بصرف النظر عن الأوصاف التي حظيت بها زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى مصر.. استراتيجية.. تاريخية.. استثنائية.. إلخ، إلا أن الحقيقة الأهم في مضمون هذه الزيارة، أنها تصلح لتكون نموذجاً لعلاقات عربية عربية تُبلور بالاتفاقيات وليس بالعواطف جسماً عربياً قوامه اقتصاد نشط، وأمن مستقر وقوة عسكرية حديثة.
غياب هذه الركائز الثلاث عمّا سمي لحقبة طويلة من الزمن العمل العربي المشترك، هذا الغياب أدّى إلى خروج العرب جميعاً من دائرة الفعل الإقليمي والدولي، وجعل المنطقة العربية التي هي الشرق الأوسط، أشبه بشركة نفوذ مساهمة بين القوى الدولية والذي لا أسهم له في هذه الشركة هم أصحابها العرب.
وإذا كان من قبيل الخيال والأمنيات المستحيلة رؤية وحدة عربية شاملة، فإن الممكن والمتاح هو تكامل مدروس وعلى أسس علمية حديثة فيما بين الدول العربية، التي تمتلك العناصر الفعلية لهذا التكامل بشرياً وثقافياً واقتصادياً وجغرافياً.
ولا شك في أن نجاح السعودية ومصر في جعل ما تم الاتفاق عليه أرضية لبلورة علاقات عربية عربية سيغري في توسيع الدائرة، وفي أمر كهذا لن يكون تباعد المسافات ليشمل المغرب العربي عائقاً حتمياً.
المتحسسون من رزمة الاتفاقات السعودية المصرية والذين لا يريدون رؤية تطور نوعي في العلاقات الثنائية ثم الأوسع من ذلك، يراهنون على أمر واحد كانت تجارب الماضي تشجع الرهان عليه، وهو بقاء الاتفاقات الأساسية حبراً على ورق وحبيسة أدراج البيروقراطية العقيمة، التي أكلت كثيراً من الاتفاقات الأساسية السابقة وجعلتها نسياً منسياً.
إن ما يشجع على التفاؤل بجدية العمل المصري السعودي المشترك هو الحاجة الملحة لكلا الطرفين، فلا السعودية تقوم بعمل خيري ولا مصر مجرد متلقٍ للهبات، لأن المعادلة التي حكمت علاقات الطرفين منذ تأسيس المملكة العربية السعودية هي التبادلية في كل مجالات الحياة، فمصر أسهمت وبصورة أساسية في عملية التنمية الضخمة التي وضعتها المملكة وسارت عليها على مدى عقود، إن المليون ونصف المليون مصري الذين يعيشون في جميع مناطق المملكة، هم المؤشر الأعمق والأدق، على أن المنفعة المتبادلة هي أساس العلاقة، وقليلون يعرفون أنه وبالمقابل يوجد مليون وربع المليون سعودي يقيمون على أرض مصر، وهذا هو إسمنت العلاقة الإيجابية بين بلدين تجمعهما أواصر أقوى وأوسع حضوراً من تلك التي تجمع شعوب الاتحاد الأوروبي ومجتمعاته وكياناته.
الحاجة المتبادلة بين قطبي السياسة العربية ستكون المحرك الأقوى لوضع ما اتفق عليه موضع التنفيذ الفوري، خصوصاً وأن عالم ما بعد الربيع العربي الدامي سيشهد خرائط جديدة للكيانات والمجتمعات في بلادنا.
عودة إلى العنوان... فما هي الحلقات الغائبة؟؟
على نحو بديهي، هناك سؤال أوجهه إلى الشقيقة تركيا، فأين هي من التطور الجديد على الصعيد المصري السعودي، وهل يكفي تركيا أن تعيد العلاقات مع إسرائيل كمعادل لتدمير علاقاتها مع مصر وسورية وغيرها من الدول العربية؟ هذا سؤال نأمل أن تجيب عنه الجهود المبذولة لإنهاء الخصومة التركية المصرية ذات الأسباب غير المقنعة.
ثم هنالك قطر... الدولة الخليجية ذات الحضور الواضح في معظم ملفات المنطقة، فأين هي من هذا التطور الجديد؟
إنها حلقات غائبة عن السياق المصري السعودي، ولو دققنا في الأمر لوجدنا أن هناك مجالات أوسع للتفاهم والتعاون بدل التنابذ والشقاق.
وعند كل تطور على هذا المستوى، يتساءل الفلسطيني، أين أنا وقضيتي من كل هذا الاصطفاف الاستراتيجي الذي هو على نحو ما نوع من الاستعداد لدخول معادلات المستقبل بأوراق قوية وفي مواقع فعالة؟ عن هذا السؤال لدي جواب واحد ولا أرى غيره، وهو أن ولادة عضلة عربية، شرق أوسطية ذات عناصر قوة متكاملة هي الوصفة المتبقية لتأمين معادلة سياسية جديدة تعطي الفلسطينيين حقهم المصادر منذ عقود، فقوة المحيط العربي والإسلامي المعتدل هي الظهير الذي ظل مفقوداً على مدى عقود، وفقد معه وبسببه الحل المعقول للقضية الفلسطينية، فلا رهان على عضلة عربية تنشأ من أجل حرب مقدسة بل الرهان كل الرهان على حلٍ يرضى عنه الفلسطينيون والعرب للقضية الفلسطينية التي وضعت مبادرة السلام السعودية من أجلها.