عمان – بثينه السراحين
يسجل للنائب البرلمانية الأردنية «ميسر السردية» ورود اسمها بين (29) نائبا فقط تجرؤوا على حجب الثقة التي منحها (81) نائبا من أصل (150) نائبا برلمانيا للحكومة الحالية برئاسة عبد الله النسور، وذلك في جلسة برلمانية عاصفة استوجبتها تداعيات قتل إسرائيل للقاضي الأردني رائد زعيتر، وما تلاها من مطالب شعبية بطرد السفير الإسرائيلي من عمان وسحب السفير الأردني من تل أبيب، وهو المطلب الذي غرّد وتشدّق به نواب كثيرون قبل أن يجبنُوا عن ترجمته لأفعال خلال جلسة طرح الثقة، ليوجّهوا بتقاعسهم هذا صفعة قوية لقواعدهم الشعبية.
والنائب السردية عرفت كأول نائب برلمانية «بدوية» حملها أهل منطقتها الصحرواية النائية والفقيرة خلال حملتها الانتخابية الأولى على الأكتاف ليحطوا بها على مقاعد المجلس النيابي المنصرم، ومن ثم ليجددوا معها العهد في المجلس النيابي الحالي، بعدما سجلت تاريخا مشرفا في خدمة قضايا شعبها وأمتها، وأظهرت جرأة فريدة في نقد أوجه الخلل في الأداء الرسمي في البلاد.
والسردية التي زاملناها طالبة في كلية الصحافة في جامعة اليرموك منذ سنوات وعملنا معها في مهنة المتاعب نلتقيها اليوم للحصول منها على مزيد من الإيضاحات حول مطالبتها لحكومة بلادها «بالثأر من الإسرائيليين عبر العودة للعشائرية، وقتل الإسرائيليين في الأردن».
س: كيف تعاطت «الأردنّ الرسمي» مع قضية مقتل القاضي الأردني رائد زعيتر على معبر الكرامة؟
مع الأسف الشديد، لم يكن تعاطي الحكومة مع قضية الشهيد القاضي رائد زعيتر، على مستوى الحدث والأزمة، خاصة في ظل المناخات الشعبية التي تشكلت لجهة المطالبة بالرد على إسرائيل بما يليق بحجم الجريمة التي ارتكبتها.
وكان بإمكان الحكومة الاستفادة من تلك المناخات لاستخدامها كعصا بيدها، لوضع حدّ للعنجهية الإسرائيلية وسياساتها على مستوى المنطقة، وتحديدا ما يتعلق منها بملف مفاوضات القضية الفلسطينية، وما يتم تسريبه من تبادل للأراضي وإبقاء شريط أمني إسرائيلي في منطقة الأغوار، وبناء للمستوطنات، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن إقامتهم.
وكان بإمكان حكومتنا إستغلال الغضبة الشعبية الأخيرة لتضع شروطها على الطاولة التفاوضية بخصوص كل ما سبق ذكره، ولكنها لم تستثمر هذه الفرصة، ولم تستطع الثأر لدم الشهيد زعيتر باعتباره مواطنا أردنيا وإبنا للدولة وممثلا لجلالة الملك عبدالله الثاني.
ويجب أن نشير هنا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعامل فيها الحكومة باستكانة مع الجانب الإسرائيلي، فقد سبقتها قضية مقتل الشرطي الرقيب «إبراهيم الجراح» في ظل ظروف غامضة أثناء مرافقته لوفد سياحي إسرائيلي في منطقة «ماعين»، وكانت التحقيقات أثبتت في حينه وجود شبهات جنائية في مقتله، وهذا بمجمله يشكل دليل إدانة مستمراً للحكومة على تقصيرها في حماية أبنائها.
س: إلى أين وصلت التحقيقات بقضية «زعيتر» ؟
في الحقيقة نحن الطرف الأضعف في هذا الموضوع، والسبب لا يكمن بضعف المحققين الأردنيين، بل يتعلق بكون كافة البينات والأدلة والبراهين والقرائن حول تفاصيل جريمة مقتل زعيتر متوفرة فقط لدى الجانب الإسرائيلي، ومع ذلك تظل قضية مقتل رجل أعزل ومدني غير مسلح بأي شيء، من قبل جنود جيش الاحتلال المدججين بالسلاح، ومن مسافة قريبة وبعدة رصاصات، جريمة نكراء لا يبررها أي شيء من المزاعم الإسرائيلية.
س: ما هو تعليقك على حديث رئيس الوزراء عبد الله النسور، خلال جلسة طرح الثقة عن الحكومة، احتجاجا على مقتل «زعيتر» ؟
حديث رئيس الوزراء تحت القبة، حول الرد على الجريمة الاسرائيلية لم يكن مقنعا، فهو تحدث عن مبررات عدة لعدم تنفيذ قرار طرد السفير واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب، معتبرا أن قرارا من هذا القبيل سيعيق التحقيق الأردني - الإسرائيلي المشترك في قضية مقتل زعيتر.
كما اعتبر النسور أن القرار في هذا الوقت سيضر بمصالح الأردن لجهة مفاوضات قضايا الوضع النهائي، وخاصة فيما يتصل بالقدس وحق العودة للاجئين.
"أطالب حكومتنا بالعودة للعرف العشائري والأخذ بالثأر من الإسرائيليين"
س: طرحتم الثقة بالحكومة لإسقاطها على خلفية قضية القاضي «زعيتر»، ولكن ما حدث هو تجاوز الحكومة للمأزق بإعطائها الثقة بأغلبية (81) صوتا، كيف تفسرين ذلك؟
قبل مقتل القاضي الشهيد زعيتر، قدمت لجنة فلسطين النيابية عددا من التوصيات تحت «القبة»، من بينها طرد السفير الاسرائيلي، وسحب السفير الأردني من تل ابيب، وإطلاق سراح الأسير الجندي أحمد الدقامسة، وذلك ردا على التلميحات والتصريحات الإسرائيلية المستمرة بسحب الوصاية الأردنية عن المسجد الأقصى، والتي تشكل إنتهاكا وخرقا واضحا لنص المادة السابعة من إتفاقية «وادي عربة».
وصوّت المجلس بأغلبية، آنذاك، على تلك المقترحات، وبعد إستشهاد القاضي «زعيتر»، جددنا التأكيد على المطالب السابقة، محذرين أنه في حال لم تتخذ الحكومة أي إجراء جدي بهذا الخصوص بحجب الثقة عنها، ولكن مع الأسف حصلت الحكومة على ثقة 81 نائبا، وحجب الثقة عنها 29 نائبا، وامتنع عن التصويت 20 نائبا بينما غاب عن الجلسة 19 نائبا!.
س: بعض النواب برروا منحهم الثقة للحكومة، بعدم قدرة الأردن على تحمل تبعات إلغاء معاهدة «وادي عربة»،، رأيك؟
البعض يتخوف من إلغاء معاهدة «وادي عربة» ويعتبرها بمثابة إعلان الحرب على إسرائيل، وهذا كلام مغلوط تماما لأن الجانب الاسرائيلي متضرر بشكل كبير خلال الفترة الحالية، في ظل حالة إنعدام الأمن التي يعيشها على الحدود الشمالية مع لبنان، وفتح جبهة الجولان من قبل الجانب السوري، وما يحدث من قلاقل في سيناء، وبالتالي تبقى الحدود الأردنية هي الأطول مع فلسطين التاريخية، والأخطر على الجانب الاسرائيلي.
وأقول لهؤلاء النواب أنه حتى لو لم يتم إلغاء «وادي عربة» كان من الممكن التلويح ببعض الخيارات العقابية لإسرائيل من مثل: التهديد بعدم إستيراد الخضار وإلغاء إتفاقية المياه والأراضي الأردنية المؤجرة للجانب الاسرائيلي، أي أننا لم نكن لنعدم الوسيلة التي نرد بها على الجانب الاسرائيلي ولو ضمن الحد الأدنى.
والاشكالية التي نعيشها على مستوى السياسة الخارجية، هي رهن الخيارات الأردنية بالولايات المتحدة، وهذا خطأ يجب تجاوزه خصوصا في ظل تشكل أقطاب أخرى في العالم.
"البلطجة لا تعالج إلا بالبلطجة" هذا ما قلته للحكومة احتجاجا على انهزاميتها
س: هل الإعتذار الذي قدمه الرئيس الإسرائيلي بيريز للعاهل الأردني، على خلفية مقتل القاضي “زعيتر” كاف؟
مقتل القاضي زعيتر مسّ كل الشعب الأردني، والاعتذار الإسرائيلي عن الحادثة تم قبل جلسة مجلس النواب لطرح الثقة بالحكومة، بيوم واحد فقط، وهذا غير مقنع أبدا، إذ أنه لو كان هناك نية للإعتذار من قبل الإسرائيليين فلماذا لم يكن ذلك في ذات يوم مقتل زعيتر أو في اليوم الذي تلاه على أبعد تقدير.
كما أنّ ما صدر عن الإسرائيليين كان «أسفا» وليس «إعتذارا»، وهذا كان بإعتراف الصحافة الغربية نقلا عن مسؤولين إسرائيليين بعدم صدور اعتذار من قبل حكومتهم للأردن.
س:طالبت تحت قبة البرلمان بقتل الإسرائيليين في الأردن، هل ما زلت مصرة على رأيك؟
طالبت بالعودة لقانون الثأر حسب العرف العشائري، والإنتقام من الإسرائيليين بعد قتلهم للقاضي زعيتر، وكانت تصريحاتي في مجلس النواب تهدف للسخرية من الحكومة والإنهزامية التي تعيشها، وفي ظل هكذا حالة لا يبقى إلا أن يأخذ الشعب حقه وثأره بيديه وقلت: «تقتل اسرائيل منا واحد نقتل منهم واحد .. فمن يتعامل بالبلطجة لا يمكن الرد عليه إلا بأسلوبه».