قبل أيام خرجت علينا وزيرة "حقوق المرأة " الفرنسية لورانس روسينيول بتصريح أثار عاصفة من ردود الفعل. روسينيول في سياق انتقادها لإنتاج شركات ملابس معروفة ازياءً للمحجبات اعتبرت أن هذه الماركات تسوق للقيود المفروضة على جسم المرأة. الوزيرة نفسها ومنذ نحو أسبوعين شبهت المحجبات بالزنوج العبيد.
ماذا عن رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس؟ تصريحاته لم تذهب بعيدا عن السياق السابق ففالس كما وزيرته يعتبر الحجاب رمزا لاستعباد المرأة.
تلك التصريحات ليست مفاجئة ولا صادمة هي فقط تعيد إلى الواجهة مسألة جدلية غير محسومة في فرنسا بدأت بمنع فتاتين فرنسيتين من أصول مغاربية يرتدين الحجاب من دخول مدرستهن وتفاقمت بسن قانون في عام 2004 يحظر ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية ثم قانون أخر في 2010 يحظر تغطية الوجه.
أذن القضية ليست بجديدة والتصريحات ليست صادمة تماما فمع اصطدام الحكومة الفرنسية بتغلغل الإرهاب الأصولي في البلاد ، إرهاب ليس مستوردا من الشرق الأوسط بل محلي نشأ منفذوه في أحياء وضواحي الجمهورية العلمانية وتعلموا في مدارسها، بدأت الحكومة تتخذ مقاربة مختلفة تحتل حقوق الإنسان فيها المركز الثاني . العامل الأخر هو اقتراب المعركة الانتخابية التي تحمل عنوانا واحدا هو مكافحة الإرهاب، عنوان نقل التصريحات المعادية للمسلمين نقلة نوعية ضخمة فلم تعد حكرا على اليمين المتطرف ودخل اليسار على خط المنافسة حتى يضمن وجوده في الحياة السياسية عندما تدق الطبول الانتخابية.
من الطبيعي أن تستنكر المسؤولة الفرنسية تغطية المرأة لشعرها وجسدها وهي التي ترعرعت في بيئة لا تعرف مفردات التحرش الجنسي واختزال الانسانية في الجسد ولا تألف كبتا يدفع الشهوات خارج عقالها ،لكن مع ذلك ليس طبيعيا أن تصم ما لا تفهم وأن ترفض تعاليم دين هي لا تؤمن به.
أنا هنا لا أتحدث من منظور ديني فلست أنا بداعية لارتداء الحجاب ولا بصدد الفتوى فيما إذا كان فرضا أم عادة اجتماعية لذلك أركز على بعدين لهذه المسألة، الأول هو حق المرأة في ارتداء ما ترغب وحريتها سواء في تغطية أوإظهار جسدها والبعد الثاني يتعلق بخلفية معارضة المجتمع الفرنسي للحجاب وارتباطها بمشكلات أخرى يعاني منها المسلمون هناك.
فرنسا يعيش بها ما يقرب من سبعة ملايين مسلم وبالرغم من ذلك فإن بها مشكلة عدم تجانس بين هذه الجالية المسلمة الكبيرة بل وربما الأكبر في أوروبا والإطار الثقافي والهوية العلمانية للمجتمع الفرنسي ككل إلى درجة أن البعض بدأ ينظر إلى انتشار الإسلام في فرنسا وكأنه تنامي لمد خطير، نظرة تتعارض بشكل مباشر مع مواثيق ومعاهدات حقوق الانسان وحرية الفكر والاعتناق وممارسة الدين.
هل المشكلة في العلمانية ذاتها ؟ هل العلمانية تقتضي الانسلاخ عن الدين؟ ليس بالضرورة فالمملكة البريطانية تتبع المنهج العلماني ومع ذلك المصالحة مع الدين عامل أساسي ومن نفس المنطلق تعيش الجالية اليهودية في سلام تام مع قيم المجتمع الفرنسي وخير دليل تغريم القضاء الفرنسي للزعيم اليميني جان ماري لوبان الزعيم السابق لحزب الجبهة الوطنية مبلغ 30 ألف يورو لقوله إن المحرقة اليهودية محض تفصيل في الحرب العالمية الثانية.
ليس الدين ما هو على المحك هنا فالدين لا يحتاج إلى دفاع بل في عدم استطاعة المجتمع الفرنسي ايجاد صيغة للتوافق بين قيمه العلمانية وحرية أفراده وحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية والأخطر تناوب اليمين واليسار على تقليص هذه الحريات، والحجة جاهزة ومعروفة: مكافحة الإرهاب.