الحدث- ناديا القطب
أخبار السياسات الحكومية- القرار بقانون بشأن الضمان الاجتماعي
يدور جدل ساخن في الشارع الفلسطيني، حول العديد من القضايا الجوهرية المتعلقة بالقرار بقانون رقم (6) لعام 2016 بشأن الضمان الاجتماعي، سيما بعد إقراره ونشره في الجريدة الرسمية، واقتراب مرحلة التنفيذ.
ولعل أبرزها القضايا، مثار الخلاف، ما إذا كانت "الدولة ضامنا" بالفعل لصناديق الضمان الاجتماعي وملايين الأموال التي ستودع فيها مستقبلاً، إذا ما تبين وجود عجز مالي، يهدد استدامة الصناديق المالية، وينذر بانهيارها، أم أن الدولة (الحكومة) قد نفضت يدها بالفعل عن منظومة الضمان الاجتماعي وأموال العباد؟
واضعو القرار بقانون: "الدولة ضامن"
واضعو القرار بقانون، يرون أن "الدولة ضامن" لمنظومة الضمان الاجتماعي وأموال العباد (شقا العمر) التي ستودع في صناديق الضمان (الحافظ) ويسوقون الحجج للتدليل على ذلك ومن أبرزها؛ أن الدولة ضامن لكافة القوانين، وأن هنالك نصوص واردة في القرار بقانون تؤكد ذلك، وأن الحال كذلك في قوانين الضمان الاجتماعي في الدول العربية، وأن مؤسسة الضمان الاجتماعي هي مؤسسة دولة ومرجعيتها الدستور.
معارضو القرار بقانون: "الدولة لا تضمن"
لكن معارضي القرار بقانون، يرون عكس ذلك تماماً، ويؤكدون أن الدولة قد نفضت يدها من منظومة الضمان الاجتماعي، وبخاصة مع "الغاء" الفقرة التي كانت واردة في المادة (2) من القرار بقانون التي كانت تنص "على أن تكون الدولة الضامن النهائي لمنظومة الضمان الاجتماعي". وقد جرى هذا الإلغاء، في الفترة ما بين مصادقة الحكومة على القرار بقانون بتاريخ 16/2/2016 وإصداره من قبل السيد الرئيس بتاريخ 2/3/2016 ومن ثم نشره في الجريدة الرسمية، وهذا ما يظهر بوضوح في الصيغة التي أقرتها الحكومة والصيغة التي صدرت عن السيد الرئيس ونشرت في الوقائع الفلسطينية. كما أن النصوص الواردة في القرار بقانون، التي يستدل بها واضعو القرار بقانون، لا تغير شيئاً من حقيقة أن الدولة قد تخلت عن مسؤوليتها في الضمان الاجتماعي.
هل الدولة ضامن لمنظومة الضمان الاجتماعي في فلسطين؟
"الحدث" أجرت لقاء مع د. عصام عابدين، رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق، والمحاضر في برنامج الماجستير في الديمقراطية وحقوق الإنسان بجامعة بيرزيت، للوقوف على المسائل الجوهرية التي تتعلق بالأسئلة غير المجاب عليها في الضمان الاجتماعي، ومن أبرزها ما يتعلق بسؤال هل الدولة ضامن لمنظومة الضمان الاجتماعي في فلسطين؟ وما يتعلق باستدامة التغطية التأمينية ومصير ملايين الأموال التي ستودع في الصناديق؛ أي في البنوك أو المؤسسات المالية التي يطلق عليها القرار بقانون اسم الحافظ، ومدى مسؤولية الدولة على هذا الصعيد.
ما هي حكاية التعديلات الجوهرية التي جرت على القرار بقانون؟
يقول د. عابدين، قبل أن نقوم بتفنيد آراء المؤيدين والمعارضين، بشأن مصير أموال المؤمن عليهم وعائلاتهم، المشار إليها في مقدمتكم، وما إذا كانت الدولة ضامنا بالفعل لتلك الاموال الهائلة للصناديق مستقبلاً، أم أنها قد نفضت يدها عن منظومة الضمان، من الضروري التأكيد على مدى خطورة التعديلات التي جرت في الفترة ما بين مصادقة الحكومة على القرار بالقانون وبين إصداره ونشره في الجريدة الرسمية؛ فالتعديل الذي جرى على المادة (2) من القرار بقانون بشأن مسؤولية الدولة كضامن نهائي، لم يكن التعديل الجوهري الوحيد، الذي جرى على نحو سريع وخاطف.
ويضيف عابدين، هنالك التعديل الجوهري الخاطف الذي جرى على المادة (116) فقرة (4) من القرار بقانون بشأن نقل حسابات صناديق الإدخار، وحسابات التوفير، والتأمين الصحي؛ إلى "صندوق التقاعد التكميلي" المنفصل تماماً، ولا علاقة له بمؤسسة الضمان الاجتماعي، ولا يخضع لإشرافها ورقابتها أساساً، ووجوده يطرح العديد من علامات الاستفهام على القرار بقانون، وذلك بعد أن كان النص القانوني المصادق عليه من الحكومة يؤكد صراحة على أن تلك الأموال، التي تقدر بالملايين، تبقى حسب ما هو معمول به من إجراءات وترتيبات بين أصحاب العمل والعمال في أماكن عملهم؛ أي بمعنى أن يبقى الوضع على حاله بشأن تلك الأموال، ولا علاقة للصندوق التكميلي بها، ولا تحول تلك الأموال لا للصندوق التكميلي ولا لمؤسسة الضمان الاجتماعي .
ويقول عابدين، والحال كذلك، بشأن التعديل الجوهري، الذي جرى في ذات المساحة الزمنية ما بين مصادقة الحكومة على القرار بقانون وإصداره ونشره، والذي استهدف المادة (116) فقرة (3) من القرار بقانون المتعلقة بمكافأة نهاية الخدمة وصناديق الادخار وغيرها؛ حيث يجبر التعديل الجديد صاحب العمل على تحويل فروق مكافأة نهاية الخدمة، التي تجاوزت الحد المقرر في قانون العمل؛ أي التي تمنحها العديد من المؤسسات لعمالها وموظفيها بما يزيد عما هو وارد في قانون العمل، إلى "الصندوق التكميلي" المنفصل بشكل سنوي، بدلاً من تحويلها دفعة واحدة "عند انتهاء خدمة المؤمن عليهم" حسبما كان وارداً قبل هذا التعديل الخاطف.
كيف تم إقصاء وزارة العمل عن منظومة الضمان الاجتماعي؟
ويتابع عابدين، وكذلك التعديل الجوهري الذي استهدف حذف البند (3) من المادة (11) من القرار بقانون، في ذات الفترة الزمنية، والتي كانت تنص على أن "تكون وزارة العمل الجهة الحكومية المختصة لضمان قيام مؤسسة الضمان الاجتماعي بتنفيذ أحكام هذا القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه". وباتت المادة المذكورة مكونة من بندين بشأن تسمية المؤسسة وشخصيتها الاعتبارية التي سنأتي عليها لاحقاً؛ بعد حذف البند الثالث المذكور كاملاً من المادة (11) من القرار بقانون المتعلق بوزارة العمل. وبذلك جرى إقصاء، وزارة العمل، وإقصاء مسؤولياتها الكبيرة المفترضة باعتبارها إحدى أعمدة ثلاثي أطراف الإنتاج من عمال وأصحاب عمل وحكومة.
ويتساءل الدكتور عابدين، عن السبب في إقصاء وزارة العمل عن دورها الأصيل في ملف الضمان الاجتماعي بأكمله، ولماذا لم تدير وزارة العمل مع ممثلي العمال وأصحاب العمل والمجتمع المدني "مرحلة تأسيس" منظومة الضمان الاجتماعي، وما المغزى من إقصائها على هذا النحو، وهل باتت أيام وزارة العمل معدودة؟
وأمّا القول بأن وزارة العمل، ممثلة بعضو في مجلس إدارة مؤسسة الضمان (14 عضواً)، فهذا لا يجيب على الأسئلة المطروحة مطلقاً! بل ينطوي على خلط واضح بين طبيعة "العضوية" في مجلس إدارة مؤسسة الضمان، وبين المهام والمسؤوليات الكبرى التي ينبغي أن تقع على عاتق وزارة العمل في منظومة الضمان الاجتماعي.
السؤال ما زال يراوح مكانه دون إجابة
يقول عابدين، رغم كل ما سمعته، من تبريرات ساقها واضعو القرار بقانون في محاولات جاهدة للقول بأن الدولة ضامن لمنظومة الضمان الاجتماعي والصناديق المالية، إلا أنه لم تتم الإجابة لغاية الآن على السؤال الواضح التالي: لماذا جرى حذف العبارة التي كانت واردة في المادة (2) من القرار بقانون التي تؤكد بالنص الصريح على أن الدولة هي الضامن النهائي لمنظومة الضمان الاجتماعي؟ لغاية الآن لم نسمع إجابة السؤال.
ما هي حقيقة دور الفريق الوطني في إعداد ومناقشة القرار بقانون؟
ويضيف عابدين، لماذا لم تجر مناقشة تلك التعديلات الجوهرية مع"الفريق الوطني للضمان الاجتماعي" خلال مرحلة نقاش القرار بقانون؟ وإذا كانت السلطة التنفيذية هي التي أجرت تلك التعديلات الجوهرية فما هي مبرراتها؟ ومن الذي اقترحها خاصة وأنها ترد في أماكن بالغة الدقة في القرار بقانون وهي مؤثرة بشكل كبير جداً؟
أربع اجتماعات فقط ..
ويتساءل عابدين، لماذا لم يعقد الفريق الوطني للضمان الاجتماعي سوى "أربع اجتماعات فقط" منذ تشكيله بقرار مجلس الوزراء الصادر عام 2012 وصولاً إلى الاجتماع الرابع والأخير الذي عقده بتاريخ 14/10/2015؟ علماً أن الفريق الوطني، وبمعزل الآن عن نقاش طبيعته ومدى تمثيله في شأن يمس الجميع، هو المكلف من مجلس الوزراء بمناقشة كل كبيرة وصغيرة في منظومة الضمان الاجتماعي، وبالتالي ينبغي أن لا نخلط بين مسؤولياته وتكليفه وبين ما قامت به لجان مصغرة في "اجتماعات مصغرة" كاللجنة التوجيهية ولجنة الصياغة.
لم يطلع على القرار بقانون..
ويتساءل عابدين، متى اطلع "الفريق الوطني" للضمان الاجتماعي على مشروع قرار بقانون الضمان الاجتماعي؟ في أي اجتماع من الاجتماعات الأربعة تحديداً؟ ويتابع عابدين،لا يبدو لي، من خلال متابعة حثيثة لتسلسل الأحداث، أن مشروع الضمان الاجتماعي قد عرض على الفريق الوطني في أي من الاجتماعات الأربعة.
وثيقة النِسب..
والغريب في الأمر، يقول عابدين، أن مذكرة التفاهم (وثيقة النسب) التي وقع عليها ثلاثي أطراف الإنتاج من ممثلي العمال (اتحاد النقابات المستقلة لم يوقع عليها) وأصحاب العمل والحكومة ممثلة بالدكتور المجدلاني إلى جانب توقيع ممثل منظمة العمل الدولية، بشأن نسبة الاشتراكات والحد الأعلى للأجر الخاضع للتأمينات ومعامل التقاعد، قد جرى التوقيع عليها بتاريخ 26/10/2015 وفي "اجتماع مصغر" كما تشير الوثيقة، أي بعد الاجتماع الرابع والأخير للفريق الوطني الذي جرى بتاريخ سابق (14/10/2015) ثم أحيل مشروع قرار بقانون الضمان الاجتماعي لمجلس الوزراء بتاريخ 27/ 10/2016، أي بعد الاتفاق على النسب الواردة في الوثيقة!
وهذا يعني حتماً، أن "الفريق الوطني للضمان الاجتماعي" كفريق مكلف من مجلس الوزراء لم يطلع على وثيقة النسب، ولم يطلع أيضاً على مشروع القرار بقانون، وجرى إحالته إلى مجلس الوزراء، ما يعني أن النقاش كان يدور في اجتماع مصغر، على وثيقة النسب فقط، لا على مشروع القرار بقانون المكون من (124) مادة. ومع التوقيع على "وثيقة النسب" بتاريخ 26/10/2015، جرى عرض "مشروع القرار بقانون بأكمله" على مجلس الوزراء في 27/10/2016، ولا يمكن، بحسب تسلسل الأحداث، إلاّ أن نخرج بتلك النتيجة، كما يقول عابدين.
ويتساءل عابدين، عن "الدراسة الإكتوارية" التي أعدتها منظمة العمل الدولية وهل نوقشت لدى الفريق الوطني للضمان الاجتماعي في إطار الأسس والمعايير والمدخلات والمخرجات التي جرى الاحتكام لها والبناء عليها؟ ومتى نوقشت؟ ومتى أفرج عن الدراسة؟وهل استندت وثيقة النسب التي جرى نشرها مؤخراً للدراسة الإكتوارية؟
هل صحيح أن مؤسسة الضمان هي مؤسسة دولة ومرجعيتها الدستور؟
يقول عابدين، غير صحيح أن مؤسسة الضمان الاجتماعي هي مؤسسة دولة ومرجعيتها الدستور، لأن القانون الأساسي المعدل لم يأت إطلاقاً على ذكر مؤسسة الضمان، وهي لا تستمد شخصيتها القانونية أو وجودها القانوني مباشرة من القانون الأساسي ليُقال إن مؤسسة الضمان مؤسسة دولة ومرجعيتها الدستور! ومن يقول بخلاف ذلك فليرينا أين ورد هذا الكلام في الــ (121) مادة التي يحتويها القانون الأساسي المعدل؟
ويضيف الدكتور عابدين، دققوا جيداً في قانون الضمان الأردني رقم (1) لسنة 2014 الذي اقتبس القرار بقانون الفلسطيني العديد من أحكامه عنه، حيث ينص القانون الأردني في المادة (8) على أن تنشأ بمقتضى أحكام هذا القانون مؤسسة تسمى (المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي) فيما تنص المادة (11) المقابلة الواردة في القرار بقانون الفلسطيني بشان الضمان الاجتماعي على أن تنشأ مؤسسة تسمى (مؤسسة الضمان الاجتماعي) لاحظ كيف سقطت كلمة "العامة" الواردة في النص الأردني من النص الفلسطيني المقابل، فماذا يعني ذلك؟
ويتابع عابدين، لو عدنا عدة سنوات إلى الوراء وتحديداً إلى قانون التأمينات الاجتماعية الفلسطيني رقم (3) لسنة 2003 الذي جرى إلغاؤه في العام 2007، فقد كان ينص في المادة (4) فقرة (1) على أن تنشأ بمقتضى هذا القانون مؤسسة عامة تسمى (المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية) ولو قارناها مع التسمية الواردة في القرار بقانون رقم (6) لعام 2016 بشأن الضمان الاجتماعي (مؤسسة الضمان الاجتماعي) ، فماذا يعني ذلك أيضاً؟
ويؤكد عابدين، نحن أمام مؤسسة تدار من قبل مجلس إدارة يشرف على شركات ربحية، لا أكثر ولا أقل؛ وهناك من يحاول أن يصورها على أنها مؤسسة دولة، دون وجه حق، أو مرفق عام أو مؤسسة عامة ولا يوجد في النصوص القانونية الواردة في القرار بقانون ما يدعم قوله، ووجود ممثلين عن بعض الوزارات في "عضوية" مجلس الإدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي لا يغير شيئاً من هذه الحقيقة. وأما فيما يتعلق بصندوق التقاعد التكميلي فالفارق يكمن فقط في أننا لا نعرف مجلس إدارته لغاية الآن!
ويقول عابدين، إن القرار بقانون، واضح، في المادة (19) التي تنص على أن "رئيس وأعضاء مجلس الإدارة مسؤولون مسؤولية فردية وتضامنية عن أي قرار يتخذ بسوء نية ويتعارض مع مسؤوليتاتهم وفقاً لأحكام هذا القرار بقانون". وبالتالي، ما علاقة الدولة، وكيف نقول إنها ضامن لأموال الصناديق وفق القرار بقانون!
ويتابع عابدين، لو دققنا جيداً في كافة التعريفات الواردة في المادة الأولى من القرار بقانون بشأن الضمان الاجتماعي، نجد أن هنالك (38) تعريفاً، والسؤال: هل هنالك أي تعريف وارد في كافة التعريفات المذكورة يتحدث عن وزارة أو عن جهة رسمية أو عامة، الإجابة لا، فماذا يعني كل ذلك؟!
إن الادعاء، بغير حق، بأن مؤسسة الضمان الاجتماعي، مؤسسة دولة أو مؤسسة عامة، إنما يهدف، من بين أمور أخرى، إلى تبرير العديد من النصوص الواردة في هذا القرار بقانون؛ ومن بينها إعفاء "المؤسسة" وجميع معاملاتها من الضرائب والرسوم الحكومية، وتبرير صفة "الضبط القضائي" التي منحها القرار بقانون لمدير عام المؤسسة والموظفين المفوضين فيها؛ وبالتالي منحهم صلاحيات واسعة للدخول إلى جميع أماكن العمل والاطلاع على وتفتيش جميع الوثائق والملفات والسجلات فيها، واعتبار المحاضر الصادرة عنهم رسمية لا يطعن فيها إلا بالتزوير ، وفرض غرامات عالية (تصل إلى 700 دينار أردني) لكل من يمانع أو يعارض أو يعيق عملهم، والنص أيضاً على عدم جواز بيع أي منشأة أو نقل ملكيتها أو الحصول على رخص مهن أو تجديدها إلاّ بعد الحصول على شهادة براءة ذمة من مؤسسة الضمان الاجتماعي، وغيرها من الامتيازات التي منحت دون وجه حق.
لماذا جرى إلغاء قانون التأمينات الاجتماعية رقم (3) لسنة 2003؟
يقول عابدين، السؤل بداية لماذا لم يطبق قانون التأمينات الاجتماعية رقم (3) لسنة 2003 بعد نشره في الجريدة الرسمية ولماذا لم يتم إنشاء "المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية" التي نص عليها القانون المذكور منذ تاريخ صدوره في 19/10/2003 وحتى تاريخ إلغائه في 23/8/2007؟ ومن الذي حال دون تطبيقه على الأرض؟! علماً أنه نشر في الجريدة الرسمية كما حصل مؤخراً مع قرار بقانون الضمان الاجتماعي!
ويضيف عابدين، لو قارنا بين ما ورد في نصوص قانون التأمينات الإجتماعية 2003 الصادر عن المجلس التشريعي، وقرار بقانون الضمان الاجتماعي 2016، فيما يتعلق بنسبة اشتراكات العمال وأصحاب العمل والحد الأعلى للأجر الخاضع للتأمينات ومعامل التقاعد واحتساب التقاعد؛ ستكون عندئذ الصورة الكاملة واضحة، وسنعرف لماذا جرى إلغاء قانون التأمينات الاجتماعية!
ماذا عن التقارير التي يقدمها مجلس إدارة مؤسسة الضمان لمجلس الوزراء والتشريعي؟
ويقول عابدين، ما علاقة التقارير التي يقدمها مجلس إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي لمجلس الوزراء والمجلس التشريعي بالشخصية القانونية للمؤسسة؟! وهل إذا قدم مجلس إدارة المؤسسة تلك التقارير تصبح الدولة في تلك الأحوال ضامن لأموال الصناديق المرتبطة بالتأمينات الاجتماعية؟!
من الغريب، أن نتصور أن تقديم مجلس إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي تقارير ربع سنوية لمجلس الوزراء والمجلس التشريعي عن الأداء الاستثماري والسياسة الاستثمارية بموجب المادة (23) فقرة (18) من القرار بقانون بشأن الضمان الاجتماعي يعني أن الدولة قد أصبحت ضامن في تلك الأحوال لأموال الصناديق؟! وماذا لو لم يقدم مجلس الإدارة التقارير المذكورة ماذا يحصل عندئذ؟!
ويتساءل عابدين، هل الكتل البرلمانية تتمتع بصفة "إستشارية" للسلطة التنفيذية أم تراقب على أدائها وما أخبار مبدأ الفصل بين السلطات الذي يعد بمثابة البوصلة للنظام السياسي أمام المعادلة الجديدة؟ لماذا هذا الخلط بين تغييب دور المجلس التشريعي وبين حق "كل عضو" في المجلس في ممارسة الرقابة البرلمانية بالاستناد للمادة (56) من القانون الأساسي المعدل؟
ماذا عن رقابة ديوان الرقابة وهيئة مكافحة الفساد؟
يؤكد د. عابدين، بأن القرار بقانون بشأن الضمان الاجتماعي لم يذكر في كافة مواده (124 مادة) أي كلمة عن ديوان الرقابة المالية والإدارية أو عن هيئة مكافحة الفساد على الإطلاق.
ويضيف عابدين، أود التذكير هنا أنه عندما أقرت الحكومة "نظام الشركات غير الربحية" بتاريخ 7/7/2015؛ أصدرت "بذات اليوم" القرار رقم (01/59/17/م.و/ر.ح) وقد أكد القرار الحكومي المذكور، بالنص الصريح، على خضوع الشركات غير الربحية لقانون مكافحة الفساد 2005 والقرار المذكور منشور في الجريدة الرسمية (الوقائع الفلسطينية) بعددها رقم (113) في تموز 2015.
وتابع عابدين، النصوص واضحة، لسنا أمام مرفق عام، إننا أمام شركات ربحية، والدولة غير مساهم فيها، ولا تتلقى أموال من حساب الخزينة، وبالتالي فإنني أشك كثيراً، في أن مؤسسة الضمان تخضع لقانون ديوان الرقابة المالية والإدارية رقم (15) لسنة 2004 وقانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005 بموجب نصوصهما!
ماذا عن دور المحكمة المختصة بالضمان الاجتماعي؟
يقول عابدين، لا أدري ما قصة المحكمة المختصة بالضمان الإجتماعي التي تبدو معلقة في الهواء؟ فالقرار بقانون لم يتحدث عن تشكيلها ولا عن عدد قضاتها ولا عن درجتها ولا عن مسائل الاختصاص وآلية الطعن على الأحكام الصادرة عنها وهل تقبل الطعن أم لا تقبل؟ ويتابع عابدين، حيث أنه لا يمكن تشكيل المحكمة المذكورة في ظل غياب النصوص الناظمة لما ورد ذكره، فإن آلية الإنصاف في هذا القرار بقانون المتعلقة بمحكمة الضمان الاجتماعي، ستظل معطلة بكل تأكيد، وذلك لحين إجراء تعديلات تشريعية بشأن تلك المحكمة!
وماذا عن قوانين الضمان الاجتماعي في الدول العربية بشأن الضامن؟
يقول عابدين، قبل أن نبحث في قوانين الدول الأخرى، من الضروري أن نرجع بالذاكرة إلى القوانين الفلسطينية، إذ بالعودة إلى قانون التأمينات الاجتماعية الفلسطيني رقم (3) لسنة 2003 (الملغى) نجد أن الدولة ضامن بكل تأكيد، وبشكل إلزامي، لمنظومة التأمينات أو الضمان الاجتماعي. خلافاً لما عليه الحال في القرار بقانون رقم (6) لعام 2016 حيث نجد أن الدولة قد نفضت يدها من منظومة الضمان الاجتماعي.
ويتابع عابدين، إن ما يتم تداوله من أرقام مواد من قرار بقانون الضمان الاجتماعي، في وسائل الإعلام، لا علاقة لها بضمان الدولة للضمان الاجتماعي، وإنما هي نصوص تتعلق بسلطة "جوازية" للحكومة بإعطاء قروض أو منح لمؤسسة الضمان الاجتماعي حال عجز المؤسسة، وهي مشروطة "بموافقة" الحكومة على أعطاء تلك القروض أو المنح، وبالتالي فإن النصوص المذكورة التي يتم ترويجها لا تلزم الدولة بشيء.
ويتساءل عابدين، كيف استدل واضعو القرار بقانون من النصوص التي يطرحونها في الإعلام، والتي سنقوم بعرضها، على أن الدولة ضامن للضمان الاجتماعي واستدامة الصناديق؟! وفيما يلي النصوص القانونية:
قانون التأمينات الاجتماعية الفلسطيني (الملغى)
المادة (14) فقرة (3)
"عند وجود عجز في الصندوق تلتزم الدولة بتغطيته على سبيل القروض أو الإعانات".
قرار بقانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني
المادة (49) فقرة (5)
"القروض والمنح التي توافق الحكومة على تقديمها في حالة عجز مؤسسة الضمان الاجتماعي". وهو ذات النص القانوني الوارد حرفياً في المادة (74) فقرة (4) وكذلك المادة (90) فقرة (5) من القرار بقانون؛ والتي يجرى الاستدلال بها، بغير وجه حق، من قبل واضعي القرار بقانون في وسائل الإعلام!
المعايير الدولية
ويتابع عابدين بالقول؛ لا أدري لماذا يستغرب واضعو القرار بقانون أن تكون الدولة "ضامن مالي" في الضمان الاجتماعي؛ إذ بمراجعة بسيطة للاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين بدون تحفظات؛ وبخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ نجد أن التعليق العام رقم (19) الوارد على المادة (9) من العهد الدولي المذكور ينص في (البند ثالثاً) الوارد تحت عنوان، التزامات الدول الأطراف؛ وتحديداً الفقرة (41) على أنه "ينبغي على الدول الأطراف أن تضع استراتيجية وطنية لتنفيذ الحق في الضمان الاجتماعي تنفيذاً كاملاً، كما ينبغي أن تخصص لذلك ما يكفي من الموارد المالية وغيرها على المستوى الوطني".
يؤكد عابدين، بأن قوانين الضمان أو التأمينات الاجتماعية، تنص بوضوح على دور ومسؤوليات الدولة كضامن حقيقي لمنظومة الضمان الاجتماعية، ولا يمكنها أن تتنصل من مسؤولياتها على صعيد الحماية والعدالة الاجتماعية، خلافاً لما يقوله واضعو القرار بقانون، وإليكم تلك النصوص الواردة في قوانين عدة دول:
قانون الضمان الاجتماعي الأردني
المادة ( 18) فقرة (ب)
"يجب أن يتناول المركز المالي للمؤسسة تقدير الالتزامات القائمة فإذا تبين وجود عجز مالي تلتزم الحكومة بتسديد هذا العجز ويعتبر ما تدفعه الحكومة على هذا الوجه دينا على المؤسسة تلتزم بتسديده من أي فاض يتوفر لديها في السنوات المقبلة".
قانون التأمينات الاجتماعية المصري
المادة 15
"يجب أن يتناول الفحص قيمة الالتزامات القائمة على الصندوق فإذا تبين وجود عجز اكتواري أو نقدي في أموال الصندوق ولم تكف الاحتياطيات والمخصصات المختلفة التزمت الخزانة العامة بأدائه وعلى الخبير أن يوضح في هذه الحالة أسباب العجز والوسائل الكفيلة بتلافيه".
قانون الضمان الاجتماعي التونسي
المادة 23
"يجب أن يكون لدى الصندوق القومي مال احتياطي عن كل نظام وعند وقوع عجز يسدد من المال الاحتياطي (احتياطي الخزينة العامة)".
قانون الضمان الاجتماعي الليبي
المادة (32) فقرة (2/أ)
"تتولى الدولة تغطية نفقات المصروفات الإدارية والعمومية للضمان كما وتغطي أي عجز قد يطرأ على ميزانية صندوق الضمان".
قانون التأمينات الاجتماعية العُماني
المادة 11
"يجب أن يتناول الفحص تقدير قيمة الالتزامات القائمة فإذا تبين وجود عجز في أموال الهيئة التزمت الخزانة العامة بسداده، ويعتبر ما تدفعه الخزانة العامة قرضاً على الهيئة تلتزم بسداده من أي فاض يتوفر لديها في السنوات المقبلة".
قانون الضمان الاجتماعي اللبناني
المادة (66) فقرة ( 4)
"اذا حدثت كارثة وطنية ادت الى عجز بالغ في الصندوق، يمكن للدولة ان تمنح الصندوق مساعدة استثنائية تحدد على أساس إعادة التوازن المالي بدون زيادة الإشتراكات".
قانون التأمينات الاجتماعية اليمني
المادة (12) فقرة (4)
"يجب أن يتناول فحص المركز المالي للمؤسسة تقدير قيمة الالتزامات القائمة فإذا تبين وجود عجز وجب أن يوضح الخبير الاكتواري أسباب العجز والوسائل الكفيلة لتلافيه وعلى أن تقوم الحكومة بتسديده ويعتبر ما تدفعه الحكومة على العجز ديناً على المؤسسة تلتزم بتسديده من أي فائض يتوفر لديها في السنوات المقبلة".