هنالك شخصيتان أعتقد أنهما إن تم تنصيبهما مستقبلا لرئاسة الوزراء في فلسطين، سأكون كرئيسة تحرير في موقف مهني وأخلاقي صعب، الشخصية الأولى أحتفظ باسمها لنفسي، أما الشخصية الثانية، فهي د. محمد مصطفى، رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني، ونائب رئيس الوزراء سابقاً.
أما السبب في هذه المعضلة، فمردها أني عملت مع د. مصطفى لمدة تقارب 9 أعوام في صندوق الاستثمار الفلسطيني، وذلك قبل استقالتي على إثر قراري التفرغ التام لرئاسة تحرير "الحدث". وكانت تلك فترة من أصعب ما تمر به القضية الفلسطنية على المستوى الداخلي والخارجي، في ظل الانقسام، وفي ظل شح الموارد الاقتصادية والمالية لفلسطين.
وكمهتمة بالشأن العام، تابعت كآخرين، خبر وثائق بنما المسربة، وحجم التهويل الذي تناولته به بعض وسائل الإعلام، دون الرجوع لصاحب الشأن لاستيضاحه، بحيث بات ما ورد من معلومات مشكوكاً في صدقيتها، خاصة بعد أن قرأنا توضيح د. مصطفى، في بيان صادر عنه.
الأمر برمته وضع علامة سؤال كبيرة حول توقيت وغاية هذا الأداء الإعلامي المصاب بالعوار، لجهة غاياته وأغراضه، والتي لن تخرج في أي حال من الأحوال عن كونها أتت بإيعاز وبطلب من "شخصيات اعتبارية" مهمة للتشهير بالدكتور مصطفى، أو في سبيل إحداث فقاعة إعلامية، أو لأغراض الابتزاز المالي للصندوق أي "الإعلان مقابل الصمت"، أو في سبيل وجود مادة سهلة التسويق عند رؤساء التحرير محليا وخارجيا لتناولها بالنشر والمتابعة. وكلها أهداف مادية ضيقة، مردودها وطنياً لا يخرج عن المساهمة في ترك "النخب الجسروية" المدسوسة علينا، تتحكم في مصائرنا.
وأعتقد أن الواعز الأخلاقي بالأساس يقتضي علي كشخص عايش تجربة صندوق الاستثمار الفلسطيني، منذ تولي د. مصطفى رئاسته حتى رحيلي عن الصندوق، أن أقول كلمة حق في الرجل مهنياً وإنسانيا.
لذلك، وبحكم وظيفتي السابقة كمسؤولة عن الإعلام والعلاقات العامة في الصندوق كنت مطلعة عن كثب على مختلف جوانب العمل فيه، سواء تلك الخاصة باستراتيجيات العمل طويلة المدى، أو خطط العمل الشهرية والسنوية، أو البيانات المالية، إلى جانب المراسلات المتداولة داخلياً وليست للنشر، أو تلك التي للنشر، وشهدت كيف مأسس د.محمد مصطفى، صندوقاً بالكاد كان يعرف الجمهور الفلسطيني شيئاً عن أدائه، ووضع له آليات عمل شفافة ومحوكمة، وشهدت كيف استطاع أن يقف على خيط رفيع وعلى مسافة واحدة من كل توازانات القوى والحسابات السياسية المختلفة والمتضاربة، نائياً بالصندوق بعيداً عن الخلافات والتوترات الفصائلية، وكيف استطاع أن يمشي بين حقل من الألغام على المستوى الدولي ليحمي الصندوق من أية ملاحقة قانونية دولية من جهات إسرائيلية وأمريكية تريد تجفيف موارد السلطة الفلسطينية الذاتية.
وعلى إثر الفترة التي خرجتُ فيها خارج الصندوق، استطعت أن أرى بوضوح أكثر معظم أولئك الشخوص الذين كانوا وما زالوا يبتسمون لمحمد مصطفى في وجهه علناً، بينما يحاولون تعطيل عمله سراً، أو يعملون على تعكير صفو العلاقة القائمة على المهنية والاحترام التي تجمعة بالرئيس محمود عباس، وكيف يسعون جاهدين لإفشال بعض المشاريع أو البرامج التطويرية التي يحاول تنفيذها، بدءا من شركة الوطنية موبايل وانتهاء ببناء المستشفى الاستشاري في ضاحية الريحان، وبناء مصنع للإسمنت ينهي بالكامل تبعيتنا لدولة الاحتلال في تزويدنا بهذه المادة الحيوية، فأفشلوا مسعاه.
وككل إنسان طبيعي للرجل مناقبهُ كما له مثالبه الكثيرةُ التي بقياسها بميزان ترجيحي، تعلو الأولى على الثانية.
ومن حكم ما خبرته من عملي مع د. مصطفى، الذي ما رأيته إلا شخصاً مؤتمناً على أموال الشعب الفلسطيني، ووطنيا بامتياز، يحب فلسطين، ويعمل لأجلها، دون أي أجندة شخصية، فإني أعرفُ تماماً أن د. محمد مصطفى، حين يقرأ ما كتبتُه فيه لن يعجبه الأمر، لأنه تأذى كثيراً من ربط اسمه بـ"الحدث".
لكن واجبنا الأخلاقي في المقام الأول، قبل أن نكون إعلاميين، يحتم علينا أن نتصدى لمحاولة تكسير النخب في فلسطين، وأن نعمل على إحباطها والوقوف في وجهها.
لذا، يكفيني أماناً واطمئناناً أن شخصا مثل د. مصطفى يدير صندوق الاستثمار الفلسطيني؛ فمن كان منكم مثل محمد مصطفى فليرفع يده.