة السياسية بإجمالها تعيش في غيبوبة ينعزل الوعي فيها عن الواقع، فهنالك من ينتظر ترياقاً من مجلس الأمن، والتجربة تقول إن الترياق الوحيد الذي ينتجه مجلس الأمن هو الفيتو الأمريكي مع كل ما تريده إسرائيل، وضد كل ما يريده الفلسطينيون، ويقال كذلك إننا ننتظر نضوج طبخة المؤتمر الدولي والمبادرة الفرنسية، مع أن أبسط العقول السياسية السليمة لا ترى في ذلك حلاً أو باباً للحل على المدى المنظور.

وإذا ما انتقلنا إلى البيت الثاني، غزة، فالحديث هناك حول الأرقام القياسية التي بلغتها المعاناة الإنسانية، فالإغلاق المطلق ضرب رقماً قياسياً عالمياً في طوله وآلامه، حتى أن جيلين من أجيال غزة لا يعرفون ما وراء رفح وما وراء إيريز، أما باقي المواطنين هناك، فقد حازوا على الرقم القياسي في شرب الماء المالح، وبعد أن تعودوا عليه جاء دور الماء الملوث الذي ربما لا يصلح حتى سماداً للأرض وشراباً للمواشي، كما سجلت غزة رقماً قياسياً في نسبة البطالة التي تؤدي تلقائياً إلى رفع نسبة الجوع والحرمان من أبسط الاحتياجات اليومية، ناهيك عن الموت الموسمي الذي يحصد آلاف الأرواح في كل موقعة تحدث بين عام وآخر، ودون الإفاضة في سوق الأمثلة عن الأرقام القياسية المأساوية، فيكفي القول إن كل أمر كارثي صار حكراً على غزة وكل أمل بإنهاء هذا الوضع يبتعد ويتلاشى ما دام الوضع السياسي في غزة على حاله، فعلى ماذا يتحاورون في الدوحة؟ وما هي مساحة الأمل والثقة بالخروج من هذه المحنة التي تجاوزت السياسة والإدارة والأمن والاقتصاد، لتطال حتى الأجنّة في البطون.

ليس يأساً مجانياً ما وصل إليه الفلسطينيون في هذه الأيام، إنه ظاهرة لم يسبق أن عاشوها على مر التاريخ، كان دائماً يجد الفلسطيني أملاً يتزود به لمواجهة كل عوامل الإحباط واليأس والتيئيس، وكان دائماً ما يجد دروباً ومسالك يمضي فيها نحو أمله الذي هو هدفه المشروع، أما الآن فأين هذه الدروب التي يمكن أن يمشي فيها الأمل نحو غاياته؟

إن الطبقة السياسية الفلسطينية المتشبثة بإيقاع الماضي دون أن تجد إيقاعاً معقولاً للحاضر والمستقبل، صارت ليس فقط من خلال الانقسام وحده، بل ومن خلال استهلاك نفسها واستهلاك مؤسساتها واستهلاك بدائلها، حتى الوهمية منها عبء وليس حلاً، والأمر لا يحتاج إلى دلائل على هذه الحقيقة السوداء، فيكفي ما جرى على مدى عشر سنوات من الانقسام وعشرين سنة من الابتعاد عن الهدف كي نوقن بأن الخلاص ليس بيد هؤلاء، وإذا كانت الطبقة السياسية القديمة غير المتجددة تشكل الجدار الذي ترتطم به تطلعاتنا فلنا عندها رجاء.. أن تتنحى جانباً وتترك للشعب الفلسطيني إفراز طبقة سياسية جديدة لعل الحل يكون على يدها.

أشك في أن هذه الطبقة ستستمع إلى الرجاء، ذلك أن للتشبث أحكاماً وسطوة لا تقاوم.