رام الله – خاص بالحدث
الارتباك الذي واكب عميلة إعداد موازنة 2014 والإعلان عنها وعدم استقرار المعطيات والأرقام المالية بشكل نهائي بالرغم من مضي الربع الأول من 2014 يعكس عدم القدرة على إعداد موازنة وفق رؤية ذات أهداف وأولويات واضحة، وبالتالي إمكانية الدفاع عن وتبرير التوجهات التي عكستها الأرقام في الموازنة، وهذا ما يبرر غياب موضوع خطاب الموازنة الذي يُفترض أن يوضح الخطوط العامة للموازنة وأهدافها الأساسية والسياسات الاقتصادية والمالية والمرتكزات الأساسية في تقديرات الإيرادات والنفقات ويشكل أحد القيود على معطياتها.
كان نقاش موازنة 2014 عبثياً، وقد جاء على شاكلة طاولة مستديرة في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية “ماس”، فضلاً عن أنه لا فائدة مرجوة من إعادة النظر في الموازنة لتغييرها أو تعديلها لطالما أعدتها وزارة المالية منفردة وعرضتها صوريا على أعضاء من التشريعي ليصادق عليها الرئيس فورا، وليوقع سيادته عليها مرتين بدلا من مرة كما قال د. عزمي الشعيبي للحدث، وكأن توقيعه الثاني لتأكيد الأول، الأمر الذي دفع البعض من القطاع الخاص والمجتمع المدني لوصفها بالعرجاء، وذهب البعض وبخاصة في الجهاز المصرفي إلى أبعد من هذا ووصفوها بالكسيحة مؤكدين أن وصفها بالعرجاء فيه جانب من المجاملة.
الموازنة تعكس مصلحة الحكومة لا مصلحة الشعب
يرى الرئيس التنفيذي لباديكو القابضة سمير حليلة، أن الموازنة يجب أن تعكس إدراك الحكومة لمصلحة الشعب وليس مصلحتها وحدها، وإذا ما عكست فيها مصلحتها فقط فهذا يعني أن نقطة البداية خاطئة.
وقال: «لكن هذه سياسة مالية عرجاء تقوم على رجل واحدة، وتحتاج إلى رؤية عناصر أخرى غير موجودة، فتعزيز الإيرادات موضوع له سقف في دول مختلفة لأنه مؤشر على إساءة تصرف من قبل الحكومة، فهناك حكومات مستعدة لتجفيف السوق من أجل أن تعيش هي، فزيادة الإيرادات لوحده بدون ربطه بخطة وبرؤية وبسياسة اقتصادية لا تمشي، فأنا مع خطة الإيرادات ولكن كان يجب أن ترتبط بخطة اقتصادية تجيب على التحديات الرئيسية التي تواجه فلسطين».
وبما أننا نواجه تحديين ونتشابه فيهما مع معظم دول الشرق الأوسط غير النفطية، ويتمثلان بمشكلتي البطالة والفقر، فأي سياسة لأي حكومة في الشرق الأوسط يجب أن تتمحور حول تعزيز العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي باعتبار ذلك مفتاح الاستقرار في المنطقة، فتعزيز النمو الاقتصادي من أجل الحد من معدلات البطالة وتعزيز العدالة الاجتماعية من أجل تخفيض نسب الفقر.»
موازنة عرجاء تركز على تشغيل القطاع العام على حساب التطوير
وعليه فإن حليلة يستنتج «بأن السياسة الحكومية والموازنة لا تعكس بترتيباتها هذين الهدفين، وهذا يعني أنه لا علاقة للحكومة فيهما ولا دخل لها بالناس ولا بالاقتصاد، وإنما هناك حكومة تريد أن تنفق على نفسها وتتدبر أموالا من أي مكان وفقط لا تريد أي شيء آخر».
ويوضح حليلة أنه: «لا يجوز رصد 350 مليون دولار لكل جزئيات الاقتصاد وللميزانية التطويرية وللبنية التحتية من موازنة قيمتها حوالي 3.8 مليار دولار، فلا يعقل أن تتركز الموازنة على تشغيل القطاع العام على حساب الميزانية التطويرية التي من المفترض أن تخدم المجتمع وليس خدمة حالة ما، وهذا يظهر في استحواذ الحكومة على %98 من الموازنة مقابل %2 للشعب وهذا لا يجوز أن يحصل على الإطلاق».
وقال حليلة: «أرى العرج والمشكلة فيما يحدث، هناك كلام إيجابي ولكن يتم إسقاطه عند التطبيق، ومن الجيد وجود ثلاث سنوات يمكننا المحاسبة على أساسها داخليا. ففي كل موازنة توجد موازنة تطويرية وهي تشكل على حد تعبيره «فراطة» أي بنسبة %2 - %3 ما يدل على أن الحكومة لا تدرك حجم الضرر والعبء الموجود خارج الحكومة أي في الاقتصاد نفسه، بدليل أن ما تم رصده للموازنة التطويرية لا يزيد عن 350 مليون دولار وهو مبلغ يمكن وصفه بالفراطة وقد ننفقه كشركة في مشروع الكهرباء في الشمال أو في مشروع بوابة أريحا في سنة واحدة.»
لذلك يرى حليلة، بأن الموازنة كان يجب أن تكون جزءا من خطة ومن رؤية ومن خدمة تقدمها الحكومة للشعب، تظهر جليا في الخطة الوطنية الثلاثية 2016/2014 التي أقرتها الحكومة وهي خطة وصفها بالمتوازنة، تتوفر فيها الرؤية لما هو مطلوب عمله خلال الثلاث سنوات القادمة، وبتقديره كان على الموازنة أن تخدم هذه الخطة.
"حليلة: المبلغ المرصود للميزانية التطويرية «فراطة» ما يدل على أن الحكومة لا تدرك حجم الضرر والعبء الواقع على الاقتصاد"
وشكك حليلة فيما تدعيه الحكومة ممثلة بوزارة المالية بأن المانحين لا يحبذون تمويل أو دعم الميزانية التطويرية ويفضلون دعم الرواتب والأجور عليها، في الوقت الذي أشاد فيه بدعم المانحين مباشرة للناس خارج إطار الموازنة الحكومية وذلك ضمن ميزانية تطويرية عبر مؤسسات غير حكومية، مجددا دعوته المانحين إلى الاستمرار في دعم الميزانية التطويرية لفلسطين لأن هذه هي فرصتنا الوحيدة، لأن الحكومة لم تضع هذا الموضوع على رأس أولوياتها كما يبدو في موازنة السنة الماضية والتي سبقتها.
إصلاح نظام الخدمة المدنية
ويطالب حليلة المسؤولين في الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني بوضع الحقائق على الأرض لوضع خطة لإصلاح نظام الخدمة المدنية وتدارك وجود المشكلة في إصلاحه لا سيما وأن الرواتب تزداد سنويا بنسبة %5 الأمر الذي يعني بأن ما وعدت به الحكومة من نظام للتقشف هو مجرد كلام في الهواء.
ويقول: «إن كان لدينا خطة إيرادات لثلاث سنوات، فهل نستطيع الحصول من الحكومة على خطة للتقشف بإصلاح نظام الخدمة المدنية وكل القضايا الأخرى لثلاث سنوات، ولو جرى العمل على هذه الأمور مع بعضها البعض فحينئذ يمكننا نقول إن الأمور بدأت تستقر وبحاجة للركيزة الثالثة الأهم وهي «الميزانية التطويرية» علينا إدراك ماذا سنعمل في البلد فهناك 600 ألف موظف وعامل يعملون في القطاع الخاص وليس فقط 170 الف في القطاع العام».
ويدعو حليلة إلى قرع الجرس، متسائلا أين هو الجرس في هذه الموازنة؟ ويجيب قائلا: «هذه الموازنة لا تدرك وجود مشكلة بطالة متفاقمة ولا تدرك أن هناك مشكلة فقر، فهي لا تدرك ولا تلبي الاحتياج» منتقدا اعتماد سياسة واحدة وحيدة متمثلة في إصلاح نظام الإيرادات وتعزيزه، لعدم كفايتها لوحدها.
ويشير إلى أن حجم ضريبة الدخل التي من المفترض أن تكون الأداة الرئيسية للعدالة الاجتماعية من إجمالي الضرائب والايراد هي %7 ما يعني غياب للعدالة الاجتماعية، مؤكدا أن العبء الكلي يزيد على كل الشعب والعبء المحدد المطلوب فرضه على الأغنياء تحاول الحكومة زيادته، وفي حال زيادته يزداد كل شيئ على الناس ككل، فلا يوجد توازن في هذا الموضوع.
ضريبة متدحرجة تلاحق الشركات
وبين حليلة أن الضريبة المتدحرجة تلاحق الشركات إذ تبدأ بـ %15 وسقفها لا يتوقف، متسائلا كيف يجوز فرض ضريبة بدون سقف معين؟ فما هي الخدمة التي قدمتها الحكومة لنا بتحويلة الأرباح من شركة الى شركة لتفرض عليها ضريبة %10 وهي العملية التي تبدأ بـ %15 وتنتهي بـ %45 وهو الأمر الذي يعلن حليلة عن رفضه لأنه مدمر لثقافة الشركات التي اعتبرها أساس المجتمع القادم، بحشد رأس المال مع بعضه البعض، لا أن تعاقب الحكومة من يقدم على مثل هذه الخطوة لتقول إن أكبر الشركات هي التي تتهرب من الضريبة.
وتابع بالقول «لا يجوز معاقبة الشركات لأنها تستثمر مع بعضها البعض وفي قضايا مختلفة، نحن شركاء في هذا الهم وفي الحكومة والمجتمع والاقتصاد، لذلك يجب أن نبني توازنا في العلاقة ما بين الجهتين ومفتاحها هو رؤية اقتصادية وسياسات اقتصادية ومالية متكاملة تبنى عليها ترشيد النفقات وإصلاح الخدمة المدنية ووجود على الأقل موازنة تطويرية توضح كيف يمكننا مواجهة أزمة البلد في البطالة والفقر».
موازنة طوارئ دون إعلان حالة الطوارئ
يؤكد د. عزمي الشعيبي المفوض العام للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة «أمان» أن الارتباك الذي واكب عملية إعداد موازنة 2014 والإعلان عنها وعدم استقرار معطياتها وأرقامها بشكل نهائي يعكس عدم القدرة على إعداد موازنة وفق رؤية ذات أهداف واضحة، وبالتالي إمكانية الدفاع عنها وتبرير التوجهات التي عكستها أرقام الموازنة، وهذا يبرر غياب موضوع «خطاب الموازنة» لأن خطاب الموازنة سيشكل أحد الضوابط على المعطيات الموجودة في الموازنة.
ويؤكد د. الشعيبي بأن مؤسسات المجتمع المدني ترى أن الحكومة تعاملت مع الموازنة باعتبارها موازنة طوارىء دون إعلان حالة الطوارىء وهذا ما لا يتفهمه المجتمع المدني، إذ قال: «نستطيع أن نتفهم بأنه لا يوجد قرار من المجلس التشريعي نفسه للموافقة على الموازنة، ولكن لا نستطيع أن نفهم بأنه لا يوجد نقاش جدي حول الموازنة مع الأطراف ذوي العلاقة. حتى المجلس التشريعي قبل بشكل النقاش في اللجنة الاقتصادية، وعندما طلب منهم إعداد ملاحظاتهم صدرت الموازنة قبل أن يقدموا ملاحظاتهم، وهذا صعب، ونحن كفريق أهلي لدعم شفافية الموازنة والذي يعمل مع الحكومة منذ سنوات على «موازنة المواطن» نأمل أن لا يكون التأخير الذي حصل هو سياسة جديدة، وأن يكون بسبب جوانب فنية في الوزارة جاءت في سياق الارتباك عند إعدادها».
ويوضح د. الشعيبي، أنهم اعتادوا الحصول على الأرقام المالية للموازنة مباشرة من صفحة وزارة المالية ضمن شفافية الأرقام، ولكن منذ فترة لم يتمكنوا من الحصول على الأرقام من الصفحة الإلكترونية الخاصة بالوزارة، التي تغلق وتفتح باستمرار، وتتغير أحيانا بعض الأرقام، الأمر الذي له علاقة بموضوع الشفافية، ونتأمل أن يكون هذا الأمر قد جاء في سياق الارتباك فقط.
"الشعيبي: لم نتمكن من الحصول على الأرقام المالية للموازنة من على الموقع الإلكتروني لوزارة المالية وفي بعض الأحيان تتغير بعض الأرقام"
وقال الشعيبي إنه قد جرى خلال السنتين الأخيرتين نقاش كبير حول موضوع السياسات المالية والموازنة وحول بعض القضايا ذات العلاقة بالسياسة الحكومية الناتجة عن وجود أزمة مالية، واتفقت كل الأطراف على طبيعة الأزمة المالية من حيث التشخيص، فهي شيء هيكلي ناتج عن وجود التزامات هيكلية ضرورية في إطار النفقات والإيرادات التي لا نستطيع التحكم بها بالكامل، وجزء كبير منها يأتي عن طريق الإسرائيليين والجزء الآخر من مساعدات خارجية تعتمد على البيئة السياسية.
عدم القدرة على سد الفجوة ما بين مجموع الإيرادات والنفقات
وأما النفقات فإن جزءاً رئيسياً منها هو فاتورة رواتب الزامية مباشرة بما تشكل نسبة (-50 60)%، إلى جانب قرارات سياسية اتخذت في ظروف ما، أدت إلى وجود ما يعرف «بفائض الإقراض» وهو عبارة عن كهرباء، مياه، وإعفاءات وقرارات سياسية تسمح لعدد كبير بعدم دفع الضرائب، ما أدى إلى وجود أزمة هيكلية ناتجة عن عدم القدرة على سد الفجوة ما بين مجموع الإيرادات ومجموع النفقات، الأمر الذي أدى إلى تشكيل ضغط على الدول المانحة لتحويل جزء من المساعدات الخارجية من النفقات التطويرية إلى سد العجز في الخزينة، ما تسبب في انعكاسات كبيرة.
هذا بالإضافة إلى أن السلطة تريد إغلاق الموازنة، وتحت الضغط، لتجدها تختصر من المصاريف التي لها علاقة بتشغيل الوزارات، وبالتالي تتحول الأزمة المالية من أزمة مالية عامة الى أزمة سلطة في توفير نفقات إدارتها أي بمعنى تصبح الأزمة هي أزمة الرواتب.
ولذلك يرى د. الشعيبي أنه عندما يقول وزير المالية إن فاتورة الرواتب تدفع مع كل شهر يصبح وكأن الهدف من الحلول المطروحة للأزمة المالية والتي نراها من خلال الموازنة هو التمكن من توفير مصاريف الحكومة أو المصاريف الأساسية للإدارة العامة للحكومة.
وهذا يعني من وجة نظر الشعيبي، عدم التركيز على حلول جدية لموضوع الأزمة المالية التي رأينا أحد نتائجها الاضرابات والتعطيل وتأثيرها المالي على الخزينة وعلى الخدمات التي قدمت للجمهور خلال عام 2013، وبالرغم من ذلك فإنه لا يوجد ما يبشر أو يشير في موازنة 2014 إلى أن هذا الموضوع سيكون له حلولاً واضحة لها علاقة بنفقات الرواتب.
المؤسسة الأمنية تستحوذ على %42 من نفقات الرواتب
وينتقد د. الشعيبي بشدة أن %42 من نفقات الرواتب تستحوذ عليها المؤسسة الأمنية، مؤكدا أن هذا أحد أشكال الخلل الهيكلي الذي جاء في سياق تطور تاريخي. وتساءل الشعيبي هل يعني ذلك أن هذا الموضوع غير قابل للحل أو للمعالجة، وقال أيضا إن أصعب ما واجهناه هو فتح العلاوات والترقيات مرة أخرى في هذا العام، فحينما تفتح الترقيات ونعرف حجم عدد الألوية والرتب الأمنية العالية المستفيدة فإن ذلك سيشكل بلا شك عبئا إضافيا على فاتورة الرواتب، مؤكدا أنه لا يوجد حلول من خلال الموازنة لمعالجة القضايا الهيكلية التي قد تبدو صعبة ومنها هذا الموضوع الذي له علاقة بفاتورة الرواتب.
إزدياد فائض الإقراض
ويقول الشعيبي لقد اتخذت الحكومة قرارات بمنح بعض الإعفاءات في معالجة هذا الموضوع المتعلق بفائض الإقراض، الذي استغله الجانب الاسرائيلي أسوأ استغلال مع الجانب الفلسطيني؛ نظرا لغياب الشفافية في العلاقة المالية بين السلطة الوطنية والجانب الاسرائيلي، الأمر الذي أدى الى استمرار ليس فقط تحميل الموارد المحدودة نفقات إضافية لأشخاص قد لا يكونوا ممن يستحقون تلك الإعفاءات، وفي الحكومة السابقة قال د. فياض «انهم يريدون حل هذا الاشكال وتحمل أعباء العائلات الفقيرة «، ولكن حتى الآن يقول الشعيبي «نجد فائض الإقراض في ازدياد وهناك عائلات متخمة وغنية تستفيد من موضوع فائض الإقراض».
التهرب الضريبي
والموضوع الثالث الغائب في موازنة 2014، برأي الشعيبي -وإنما تتوفر فيه نوايا- هو معالجة التهرب الضريبي، وهو الجزء الرئيسي من الإيرادات التي لا يتم تحصيلها، ويقول «قد يكون سهلا على الموظف الجالس في مكتبه أن يعتمد على الشركات التي تقدم تقاريرها للمالية، وبالتالي هذا أسهل عليه أن يتعامل مع ملف فيه أرقام ظاهرة من أن توضع خطة تفصيلية لجمع الضريبة من الأطراف المتهربة والتي هي مدونة ومكتوبة في موازنة 2011 وحتى 2014 وهناك أعداد كبيرة من الأشخاص العاملين في الحرف والمهن والتجارة لا يدفعون ضريبة وليس لهم حتى ملفات ضريبية ونحن لا نرى في 2014 خطة جدية، وأعتقد أنه لا يعكس النوايا الحقيقية، لأن النقاش الذي دار بين الحكومة وبين النقابات المهنية بشأن مطالب الأخيرة كان يجب أن يوضع على جدول أعمال هذه الحوارات مقابل المطالب الضرورية لهذه المجموعات ولا بد أن تكون هناك التزامات من الحرفيين والمهنيين وكل الأشخاص بدفع الضرائب المترتبة عليهم.
الدين العام والمتأخرات
وأشار د. الشعيبي إلى المشاكل الأساسية في الدين العام وفي المتأخرات، فالمتأخرات التي معظمها للقطاع الخاص أحدثت إشكاليات في السوق وفي الاستثمار والتنمية، ولكن الأسوأ من ذلك أنه تم تخفيض مستوى الخدمات التي تقدم للمواطنين من خلال الوزارات بسبب عدم دفع المستحقات للأطراف التي تمول الخدمات والمواد الضرورية لتقديم الخدمات، وتمت ملاحظة ذلك في وزارات أساسية مثل وزارة الصحة إذ رفض الممولون تقديم مستوى جيد من الخدمات، وهذا باعتراف وزارة الصحة لأنهم غير مستعدين للضغط على مورد هم أصلا لم يدفعوا له مستحقاته، الأمر الذي انعكس سلبا على الخدمات التي تقدم للمواطنين سواء أكان في موضوع الصحة أو الشؤون الاجتماعية أو التعليم، مؤكداً أنه عند تسديد المتأخرات أعطت الحكومة الأولوية للبنوك، وهذا الأمر بحاجة إلى تفسير.
وانتقد الشعيبي غياب خطة التنمية في الموازنة وقال: «لا نشعر بوجود ارتباط مباشر بين ما هو موجود في خطة التنمية، وبين ما هو موجود في الموازنة، من حيث الالتزام بمخصصات خاصة بالمشاريع الواردة في خطة التنمية، وإن أردنا القول بأن خطة التنمية ستعتمد على ما ستقدمه الدول المانحة أو بما يتوفر من أموال فهذا ليس تخطيطاً.»
انحراف في توجيه مساعدات المانحين
ويعتقد د. الشعيبي أن الدول المانحة زادت من مساعداتها في عام 2013، ولكن جرى انحراف في توجيه هذه المساعدات بحيث وجهت معظمها للنفقات الجارية وللخزينة وليس إلى المشاريع التطويرية؛ لأنه كما قال «لاحظنا أن نسبة الانحرافات، وإن كان صحيحا، فإن جزءاً منها في الكثير من القضايا، ولكن الانحراف الأكبر كان في ما خصص للمشاريع التطويرية».
ويضيف الشعيبي: «نحن في المجتمع المدني نؤكد على وجود إشكالية في الرقابة على الموازنة لأنه بالنظر إلى الانحرافات الحاصلة في موازنة 2013 فما هي الضمانات في 2014 خاصة وأن آخر حساب ختامي وضع أمام ديوان الرقابة المالية والإدارية لم يصدر، وديوان الرقابة أكد على أنه طالب وزارة المالية بكتب رسمية كثيرة بتقديم الحساب الختامي لـ 2011 فمتى سيجرى التدقيق الجدي لأنه لم يعد لدينا شعور بالاطمئنان لأن إقرار الموازنة لا يعكس بالضرورة الالتزام بها فمن هي الجهات التي ستقوم بالرقابة على مدى الالتزام بالموازنة، خاصة وأن الانحرافات والاستثناءات لم تكن مقتصرة على الوزارات الأخرى، وإنما أيضا على وزارة المالية، بمعنى إذا كانت الحكومة نفسها تقوم بخرق الموازنة فمن سيردعها أو يمنعها عن هذا الاختراق، ولذلك نحن مستاؤون كثيرا من الارتباك ومن عدم نشر الموازنة إلى الآن بشكلها النهائي والتي لغاية الآن لم تنته إلى صيغتها النهائية رغم أن الرئيس وقع مرتين على موازنة 2014».
وتجدر الإشارة، إلى أنه قد جرى الإعلان عن مصادقة سيادة الرئيس على الموازنة العامة للسنة المالية 2014 بقرار بقانون بتاريخ 2014/2/4 وقبل يوم واحد من مؤتمر الحوار الوطني الرابع بين القطاعين العام والخاص الذي عقد بتاريخ 2014/2/5، ويظهر من القرار بقانون بشأن الموازنة العامة للسنة المالية 2014 بأن المصادقة عليها قد جرت بتاريخ 2014/2/10.
فروقات بين المخطط والمنفذ والعجز في الميزان الجاري
وبالنظر إلى أرقام الموازنة يرى مدير الأبحاث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية «ماس» د. سمير عبد الله: أن الموازنة تعاني من عدم التزام، ففي سنة 2013 كان عندنا 10 بنود وكانت الفروقات فيها أكثر من %10 بدءا من الايرادات غير الضريبية والإرجاعات الضريبية مثلا كانت في العام الماضي %87 فرق الزيادة كعبء وفي صافي الاقراض %159 والفرق ما بين المخطط وما بين المنفذ والعجز في الميزان الجاري قبل التمويل %31.3، وقد زاد هذا العجز، بمعنى كان العجز المخطط مليار و50 مليون دولار وأصبح في نهاية السنة مليار و378 مليون دولار فالعجز ارتفع بنسبة %31، والنفقات التطويرية %53.2 والتمويل الخارجي نقص %3 فقط، حيث كان المخطط مليار و400 مليون دولار ولكن ما وصل الخزينة مليار و358 مليون دولار، ودعم الموازنة الفعلي كان أكثر من المخطط والذي هو مليار و100 مليون فقد كان دعم الموازنة مليار و252 مليون دولار.
ويقول د. عبد الله، إن أردنا مقارنة هذا بالسنوات السابقة نلاحظ أن أغلب هذه البنود كان فيها فروقات أكثر من %10 وحتى %170 ففي صافي الإقراض مثلا كانت فيه انتكاسة كبيرة في سنوات 2011 و2012، اذ كان الوضع ممتازاً حيث كان المخطط المنفذ قريبا من المخطط.
ويتوقع عبد الله، أن يزيد الدخل من البترول %29.1 والارجاعات الضريبية تزيد %26.8 بينما ينخفض توزيع الأرباح بنسبة حوالي %35، ويتوقع أن يزيد صافي الاقراض %106.1، والعجز في الميزان الجاري قبل التمويل %21.8 والتمويل المطلوب سيزيد من مليار و400 مليون دولار الى مليار و629 مليون دولار. وأضاف قائلا: “نحن نعرف أن الارقام الفعلية لموازنة 2013 لم تصدر وبالتالي هذه النسب تبقى تقريبية”.
ويتابع د. عبد الله «إن اردنا رؤية الفروقات في الأرقام الأساسية التي تشكل الموازنة، نجد أن الرواتب والأجور مثلا سترتفع من مليار و88 مليون دولار إلى 2 مليار و18 مليون دولار وهي نسبة محسوب فيها على ما يبدو الزيادة التي تم الاتفاق عليها، والنفقات الجارية الأخرى مليار و750 مليون دولار إلى مليار و681 مليون دولار والنفقات التشغيلية من 566 مليون دولار إلى 604 مليون دولار وهي كلها هوامش تحرك متقاربة».
غياب خطاب الموازنة
ويقول د. عبد الله «هذه السنة ليس هناك خطاب للموازنة «بلاغ الموازنة»، لذلك نحن نخاطر ونتحدث عن السياسات ومن الصعب قراءتها بالأرقام بدون معرفة خطاب الموازنة؛ والذي يعطي الخطوط العامة للموازنة وما هي الأهداف التي ستحققها، وغياب هذا الخطاب يطرح عدة تساؤلات فما هي الأهداف الأساسية للموازنة؟ وما هي الاستراتيجيات المعكوسة في التخصيصات التي تريد تحقيق هذه الأهداف؟ وما هي مخاطر عدم تطبيق أو عدم الوصول الى هذه الأهداف؟
"عبد الله: من الصعب قراءة سياسات الحكومة بالأرقام دون معرفة خطاب الموازنة"
ويرى د. عبد الله، أن العجز في موازنة السلطة هو منذ عام 1994، ولكن تفاقمه بدأ من 2000 فما فوق، وإن العجز في البداية كان لتغطية الموازنة التطويرية، لأن السلطة كان كل بناء مؤسساتها ممول من برامج التنمية ومن المانحين.
ايرادات غير كافية لسلطة مسؤولياتها هائلة
ويؤكد عبد الله أن نفقات السلطة مرتبطة ببنية تحتية بنيت خطأ، وهذا البناء هو الذي يقيدها في تخصيص الموازنة، وبالنظر إلى الموارد فإنها تلحق الاقتصاد الذي يعتقد أنه لم يعد قادرا على أن يقدم ايرادات كافية لسلطة مسؤولياتها هائلة بسبب الأخطاء وبسبب المسؤوليات التي أعطيت لها في اتفاق أوسلو الذي أعطاها مسؤوليات هائلة جدا بما في ذلك القدس المحتلة ومناطق “ج”.
ويقول عبد الله: «علينا أن نرى جوهر المشكلة هنا، وهي أن السلطة تعيش في اقتصاد أغلب مصادره محتجزة، وبالتالي كم سيبقى حجم الهامش لتحسين الإيرادات وتخفيض النفقات، من الممكن أن نحسن العجز قليلا ونقلل الاعتماد على المانحين بنسبة ما، ولكن علينا أن نعرف أن السلطة غير قادرة على الاستمرار في ظل هذا الوضع لأن الاتفاق الذي بني كان من الواجب تغييره في عام 1999”.
ويشير إلى أن الحكومة في عام 2007 قد بذلت جهدا للتحول إلى موازنة البرامج والتي جوهرها يبدأ في كيفية توظيف الموارد ومن ثم التخصيص، وهذا يدخلنا على موضوع إعادة تخصيص الموارد كلها باتجاه تحقيق الأهداف وهذا يتحقق من خلال موازنة برامج وهذا هو الذي يمكنه أن يحدث ويؤدي إلى إحداث تغيير هيكلي.
وأشار د. عبد الله، إلى أن الهامش المتاح أمام الحكومة في الموازنة التطويرية والتي تتحكم في تخصيصها لم تتحقق مباشرة من خلال الحكومة التي سيطرتها عمليا على نصف الموازنة التطويرية والنصف الآخر ممثل بصورة غير مباشرة خارج الموازنة لذلك نرى العجز في الموازنة التطويرية والتي دائما يرصد لها 300 – 350 مليون دولار، ونجد أن الإنفاق الفعلي الذي مر عبر الموازنة حوالي نصف هذا المبلغ بحوالي 170 – 190 مليون دولار، والباقي الموازنة تسجله عجزا ولا يصبح التزاما على الحكومة لأنه حينما لا تأتي الأموال لا تنفذ المشاريع، وبالتالي يصبح واضح أن هناك فرق كبير فيه، ولذلك الهامش المتاح أمام أي حكومة متغير في الموازنة بسبب ضعف الموارد وبسبب انعدام المرونة فالتغيير يصبح في جزئيات بسيطة.
الوعاء الضريبي وتحديات الاستعصاءات
أما مدير عام معهد «ماس» د. نبيل قسيس، فإنه يأخذ على الحكومة أنها لم تطلع الناس على بلاغ الموازنة، ويعتقد أن مبررهم قد يكون أن %82 من النفقات هي رواتب والنفقات تحويلية %18 المتبقية ويفكرون بأن ليس لها ثقل ولكن يجب عدم إهمالها.
ويشير إلى أن الوعاء الضريبي يشكل %32 ويوحي وكأنه ليس بمقدورنا أن نجبي %68 والايرادات الضريبية حاليا مع أنها %32 من الوعاء الضريبي لكن نسبتها تشكل %21 من الناتج المحلي الإجمالي، وإذا اعتقدنا أننا نجبي الآن %68 فإنه يمكن أن نصل بالإيرادات الضريبية إلى ما فوق %60 من الناتج الاجمالي وهذا أكثر من الكويت التي لا تدفع ضرائب.
ويقول قسيس، بما أن %68 غير قابل للتحقيق، فبالتالي يجب وضع أهداف واقعية ومن هنا نلحظ وجود استعصائيين؛ الأول هو حجم التوظيف الحكومي الكبير فالحكومة باتت مشغل رئيسي وهذه مشكلة، وهنالك %42 من الرواتب تخصص للأجهزة الأمنية.
والاستعصاء الآخر برأي د. قسيس، يتمثل في الضرائب والتي يجب أن تكون مباشرة بالدرجة الأولى، فالعدالة الاجتماعية تتوفر أكثر من خلال الضرائب المباشرة. ويجب إعادة توزيع الضرائب ويجب تخفيض الضرائب غير المباشرة التي تمس كل الناس وتحويل شيء للضرائب المباشرة لتوزيع أفضل وتحقيق العدالة. والخروج من الاستعصائين هو الخروج إلى سياسات اقتصادية قابلة للتحقيق ليصبح لدينا امكانية لإيجاد فرص عمل والتي تخفض قليلا من حجم أعباء الحكومة ويصبح لدينا إمكانية لزيادة الايرادات بشكل معقول.
نفقات الأجهزة الأمنية عبء على السلطة
ويقول ممثل جمعية الاقتصاديين الفلسطينيين محمد قرش: «نحن نحمل السلطة أكثر مما يجب أن تحمل، وهي من البداية ما كان يمكن أن يكون لديها مصاريف تطويرية واستثمارية، لأن ميزانيتها محددة ولديها سقف للموازنة وتحولت الى دافع للرواتب».
بالنسبة للإصلاح والتقشف قال قرش: «نحن لسنا بحاجة الى 70 ألف رجل أمن، بتقديري الأجهزة الأمنية الموجودة تشكل عبئا على السلطة ويجب نقل عبء الإنفاق على الأجهزة الأمنية للأوروبيين من خلال دعوتهم لتمويل الأجهزة الأمنية، فلم يعد ممكنا أن نبقى نصرف على أجهزة أمنية لا تقدم خدمات موازية للمواطن أو مساوية لحجم تكلفتها».
غربة حقيقية بين الوضع الاقتصادي والسياسة المالية
ويعرب رجل الأعمال وليد الأحمد عن أسفه لأن هناك غربة حقيقية ما بين الوضع الاقتصادي وما بين السياسة المالية وما تعكسه في المالية وحول مفهوم توفير القاعدة الضريبية، وقال: «إن توسيع القاعدة الضريبية مرتبط بالنمو، وللأسف نحن في وضع تراجع معروف ومرتبط وملحق باقتصاد اسرائيل وصندوق النقد يحذر من خطورته، وهناك مخاطر تهدد النظام المصرفي نتيجة زيادة أعباء الدين، وحاليا مجموع قروض الحكومة منذ عام 2011 هي أكثر من %110 من رأس مال المصارف مجتمعة. وللأسف بالرغم من أنه يوجد عامل ايجابي يشير للمواظبة على عدم اللجوء للاقتراض من البنوك إلا أنه لم توضع الحلول للتعاطي معها».
"الأحمد: مجموع قروض الحكومة من القطاع المصرفي منذ عام 2011 أكثر من %110 من رأس مال المصارف مجتمعة"
ويقول الأحمد، «إن الحديث عن أن متأخرات القطاع الخاص هي 550 مليون دولار لا يعكس الواقع، وليس هذا هو الرقم الحقيقي، وهناك خلل في التعاطي مع المانحين، فهل الفلسطينيون هم من يقرروا سياسة المنح وسياسة التعاطي مع الاحتياجات الاقتصادية أم نحن نخضع لسياسات تقرها ويقرها المانحون، وفي أحيان كثيرة تتعارض مع المصالح الوطنية».
سيناريو تحسينات في عملية تحصيل الايرادات
أما مدير عام الموازنة فريد غنام فأشار إلى أن مشروع الموازنة بني على السيناريو الأساسي في الاستراتيجية العامة للايرادات وهو الذي يعني بقاء الأوضاع كما هي عليها مع وجود تحسينات في عملية تحصيل الايرادات.
ففي مجال تخفيض النفقات التي يمكن تخفيضها أكد غنام على أن سياسة التوظيف ستكون «صفر» لعام 2014, أي بمعنى سيقتصر التوظيف على العدد الذي يترك الكادر الحكومي ومن ثم نستطيع أن نعين بدلا منه، وليس زيادة عليه. وقد اعتمدنا نظام التشكيلات الوظيفية بدل المتقاعد أو المستقيل أو تارك الخدمة.
وفيما يتعلق بنسب النمو المتوقعة ووضعها وافتراضات الموازنة قال غنام: “إنها النسب الأكثر قبولا ومنطقية للواقع العام، حيث أن نسبة الانفاق ستكون في حدود %5 ونسبة نمو الرواتب %4.9 تقريبا، وفيما يخص النسب المتعلقة بالايرادات فقد وضعنا نسب عند مقارنتها بما تحقق في الأشهر الأولى من العام الحالي 2014 مقارنة بالشهرين الأولين من العام 2013 سنجد أن نسب نمو الايرادات هي أكثر واقعية ومنطقية».
وأشار غنام إلى أن السياسة المالية تركز بشكل أساسي على ترشيد النفقات وزيادة الايرادات أفقيا وليس رأسيا وبإصلاح الأنظمة الضريبية وبتوسيع القاعدة الضريبية بشكل يضمن نوع من العدالة الاجتماعية، وبالنسبة لقانون تشجيع الاستثمار فتتمثل في الحد من التوسع من عملية الاعفاءات التي أعطاها قانون تشجيع الاستثمار بالنسبة للشركات الكبرى.
وأكد بأن إجمالي الايرادات ستنمو بنسبة %7.5 عن التقدير لعام 2014 وصافي الايرادات سوف يكون بنسبة %11.5 واجمالي النفقات الجارية وصافي الاقراض سيكون بنسبة %4.3 فيما تتمثل نسبة نمو الرواتب العامة في %4.9.
وشدد غنام على الإصلاحات التي ستتم في موضوع الرواتب وبضمنها تفعيل ما صدر عن مجلس الوزراء ووزارة المالية بأن كل من هو ليس على رأس عمله فيما يتعلق بعلاوة التنقل والعلاوة الاشرافية يجب أن تقطع هذه العلاوة عنه. وقال «بدأنا بتطبيق هذه السياسة على المستوى الوطني، ولكن من المحتمل أن يكون ملف غزة أسهل وأوضح بشكل أكبر ولكن الآن عندنا تعليمات من وزير المالية فكل من هو ليس على رأس عمله فيما يتعلق بعلاوة التنقل والعلاوة الإشرافية فهو ليس على رأس عمله، ويجب أن تقطع عنه هذه العلاوة، وقد بدأت هذه السياسة تطبق على جميع الأماكن، وملف غزة قد يكون أسهل وأوضح بشكل أكبر».
التمويل الخارجي
وبالنسبة للتمويل الخارجي قال غنام «من خلال تواصلنا مع الدول المانحة نتوقع أن يصل حجم التمويل من مليار الى مليار و100 مليون دولار، والعجز الجاري المضمن في موازنة 2014 تقريبا بحدود مليار و279 مليون دولار قبل التمويل، ونتوقع أنه من مليار الى مليار و100 مليون سيتم تمويله من الدول المانحة والمبلغ الباقي سيتم من المؤشرات ومن الأشهر الأولى للسنة الحالية 2014 ستكون هناك نسبة أكبر في زيادة الايرادات وبالتالي ستعوض هذا الفرق ولو بحوالي 100 مليون دولار بالنسبة لعجز الموازنة».
الموازنة التطويرية
وبالنسبة للموازنة التطويرية قال غنام: “وضعناها 350 مليون دولار 300 مليون مقدمة من الدول المانحة و50 مليون من تمويل الخزينة وهي لم تتغير كثيرا عن السنوات السابقة، ولكن عندنا إشكالية في عملية تغيير هذا الرقم أو الأرقام في الواقع العملي ومن خلال تجربتنا نؤكد أن ما يأتي من الدول المانحة هو مبلغ أقل بكثير مما يتم التعهد به».
وقال: “هناك مشكلة قديمة/حديثة وهي ما يتم صرفه خارج الموازنة، بمعنى أن الدول المانحة ما زالت تهوى عملية التواصل مع المستفيدين في عملية إعطائهم الدعم مباشرة. وبالتالي يجب ضبط النفقات التي تكون خارج الموازنة بالنسبة للمشاريع التطويرية، وهنالك جهود كانت مستمرة منذ سنوات سابقة بالنسبة لهذه النقطة وما زالت تبذل ولكن حقيقة لم يتم ضبطها بشكل كامل».
"غنام: وضعنا 350 مليون دولار للميزانية التطويرية منها 300 مليون مقدمة من الدول المانحة"
المتأخرات المحمولة
وتابع غنام قائلا «نحن ندخل عام 2014 ولدينا من الالتزامات «المتأخرات المحمولة من سنوات سابقة» وكما هو معروف للجميع فإنها متأخرات تخص عدة قطاعات على رأسها قطاع التأمين والمعاشات وهي الهيئة العامة للتأمين والمعاشات والذي يقدر بأنه مليار و400 مليون دولار وهناك لجنة تعمل على هذا الصعيد ولم تنته بعد ولكن التقدير الأولي بأن علينا ديون لهذه الهيئة وهي مليار و400 مليون دولار».
وأكد أنهم بدأوا التعامل بهذا الموضوع بشكل أكثر واقعية منذ عام 2012 وبدأوا يدفعون دفعات شهرية وكان سابقا لا يتم الدفع بالنسبة لهيئة التأمين والمعاشات لتخفيف هذه الديون ولكن هذه الدفعات الشهرية هي حل قد يأخذ وقت طويل لأنه يجب اعتبار هذه الديون بالمهمة جدا.
وأشار إلى أن ديون القطاع الخاص هي تراكمية والأرقام تسدد ومنها ما يخلق مديونية جديدة فهي متحركة، ولكن في نهاية 2013 قدرناها بحدود 555 مليون دولار للقطاع الخاص.
وقال غنام «أفاجأ بالردود وكأننا في دولة نفطية من الدرجة الأولى وكلنا يدرك مدى المعاناة بالنسبة للسلطة الوطنية واستمراريتها بغض النظر عمن يتعاقب على كرسي المالية والاقتصاد فإنه يواجه نفس المشاكل التراكمية والتي هي ليست وليدة اللحظة وإنما نقلت بأعباء الاتفاق».
وأوضح أنهم بدأوا فعليا التفكير في قضايا جوهرية حيث بدأنا بتطبيق موازنة البرامج والأداء في الوزارات والمؤسسات ولدينا دعم من الخارج وبدأنا بجدولة وصولا لموازنة البرامج، وعملية نشر الموازنة فهي منشورة بأرقامها كما صدق عليها الرئيس على صفحة الوزارة ولم تخبأ الأرقام، على المستوى الاجمالي فإن النفقات والايرادات والديون والتمويل الخارجي منشورة على الصفحة».
وأشار غنام إلى أن نسبة نمو الايرادات خلال سنة ابتداء من شهري كانون الثاني وشباط 2013 – 2014، تشير إلى أنه قد نما بنسبة %24 وهي لم تحدث سابقا بالنسبة لنمو الايرادات، والجهد الضريبي المحلي اليوم يغطي فقط %32 من الوعاء الضريبي أي أنه لدينا %68 من الوعاء الضريبي ضائع، لماذا لا نحكي ولا نواجه هذه الحقائق.
وأكد غنام وجود تراجع في الإيرادات المحلية من %25 الى %20 من إجمالي الناتج المحلي خلال الخمس سنوات الماضية. وأضاف: «قد نكون لم نتوجه بالموازنة إلى مؤسسات المجتمع المدني ولكننا توجهنا إلى المؤسسات الرسمية المجلس التشريعي ومجلس الوزراء ومن ثم رفعت إلى الرئيس، يمكن أن يكون هناك ملاحق للموازنة ولكن بوجود فراغ قانوني وبعدم وجود موازنة اعتقد أن الوضع سيكون أصعب بكثير الأفضل أن يكون عندنا موازنة نستطيع الاعتماد عليها».
وشدد غنام على إصرارهم بأن يكون الفريق الذي يعمل خطة التنمية الوطنية والموازنة هو نفس الفريق، حتى لا يكون هناك تناقض، وأرقام الخطة الوطنية أخذت من الموازنة العامة، وفيما يتعلق بالنفقات التطويرية فإن مشكلتنا والكل يعلم تكمن بمدى ضعف موازنات السلطة وقدرتها على تغطية الاحتياجات الجارية، ورغم ذلك نصر على أن ترصد هناك مبالغ ولو كانت متدنية بالنسبة للنفقات التطويرية، وختم قائلا إن هناك 300 مليون دولار من الدول المانحة وهناك 50 مليون من الخزينة، وهذه قدرة البلد، والدول المانحة في نهاية السنة المالية تجد أن كل ما قدمته لا يزيد عن 120 مليون، وما قبلها 160 مليون، أي أن متوسط الخطة التطويرية 150 مليون.