الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التطبيع ضرورة وطنية متحف درويش ينهي أسبوع الأدب العربي، لينفتح ملف التطبيع.. كتب: أحمد زكارنة

الملف الثقافي

2016-04-12 12:15:31 AM
التطبيع ضرورة وطنية
متحف درويش ينهي أسبوع الأدب العربي، لينفتح ملف التطبيع.. 
كتب: أحمد زكارنة

"أحب أن أعتبر هذه الزيارة وهذا اللقاء رحلة الروح، أحب هذا الدم الناعم الذي يمنح جراحي نكهة الهواء وجسارة الأحلام، أحب أن يكون الدليل الأخير على الحياة في كائنات هذه الأرض". بهذه الكلمات استهل الشاعر والأديب البحريني قاسم حداد، لقاءه الأول مع جمهور معشوقته فلسطين بالقرب من توقيع الراحل الباقي محمود درويش في قاعة الجليل في متحف الشاعر الكوني الراحل.

هذه الزيارة، الدليل الأخير على الحياة، حسب حداد، ما زال البعض يشكك فيها، ليس نصرة لفلسطين وشهدائها وجرحاها وأسراها، وإنما تعميقاً لتفسخ المجتمع، بين مؤيد ومعارض، لأي شيء له علاقة بأي شيء اسمه فلسطين.

إن مفهوم التطبيع الذي بات يتطابق إلى حد كبير مع مفهوم الإرهاب، من حيث حالة التيه في التعريف، بات قميص عثمان الذي أُشبع تمزيقاً لا مبرر له، فكل عاقل ليس بحاجة للعلم، بأن التطبيع الوحيد الذي يمكن أن يؤخذ على هذه الجهة أو تلك، هذا الكاتب أو ذاك، هو التعامل المباشر والواضح والصريح مع المحتل الإسرائيلي وأدواته المؤسساتية، سواء داخل البلاد أو خارجها.

أما حصار فلسطين بغية عدم تواصلها الطبيعي مع عمقها العربي، إنما لا يطيح إلا برأس الحكاية الفلسطينية وتفاصيلها الدقيقة من الوعي الجمعي للمواطن العربي أولاً وقبل الغربي، فلا يخدم سوى المحتل، الذي يملك من أدوات القهر والسلب والتغييب، ما لا يملكه الفلسطيني خاصة، والعربي عامة.

فعاليات أسبوع الأدب

وبالعودة لفعاليات أسبوع الأدب العربي، فما أوردناه في مقدمة هذا الملف، جاء على لسان الشاعر قاسم حداد خلال الندوة التي عقدت مساء السبت الماضي، في متحف محمود درويش،،الذي استضاف إلى حداد، الروائي والشاعر الفلسطيني المقيم في الأردن إبراهيم نصر الله، والروائية الكويتية بثينة العيسى، والروائي السوداني حمور زيادة.

البحريني حداد: الشعر، هو الحلم..

وقال حداد الذي حاوره الشاعر الدكتور عامر بدران: "إنه من الخطأ الاعتقاد بأن شرط الحداثة هو القطيعة مع التراث، لأن الأخير هو الثروة الأساسية التي يتزوّد بها المبدع، وفي رده على سؤال زيارته لفلسطين وفكرة مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر، قال بلغة موجوعة، موجها حديثه للفلسطينيين "نحن نزور فلسطين يومين أو ثلاثة أما أنتم فتعيشون هذه الحالة وتواجهونها يومياً"، وحول موقفه من الذين يهاجمون زيارة العرب لفلسطين بتهمة التطبيع، قال: "حق لكل إنسان أن يكون له رأيه وموقفه ولكن إذا اختلفتَ معي لا تخونّي".

وأشار الشاعر البحريني، قاسم حداد إلى: "إن الشعر لا يقترح بدائل نهائية وحتمية، فمهمته الأساسية هي الحلم"، وأضاف: "لو كان النظام العربي يصغي إلى الشعراء لكانت أوضاعنا أفضل، لأن الحضارات تقوم على أحلام الشعراء والفنانين".

وكان بدران قد رحب بالشاعر الضيف قائلاً: "صباح الخير، إذ لا يمكن للشعر إلا أن يفتتح الوقت، ولا يمكن لقاسم حداد إلا أن يسطع وينير، وصباح الخير لأننا في حضرة شاعر يقبض على الزمن بكفاءة تجعل الماضي لعبة الحاضر، وتجعل الحاضر كائناً أليفاً يتحرك في التاريخ"

الفلسطيني نصر الله: رواية أرواح كليمنجارو رواية "ماكرة" على أكثر من صعيد

وجاء الاحتفاء برواية "أرواح كليمنجارو" للروائي والشاعر إبراهيم نصر الله، الأكثر جماهيرية في هذا الأسبوع الأدبي، حيث لم يجد عدد كبير من الحضور أماكن للجلوس، فافترشوا الأرض، فضلاً عن تنوع الجمهور الذي أتى من جميع محافظات الضفة وأراضي عام 1948 ومن القدس كذلك.

وتحمل رواية نصر الله، ثلاثة مستويات، حسب الأديب والروائي وليد الشرفا في تقديمه، أولها تصور الجبل في الوعي الإنساني، وثانيها امتحان لأخلاقية العالم بأن تكون فلسطينياً، وثالثها إعادة إنتاج السيرة الفلسطينية في قالب مفارق حيث الواقع أعلى من الخيال.

فيما أهدى نصر الله، هذه الأمسية إلى روح الراحل غسان كنفاني الذي صادف عيد ميلاده الثمانون في التاسع من نيسان.

وقال عن ظروف كتابة هذه الرواية الواقعية: "حين سمعت بالرحلة خاصة بفكرة صعود ياسمين ومعتصم اللذين فقدا أطرافهما، قلت لن أدعهم يصعدون الجب لوحدهم، ولم أكن قد قررت ما إذا كنت سأكتب أم لا، فذهبت حراً إلى الرحلة كما ذهبت حراً إلى الكتابة، وكان الشيء الأصعب هو كتابة رواية تصل بها إلى القمة بعد أن وصلنا إلى قمة كليمنجارو في الحقيقة".

ووصف نصر الله روايته بأنها رواية "ماكرة" على أكثر من صعيد، ففيها من خيال السينما، وحتى حدود خيال الخيال، كما أنها تمثل تحدياً أدبياً كونها الشهادة الوحيدة على مقاومة فلسطينية فريدة، أبطالها أطفال فقدوا بعض أطرافهم برصاص جيش الاحتلال، صعدوا برفقته إلى أعلى جبل في أفريقيا.

البطلة ياسمين نجار: منعوني من صعود قمم بورين، فصعدت إلى كليمنجارو

أما ياسمين نجار، البطلة الحقيقة للرواية، ابنة قرية بورين قضاء  نابلس، والتي أصر نصر الله على مشاركتها هذه الندوة، قالت: "خلال ساعات المشي في اليوم الرابع كنا نتسلق منطقة عبارة عن حائط صخري، ووسط التعب الشديد نظرت خلفي، كان إبراهيم نصر الله يمسك "النوت" ويسجل باهتمام، ما خلق داخلي نوع من التحفيز، فكيف لهذا الرجل كبير السن أن يتحمل هذه المشقة ولا أتحملها أنا".

وحول تجربتها تقول نجار: "تعرضت لحادثة سير وأنا في الثالثة، ما يعني أنني سأعيش بطرف صناعي يجب تغييره كلما كبرت، وحين منعني الاحتلال من دخول القدس عام 2006 لتبديل الطرف، تعرفت على جمعية إغاثة أطفال فلسطين، وكنت أبحث عن وضع بصمة لي في الحياة، وعندما عرضت الجمعية موضوع صعود الجبل وافقت على الفور، وبدأت التدريب".

وأضافت: "أردت أن أوصل رسالة إلى المستوطنين الذين منعوني من صعود قمم بورين، منعتموني من صعود جبل ارتفاعه 700 متر، لكنني قد صعدت إلى كليمنجارو الذي ترتفع قمته 6000 متر".

وكان الروائي إبراهيم نصر الله قد قال في لقاء حصري مع إذاعة صوت فلسطين: "أعتقد أن القضية الفلسطينية، قضية ملحمية كبرى، توازي أي تراجيديا كبرى في التاريخ البشري، ولذلك أعمل على إعادة بعث الملحمية الفلسطينية بأساطيرها، وحكاياتها الشعبية، وتقاليدها، وجمال الحياة اليومية فيها.. وهذا ما يفتقده الجيل الجديد".

الكويتية العيسى: من واجب أي كاتب توجَّه له دعوة لزيارة فلسطين أن يقبل. وأقول من واجبه وليس من حقه.

وكان المتحف قد أطلاق أسبوع الأدب العربي، بندوة للروائية الكويتية، بثينة العيسى، التي حاورتها الكاتبة والشاعرة رولا سرحان، التي ركزت في قراءة معمقة لرواية العيسى "عائشة تنزل إلى العالم السفلي"، على فكرة الصيانية التدميرية التي قدمها الناقد العراقي ياسين النصير، فمن الصفحات الأولى للرواية، تقول سرحان: تبدأ العيسى بنص تدميري تقول فيه: أنا عائشة.سأموتُ خلال سبعةِ أيّام.وحتى ذلك الحين قرّرتُ أن أكتب، لا أعرف كيف يفترض بالكتابة أن تبدأ، الأرجح من مكانٍ كهذا.. حيث يورقُ كلّ شيءٍ بالشك.. من هذا الوعي بالفعل تبدأ العيسى بممارسة فعل "الكتابة" كفعل صياني، قال تفيه: "تبدو الكتابة وكأنّها الشيءُ الوحيدُ الذي أستطيع فعله".

من جانبها توقفت العيسى أمام تجربتها لتقول: "أكتب للتعبير عن خوفي، وأحاول أن أمنطق الأمور، أحاول أن أفهم كيف يمكن أن يؤذي إنسان إنساناً ولماذا؟"

وفي سؤال حول حالة الكتابة قالت العيسى: "إن حالة الكتابة هي حالة ملتبسة بين الوعي واللاوعي، وكلما أدركنا حالة الالتباس كان النص أفضل، لكني أؤمن بالصنعة في مرحلة إعادة الكتابة التي أراها ضرورية".

وردت العيسى على التباس زيارة فلسطين، عبر مقال كتبته وينشر في هذا العدد قالت فيه: "من واجب أي كاتب توجَّه له دعوة لزيارة فلسطين (متطابقة مع معايير لجنة المقاطعة) أن يقبل. أقول من واجبه وليس من حقه. من واجبه أن يساهم في كسر العزلة على شعبٍ يعاني الأمرّين لما يقارب السبعين عامًا، ومن واجبه أن يأتي لكي يرى فلسطين تتحول من شريط إخباري في شاشات الأخبار إلى واقع محسوس. من واجبه أن يرى ما يتكبده الفلسطيني يومياً على المعابر، والحدود، وفي جميع أشكال المقاومة منذ الخروج بعربة الخضار إلى الشارع، مروراً بزرع أشجار البرتقال والزيتون، وانتهاءً بالحجارة والسكاكين. من واجبه أن يتصدى لتلك المسافة الشاسعة بين التوقع والواقع، بين الشعارات والأرض،بين الحقيقي والمتخيّل. من واجبه أن يجيء لكي يرى بأمّ عينه.. ما يحدث فعلًا".

السوداني زيادة: الحقيقة أن الاحساس بفلسطين، هو أعظم من كل التعابير.

وشهد مساء الجمعة الماضية أمسية أخرى للكاتب والروائي السوادني حمور زيادة، حاوره فيها الكاتب والروائي أسامة العيسة، الذي استهل تقديمه لزيادة بالإشارة إلى العلاقة السودانية الفلسطينية على مستوى النضال، ومستوى الأدب، مشيراً إلى عدد من أهم ما صدر من روايات سودانية وتسلل إلى الأرض المحتلة وصولاً إلى رواية "شوق الدرويش" لحمور زيادة.

أما حمور زيادة فقال عن ممارسة لفعل الكتابة: "أنا أكتب لأن هاجسي هو الخلود، هاجسي هو مخافة التلاشي بعد الموت، وعليه أنا سأكتب حتى الموت" .

وحول زيارته إلى فلسطين قال زيادة: "طوال حياتي أرى فلسطين مجرد خبر في نشرة الأخبار، الانتفاضة، الاستشهاد، العمليات الفدائية.. أما فلسطين الحياة، فهو الأمر الذي لم نتخيله، والحياة في حد ذاتها هي مشروع مقاومة، وهو ما لم تخبرنا عنه نشرات الأخبار، وهنا اتذكر مقولة كنت سمعتها من الأديب والشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي في أول لقاء لي معه وهو يقول: "من السيء أن يقول كاتب، لا أجد تعبيراً، فإن لم يجد الكاتب تعبيراً، فمن يعبر".. هنا يقول زيادة، ولكن الحقيقة أن الإحساس بفلسطين، هو أعظم من كل التعابير، ولذا أعتذر من الأستاذ مريد، لأقول: لا أجد تعبيراً يصف فرحتي وسعادتي بوجودي هنا.

الفلسطيني حامد: "والتيه والزيتون" رحلة البحث عن الأرض والانتماء

ويختتم المتحف أسبوعه الأدبي، بندوة للكاتب والروائي الفلسطيني المقيم في لندن، أنور حامد ليطلق روايته    " والتيه والزيتون" والتي يحاوره حولها لحظة كتابة هذا الملف، الدكتور سامي الكيلاني".

يرصد حامد في روايته الجديدة حلم العودة إلى فلسطين، ولذا يمكننا اعتبار رواية "والتيه والزيتون" رحلة البحث عن الأرض والانتماء، حسب قول الكاتبة والناقدة رئيفة شبلاق، التي ذهبت تؤكد ذلك خلال مقال لها بذات العنوان قائلة: "لا شك أن الكاتب الفلسطيني أنور حامد قد تعمّد هذا العنوان لروايته، فاستبدل كلمة «التين» التي تشير إلى شدّة الانتماء إلى الأرض، بنقيضها «التيه»، الذي يعني الضياع وما قد ينجم عنه من اضطراب نفسي وجسماني".

ويكتب الروائي أنور حامد، بثلاث لغات هي: العربية والمجرية والإنجليزية، وقد صدر له قبلاً، ست روايات باللغة العربية، هي حجارة الألم، المترجمة عن اللغة المجرية، وشهرزاد تقطف الزعتر في عنبتا، وجسور وشروخ وطيور لا تحلق، ويافا تعد قهوة الصباح، وجنين ٢٠٠٢.

التطبيع ضرورة وطنية، الكاتب

أخيراً، انتهى أسبوع الأدب العربي، ولم ولن ينتهي الجدل الدائر حول موضوع التطبيع، الذي ما أن يشم أصحاب مقولته رائحة ضيف جديد، إلا ويعودون إليه مرة تلو أخرى، وكأن فلسطين حررت إلا من زيارات الإخوة والأصدقاء العرب.

فمع إيماننا الراسخ الذي لا يتزعزع بأن فلسطين التي نستحق، هي كل فلسطين من البحر إلى النهر، وليست تلك التي ارتضينا بها، إلا أننا لسنا بحاجة لدواعش الفكر المغلق وأقلامه، وإنما نحن في أمس الحاجة لتوحيد الرسالة، ولا أقول الخطاب، فلكل منا أدواته وأساليبه في صياغة خطابه الإنساني قبل النضالي.

فإن كانت زيارات الكتاب والشعراء العرب، للاطلاع على الحياة الفلسطينية بكل تكويناتها ومآسيها، تُعدُ تطبيعاً، فهو في حقيقة الأمر تطبيعاً مع فلسطين وشعبها، أهالي شهدائها، ومعتقليها، وجرحاها، لا مع المحتل وأدواته، وعليه، إن كان مثل هذا الفعل الإنساني والوطني، النضالي المقاوم تطبيعاً، فليكن التطبيع ضرورة وطنية بامتياز.