الحدث- رام الله
إذا أردت الموسيقى الراقية فأنت تلجأ في المعتاد لحضور حفلات الأوبرا أو حفلات الموسيقى ذات الأوركسترا الشهيرة والسيمفونيات العالمية.
أما إذا أردت الضحك والفكاهة فأنت تختار المسرح بالطبع. لاحظ أننا هنا نتحدث عن الأماكن التي تقدم العروض المباشرة الحية وليس العروض المسجلة كالأفلام والاستماع للراديو والتلفاز وما شابه.
السؤال هنا.. ألا توجد طريقة للترفيه تجمع بين الموسيقى الراقية والفكاهة؟
حسنًا.. الهولندي أندريه ريو عنده الحل.
دعك من أنه واحد من أعظم الموسيقيين في القرن الحالي، ودعك من أنه ملقب بـ”ملك الفالس”، ودعك من أنه أحد أعظم من أمسك بالكمان في العالم.
أندريه ريو يملك أسلوبًا خاصًا في العزف وإدارة الأوركسترا المصاحبة له يجعل روحك تطفو فوق السحاب، وتجعل قلبك يرفرف من السعادة، ويجعل عينيك تدمع طربًا، كما يجعل فمك لا يتوقف عن الضحك إلى حد القهقهة.
قبل أن ندخل في التفاصيل إليك هذا النموذج السريع، حتى تعلم ما نحن مقبلون عليه في هذا التقرير.
أندريه ريو هو عازف كمان هولندي، اشتهر كثيرًا بإنشائه لأوركسترا “يوهان شتراوس” للفالس. والفالس هو قالب إيقاعي تحول لاحقًا لنوع من الرقص، بدأ في ألمانيا والنمسا لينتشر بعدها في جميع أنحاء العالم، خصوصًا بعد أن قام الموسيقار النمساوي “يوهان شتراوس الابن” بتنظيم مقطوعته الشهيرة “الدانوب الأزرق” عام 1866م.
ريو بمصاحبة هذه الأوركسترا تمكنوا من تحويل الموسيقى الكلاسيكية والفالس إلى حفلات موسيقية حول العالم وصلت شهرتها لشهرة أعظم الحفلات الموسيقية الخاصة بموسيقى البوب والروك.
احتل ريو قمة الترتيب الموسيقي العالمي في 30 مناسبة، كما حصل 355 مرة على جائزة الألبوم البلاتيني، كما وصلت مبيعات موسيقاه لعدد 35 مليون أسطوانة.
في عام 2012م أصبح الفنان الرجل الأكثر مبيعًا للموسيقى، كما كان من بين أكثر 10 موسيقيين فيما يخص جولات الحفلات الموسيقية.
مبيعاته في عام 2012م جعلته الموسيقيَّ رقم 12 الأكثر مبيعًا في تاريخ الموسيقى.
نتيجة لأفعاله السابقة تم تقليد ريو عددًا من الأوسمة مثل وسام الأسد الهولندي، ولقب فارس من نقابة الفنون والآداب الفرنسية، ووسام الشرف من قبل مقاطعة مسقط رأسه مدينة ليمبورغ.
من بين أجمل ما قيل عنه كان وصف صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية له في إحدى مقالاتها بأنه “مادونا الموسيقى الكلاسيكية”. كما ذكر في نفس التقرير أن موسيقاه لها القدرة على “حضن” العالم كله.
شاهد عزف ريو.
غالبًا ما يكون دخول ريو وفرقته ذا طابع استعراضي، وفي كثير من الحفلات دخل ريو بصحبة فرقته من بين الجماهير سيرًا على الأقدام أو باستخدام عربات صغيرة وسط أجواء احتفالية مميزة.
قبل بداية الحفلة يحب ريو أن يتلفظ بهذه الجملة مخاطبًا الجمهور “tonight we will warm your hearts” وهو يعني بالفعل أن ما سيقدمه الليلة من موسيقى ستساعد على تدفئة قلوب الجماهير.
هذا يحدث بالفعل للجمهور.
في غالبية الحفلات الموسيقية الكلاسيكية يكون التفاعل بين الجمهور والأوركسترا ضعيفًا، ولا يتعدى غالبًا قيام الجمهور بالتصفيق بعد كل مقطوعة موسيقية.
أما حفلة ريو فتتمتع برفع حماس الجمهور إلى أعلى درجة ممكنة عبر زيادة التفاعل بين الفرقة الموسيقية وبين الجمهور للحد الأعلى.
ريو يخاطب الجمهور، وينتظر الرد. ريو يسأل الجمهور وينتظر الإجابة. ريو يطلب من الجمهور أداء بعض الحركات التفاعلية الرائعة التي تجعل الجمهور يشعر أنه جزء من المقطوعة الموسيقية التي يتم عزفها وليس مجرد مستمع لها.
التعليقات الفكاهية والحركات المرحة من ريو وفرقته لا تتوقف طوال وقت الحفلة. فبين مداعبة ريو للمغنية كارمن موناركا، إلى الحركات الكوميدية لبعض رجال الفرقة، لا يمكنك أن تسيطر على نفسك من الضحك طوال الوقت دون أن تشعر أنك خرجت من جو الموسيقى الخيالي.
في إحدى حفلات ريو عام 2013 قام بعزف موسيقى “شنيوالزر” الشهيرة. من أجل أن يجعل الجمهور يشعر بالموسيقى أكثر ويتفاعل معها بشكل أكبر؛ قام منظمو الحفلة بإسقاط ما يشبه الثلج على جميع الجمهور الحاضر طوال فترة العزف. كان الجمهور سعيدًا جدًا خصوصًا مع تحميس أندريه لهم بمشاركته بالوقوف والصراخ في بعض اللحظات مع لحن الموسيقى المعزوف.
أمر آخر نشاهده في كثير من حفلاته يكمن في إسقاط البلالين من الأعلى على الجمهور الذي يزداد حماسه كثيرًا، خصوصًا عندما يقوم بالضغط على البلاين لفرقعتها.
هذا مثال لحفلة مانشستر عام 2011م.
عند عزف بعض المقطوعات لا يستطيع الجمهور أن يتمالك نفسه؛ فيقوم الأحبة للرقص سويًا خصوصًا مع تلك الأنغام الهادئة والتي يجعلها ريو مميزة ببعض الحركات مثل التوقف المفاجئ.
في أحيان أخرى – وعلى خلاف المعهود في الحفلات الموسيقية الكلاسيكية – فإن الجمهور يستمع إلى إحدى المعزوفات وهو واقف دون جلوس، خصوصًا مع نوعية المعزوفات الحماسية ذات الإيقاع السريع.
أيضًا فإن بعض المقطوعات الموسيقية التي يعزفها ريو بإتقان تلامس صميم قلوب الجمهور، الذين لا يتمالك بعضهم نفسه لنجد الدموع بدأت في الجريان تأثرًا.
يتميز أندريه ريو أيضًا بأنه شخصية تحب أن تقدم الجديد في حفلاتها. نحن نتحدث هنا عن “جديدين”، الأول هو مواهب شابة يتم اكتشافها وإعطاؤها مساحة للانطلاق. هناك عدة أمثلة منها الطفلة الأسترالية أميرة ذات الأصول السورية التي غنت مقطوعة أوبرالية رائعة خلال حفلة عام 2014م في مدينة مانتراخت، والتي أجبرت الجمهور على الوقوف لتحيتها والتصفيق لها.
بينما الجديد الآخر فيكمن في أسلوب عرض بعض المقطوعات الغنائية أو الموسيقية، خصوصًا من قبل بعض المغنين المصاحبين.
هذه هي المغنية البرازيلية كارلا مافيوليتي وهي تغني كأنها دمية صغيرة وسط مواقف كوميدية لا تنتهي.
سر نجاح ريو ليس فيه هو فقط، ولكن في اختياره الأكثر من رائع لأعضاء فرقته الموسيقية ذات المهارات المميزة. فرقة أوركسترا يوهان شتراوس تم تأسيسها عام 1987م وبعد 6 أشهر من التدريبات قدمت الفرقة أولى حفلاتها يوم 1 يناير 1988م.
هذه الفرقة بدأت وعدد أعضائها 12 فقط. الآن يصل عدد الأعضاء إلى حوالي 50 عضوًا، وفي بعض الحفلات يصل العدد لستين عضوًا.
هذه الفرقة تتميز بدرجة عالية جدًا من الطاقة الناجمة عن العزف؛ ليس بأناملهم فقط ولكن تشعر أنهم يشعرون بكل ما ينطلق من بين أيديهم من موسيقى. هذه الفرقة من الواضح جدًا أنها تعشق الموسيقى بلا حدود.
أندريه ريو يتحدث قائلًا عن فرقته “نحن متزوجون بشكل عملي، أنا والفرقة. أنا لا أستطيع أن أؤدي بدونهم، وهم لا يستطيعون أن يؤدوا بدوني. عندما نسافر سويًا فنحن نحظى بكمية كبيرة جدًا من المتعة سويًا”.
عددهم 3 مغنين يغني كل منهم منفردًا أو يغنون مع بعض بشكل جماعي.
تنطلق من حلقات هؤلاء الثلاثي؛ الأسترالي غاري بينيت، والمجري بيلا مافريك، والألماني توماس غرويل؛ أروع الكلمات الأوبرالية المميزة. لا مانع بالطبع أن يصاحب غناءهم بعضُ الكوميديا الرائعة.
شاهدهم في حفلة غرناطة 2014.
كما يقول المثل المصري “كله كوم ومانو كوم تاني”.
يصفها الموقع الخاص بريو ذاكرًا أنك إذا رأيتها تتسابق بواسطة الدراجة البخارية في شوارع مدينة ماستريخت فلا يمكنك أن تتصور أن هذه هي نفس عازفة الساكسافون التي تتواجد في الحفلات في المساء. إطلالتها في المساء تجعلها أقرب لهؤلاء الجنيات الرائعات في القصص الخيالية.
مانو بمثابة مهرج حقيقي على خشبة المسرح، ليس هذا فحسب بل إنها تعزف على عدة آلات موسيقية مثل الكلارينت والساكسفون والقربة الإسكتلندية والغيتار، هذا بالإضافة إلى أنها تستطيع الغناء والرقص أيضًا.
يقول عنها أندريه ريو “وإذا ما اقترحت عليها أن تعزف كل هذا في الوقت الذي تقف فيه على رأسها فليس عندي شك في أنها ستفعل”.
هؤلاء يغنين في وادٍ آخر.
ست نساء لا يهدأن أبدًا. بين الغناء والرقص والمرح والحركات الفكاهية تجدهن شعلة نشاط فوق خشبة المسرح. يعطين ما يشبه الخلفية المرئية الرائعة لما يتم عزفه من موسيقى.
دعك مما سبق من مقتطفات. لمَ لا تجرب أن تستمع لحفلة كاملة من حفلات ريو وتحاول أن تعيش أجواءها بالكامل؟ أعتقد أن حفلة البرازيل عام 2014م تستحق المشاهدة.
المصدر: ساسه بوست