الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لاجئة فلسطينية في الأردن تحكي لـ"الحدث" تفاصيل بشعة عن تعذيب عائلتها لها:

2014-03-26 00:00:00
لاجئة فلسطينية في الأردن تحكي لـ
صورة ارشيفية

 أفقدوني بصري وحاولوا قتلي ثم أودعوني الملاجىء طيلة حياتي وحرموني الزواج ممن أحببت!

 
الحدث: عمان- بثينة السراحين
تماما كما رسم مسلسل "التغريبة الفلسطينية"، ولأول مرة في الدراما العربية، الصورة الواقعية والحقيقية للإنسان الفلسطيني، بوصفه بشرا يخطىء تماما كما يصيب، وتعتريه عقد الشرق كسواه من العرب، جاءت تجربة بطلة هذه الحكاية الواقعية لتؤكد أنّ من بين مكونات هذا الشعب المجبول بالبطولات والنضالات نماذج قاتمة ومعتمة لجهة ممارسة القمع والتمييز تجاه الطرف الأضعف في مجتمع ذكوري بإمتياز.
وتتعدى حكاية "نبيلة" طاقة أي حبر على صياغتها بما يوفيها حقها من ترجمة كاملة لحجم الألم الذي عايشته ضحية أطلقنا عليها إسما مستعارا؛ لنستر خلفه سمعة العائلة، السّمعة التي كانت أصلا سببا أصيلا في تأجيج نار الجحيم الذي تعيشه اليوم، وهي من لم ترتكب ذنبا أعظم من كونها أنثى!.
تتحدث نبيلة ل"الحدث الفلسطيني" راسمة خيوط مأساتها بعبارات لم يكتنفها التذلل والضعف للحظة، بكبرياء وتعفف إمرأة عجيب، وكأنها لم تنتهي اليوم ونحن نلتقيها، في خريف العمر، إلى خراب يحيق بكل تفاصيل قدرها: " أنا لعائلة لاجئة حطت في مخيم لجوء حيث رام الله، لتليها ولادتي التي أعقبت النكبة بقليل، وإصابتي رضيعة في شهري السادس بحساسية في عينيّ، عالجها والداي الأميّان آنذاك بقطرات من مادة(الشبّة) المذابة تسببت بفقداني البصر، صُعق الطبيب الذي عاينني بعدها بأيام، واحتجّ متألما جريمتهما بحقي: ماذا فعلتما بهذه الطفلة المسكينة؟! لقد أجهزتما على أي فرصة لها للإبصار أبد حياتها".
وتواصل نبيلة: "العار والخجل من احتضان طفلة عمياء في وسط اجتماعي يجيد التنابز والتجريح؛ والخوف من حمل ثقيل لإبنة لن تستطيع تحقيق رغبة أهلها بالزواج والسترة وحفظ شرف العائلة مستقبلا، كانت مقدمات لقرار قتلي في شهري الثامن، فلفظوني وعاري وحملي الثقيل إلى خارج المنزل ليلا حيث الثلوج والموت المحقق المأمول لطفلة ضعيفة النية لن تصمد طويلا في العراء والصقيع، لم أتوقف عن البكاء بردا وخوفا وحاجة لدفء حضن والدتي، ليسعفني الجيران موبّخين أهلي، لائمين قسوتهم، وليتهم لم يعيدونني وتركوني للموت السريع، بدلا من مواصلة حياة مفرغة من أي معنى".
النبذ والإهمال ظلا مصيرها إلى أن أشفق لحالها في نهاية عامها الثالث إبن عمّ والدها، ممن اقترح على العائلة إيداعها مدرسة داخلية للكفيفات في القدس، تصف نبيلة يومها الأول فيها" بعدما سلمتني والدتي للراهبات الأجنبيات وهمّت بالخروج لحقت بها وتشبتثت بثوبها أريد الرحيل معها، حيث كنفها ووالدي وأشقائي، خلصت ثوبها من قبضة يديّ الغضتان، وتركتهما لتمسكا بجمر اليتم والوحدة والعذاب، ومذ ذاك اليوم ظلت يداي مشرعتان على وقع السؤال: كيف يقتطع المرء قطعة من روحه ويرميها للغرباء بكل هذه السهولة؟!!!".
سالت دموعنا والحاضرين باستثناء "نبيلة" ممن أجابت بجلد لا ندري تفسيره على سؤال الحدث" كيف أمضيت يومك الأول بعد رحيلها؟!" لتجيب بإبتسامة تتناقض كثيرا والحزن الفاضح في عينيها البصيرتين" أمضيت يومي الأول باكية دون توقف، لم أنم إلا بعدما هدّني التعب، وشيئا فشيئا تعودت غيابها لدرجة أنني لم أجدني راغبة في رؤيتها خلال زياراتها المعدودة لي خلال سنوات طويلة، هي طفولتي وصباي،، سنوات لم يرأف خلالها قلب والدي بزيارة واحدة لي!!، وكان إبن عمّه الذي أودعني منذ البداية، شفقة بحالي، دار الكفيفات يقوم بدور الأب البديل، في زياراته المنتظمة لي ومتابعته الحثيثة لحالي وسؤاله الدافئ عني".
خلال إقامتها في دار الكفيفات، حصلت "نبيلة" على رعاية فائقة من الراهبات الأجنبيات، أجادت اللغة الإنجليزية والقراءة والكتابة بلغة بريل، وأستكملت تعليمها الدراسي، تعلمت العزف ببراعة على آلآت موسيقية، حتى أنها تعلمت كيفية التمييز بين الألوان رغم أنها لا تراها!، وبُعيد إنهائها لتعليمها المدرسي تلقت تعليمها بمعهد خاص للكفيفات وتعملت فنون التطريز والحياكة والطبخ ومهن يدوية أخرى وحملت شهادة تؤهلها للعمل، إلا أنها ولقاء حصولها على  كل هذه الإمتيازات خسرت ما هو أهمّ بكثير فوق عائلتها، وذلك كما تبين" علموني صلاتهم وكنت أتلو ترانيمهم، لم يحدثني أحدهم يوما في طفولتي وصباي عن أنني مسلمة!، ولم أكن أعرف ما هو الإسلام أصلا!!، خرجت بعد نزوج أهلي لجهة الأردن شابّة يافعة لأجد نفسي لا أحتمل الإقامة في كنف أسرة لفظتني طويلا، وببساطة لم أكن وأشقائي نشعر بشيء يجذبنا لبعضنا البعض، فالبعد جفاء، وبحكم أن شقيقاتي (المُبصرات) لم يكملن حتى تعليمهنّ الإبتدائي لم أستطع التواصل معهن وأنا (الكفيفة) المتعلمة!، ووجدتني أعيش حالة فظيعة من الإغتراب وسط عائلتي التي كانت تعاملني كقطعة من أثاث المنزل لا أكثر!".
لدى عودتها للإقامة مع عائلتها في الأردن كان والد "نبيلة" قد توفي مذ سنوات، ووالدتها تعاني المرض والعجز، فيما أشقاؤها وشقيقاتها تزوج غالبيتهم، ومن تبقى منهم عازبا همّشها، ضاقت الدنيا بنبيلة التي كانت قد تشبعت بنمط حياة الأجانب، ممن تشربت منهم فنون الحياة، حدّ أنها لا تقو على معاشرة العرب وتحمل أنماط معيشتهم، وتشرح أكثر" تعبت من غربتي وسط أهلي، خاصة وأنني لم أجد إهتمامات مشتركة بيننا، ولم تكن أفكارنا تتقاطع حتى، حاولت البحث عن عمل فعجزت، ذلك أنّ المبصرين بالكاد يجدون عملا فما بالكم بي أنا الكفيفة؟!، عانيت الفقر والحرمان من شراء أبسط حاجياتي في وسطهم رغم أنهم لم يكونوا فقراء!، بل إنّ أشقائي الذكور جميعا ميسوري الحال وأصغرهم مدرّس جامعي".
ظلت "نبيله" على تواصل مع صديقاتها من رفيقات الدراسة، ولبّت دعوة لزيارة صديقة لها تقيم في أمريكا، وأقامت لديها وعلى نفقتها عاما كاملا قبل أن تعود خجلا من مضايقة زوج الصديقة التي ارتبطت برجل لئيم صار يجاهر "نبيله" برفضه اقامتها معه وزوجته ، وبعد عودتها لعمان بسنوات ثلاث تلقت "نبيلة" دعوة أخرى من صديقة بريطانية من أصل عربي، وخلال تواجدها في بريطانيا أغرم بعينيها الزرقاوين ولونها الورديّ شاب بريطاني، لدرجة أنه أعلن إسلامه رسميا وحضر برفقتها لعمان طالبا من عائلتها تزويجه بها، وكانت النتيجة كما تخبرنا" رفضوه بحجة أنهم غير مقتنعين بأنّ زواجنا سيدوم، وآلموني كثيرا وهم يقولون: سرعان ما سيملّ منك بسبب (عمَاك) ليرميك إلينا مرة أخرى حملا ثقيلا بصحبة أطفالك المفترضين، ممّن سيكون مصيرك ومصيرهم المؤكد التسوّل طلبا للعيش وأنت من ستعجزين عن إيجاد وسيلة للإنفاق عليهم، خاصة وأنك يجب أن تعلمي بأننا لسنا مستعدين لتقديم أي عون مالي لك ونحن أرباب أسر ولدينا نفقات كثيرة نتكفل بها!!".
"نبيلة" رفضت محاولات عاشقها البريطاني معها للزواج بها دون موافقة عائلتها، والسبب كما تذكره" أخبرته بأنني لن أخذلهم كما خذلوني طيلة الوقت، وفضلت البقاء تحت رحمتهم إلى أن ضقت ذرعا بلؤمهم، واليوم أقيم كضيفة ثقيلة الظل على صديقتي الأردنية المسيحية الكفيفة التي تؤمّن لها عائلتها المهاجرة في أمريكا مسكنا لائقا وخادمة تقضي لها طلباتها،، خادمة رفضت إعطائي شربة ماء حين مرضت في الشتاء الماضي مرضا شديدا كاد يهلكني وأنا لا أجد الا الله أتوسّله الرحمة،، الله الذي حين أذكره فقط أرى نورا ساطعا يشقّ عتمتي الأبدية، الله الذي أشتكي له تخلي عائلتي التي حرمتني فرصة الزواج وإنجاب أبناء كانوا سيقوموا على رعايتي اليوم وأنا في خريف العمر، أعاني الأمراض المزمنة وافتقد الإحساس بالأمن على غدي وشيخوختي وعجزي في حال كتبت لي حياة المهانة هذه مدة أطول".
 
نبيلة تتحدث لمراسلة الحدث الفلسطيني من عمان 
 
صورة نبيلة
 
صورة نبيلة
 
الأدوية التي تتاجي نبيلة بشكل منتظم لعلاج أمرضها المزمنة وتسكين آلامها وكثيرا ما تعجز عن إيجاد ثمنها