مجدلاني يؤكد تمسك قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بالمبادرة الفلسطينية ورفضها القاطع للحل العسكري لإنهاء أزمة مخيم اليرموك
حمود: حصار اليرموك يكشف عن حقيقة من يدعم ومن يذبح الشعب الفلسطيني
دمشق – غسان ناصر
قذيفة غادرة أطلقت من قبل حاجز الجبهة الشعبية «القيادة العامة»، كانت كافية لتجعل من يوم الأحد (23 آذار/ مارس) يوماً أسوداً يضاف إلى الأيام التي سجلت في ذاكرة أهالي مخيم اليرموك، والحرب الدامية في سوريا تدخل هذه الأيام عامها الرابع، فيما نساء وأطفال وشيوخ يموتون جوعاً ..
مجزرة طالت حشداً من الأهالي أثناء انتظارهم بالقرب من ساحة الريجي لاستلام السلات الغذائية، حيث باغتتهم قذيفة صاروخية من قبل مجموعات «القيادة العامة» التي يقودها خالد جبريل (نجل الأمين العام أحمد جبريل)، ما أدى إلى مقتل 7 أشخاص وجرح أكثر من ثلاثين معظمهم من النساء والأطفال، في ظل غياب الكوادر المختصة وكافة نواحي الرعاية والمواد الطبية الضرورية للحالات الصعبة، وعدم السماح للجرحى بالخروج من المخيم لتلقي العلاج في مستشفيات الدولة أو مشفى يافا التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، حيث ما تزال قوات الجيش السوري النظامية تضرب حصاراً محكماً على كافة مداخل ومخارج المخيم مانعة الدخول أول الخروج منذ أكثر من 260 يـوماً.
وتُحمّل الكثير من القوى الوطنية والمنظمات الأهلية والحقوقية الفلسطينية تنظيم «القيادة العامة» المسؤولية المباشرة عن المجزرة الأخيرة وعن حصار اليرموك، واستباحة دم أهله، ويعتبرون هذا الفصيل «أداة فلسطينية وظيفية» للنظام السوري.
وقد أكد وزير العمل أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير رئيس الوفد الرئاسي لدمشق، على ضرورة الالتزام بما أعلنته الفصائل الفلسطينية ال14 وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بالتمسك بالمبادرة الفلسطينية ورفضها القاطع للحل العسكري لإنهاء أزمة مخيم اليرموك.
ويأتي ذلك بعد أيام من تأكيد قادة تنظيم “القيادة العامة” فشل جميع المبادرات لإنهاء أزمة اليرموك، وسط تلميحات بالحل العسكري القريب، وهو ما يريده النظام السوري منذ الأيام الأولى لدخول مسلحي المعارضة لليرموك.
وفي هذا السياق يرى مراقبون أن ما حصل لمخيم اليرموك وغيره من المخيمات في سوريا يوحي بأن الأمور كانت مرتبة بشكل دقيق كي تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، وأن “القيادة العامة” أدخلت المخيمات في خانة المؤيدين للنظام، بينما المستوى الشعبي كان يقول العكس في حين أن “الجيش الحر” كان يحاول عبر قنوات عدة إقناع الفلسطينيين بأهمية دخوله للمخيمات والتمركز فيها، بينما كان الناشطون الفلسطينيون يشددون على ضرورة عدم الزج بالمخيمات وبخاصة اليرموك في أتون التسلح والقتال بسبب كثرة النازحين وكثافته السكانية.
وقد حمّل طارق حمود منسق “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية» (مقرها لندن)، في أكثر من مناسبة، مسؤولية حصار مخيم اليرموك للنظام السوري بشكل مباشر وإلى ما سمّاها “أدواته الفلسطينية الوظيفية”.
يقول حمود: “الجبهة الشعبية القيادة العامة كانت مسؤولة ابتداءً عن توريط مخيم اليرموك حين خالفت الإجماع الفلسطيني بتشكيل قوة مسلحة تحت مسمى “لجان شعبية” في منتصف 2012 والتي اعتبرها الجميع “الوصفة السحرية لتوريط الفلسطينيين” وهو ما كان فعلاً بعد أربعة أشهر من ممارسة كل أشكال التسلط على أهالي اليرموك، سقط خلالها أكثر من 200 شهيداً من أهالي اليرموك فقط، دون أن يخفى على الرأي العام أن الجبهة مارست سلوكها تحت أجندات وظيفية بعيدة كل البعد عن مصالح الشعب الفلسطيني”، وهي المجموعات التي تمارس “بزنس التهريب” عبر المنافذ التي يسيطرون عليها، في مشهد هو الأكثر دونية في تاريخ الفلسطينيين منذ النكبة”، على حد تعبيره.
واعتبر حمود أن “حصار اليرموك اليوم يكشف عن حقيقة «الوطني” من “المستأجر” فلسطينياً، ويكشف أكثر عن حقيقة من يدعم ومن يذبح الشعب الفلسطيني.
ويؤكد مراقبون بأن مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/ القيادة العامة في الضفة الغربية، المحامي حسام عرفات، يقود منذ شهور حملة تضليل وتزوير للوقائع ومجريات الأحداث في مخيم اليرموك، حملة اشتدت وتيرتها مطلع العام الحلي ففي بداية شهر كانون الثاني/ يناير قال عرفات أن “الأزمة الإنسانية في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين يتم تضخيمها واستغلالها سياسياً”، مشيرًا إلى أنها “تطال قرابة ألف شخص فقط ممن يقطنون المخيم»، حسب قوله.
وقد اعتبر عرفات في تصريحات خص بها وكالة “قدس برس” أن “%80 من قاطني المخيم حالياً من المسلحين وعائلاتهم لا تعاني أية مشاكل إنسانية ويصل إليهم الطعام والدواء عبر منافذ خاصة بهم، وأن الأزمة الإنسانية التي يجري تضخيمها والمتاجرة في معاناة أصحابها سياسياً تطال ما بين 500 إلى 1000 شخص من قاطني المخيم فقط، ويخضعون لسيطرة المسلحين ويعيشون تحت سطوتهم”، حسب وصفه.
يكمن موطن الخلل في أوضاع الفلسطينيين في سوريا في أن مجموع القوى الفلسطينية العاملة وعددها خمسة عشر فصيلاً تتفق على العنوان العام للموقف الوطني وهو “الحياد الإيجابي”، لكنها تختلف في التفاصيل وفي وضع آليات العمل المطلوبة منها تجاه المجتمع الفلسطيني. وهي لم ترتقِ حتى الآن إلى مستوى الحدث، ولم تستطع توفير مرجعية وطنية لعموم الفلسطينيين في سوريا، لأسباب تتعلق بالخلافات والتباينات في صفوفها، وقصور رؤية البعض منها لمسار الأحداث، حيث فضل بعضها اتخاذ موقف انتظاري لما ستؤول إليه الأحداث في البلاد، فيما فضل آخرون اتخاذ موقف الركون والنأي بالنفس بدلاً من الغوص في أحوال الناس والعباد.
وفي هذا السياق يقول عدد من الناشطين الفلسطينيين أنهم ليسوا متفائلين بأي دور لأي من الفصائل الفلسطينية بل إنها تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأمور نتيجة الإهمال المستمر لما تعرض له الفلسطينيون من قتل وما تعرضت له مخيماتهم من تدمير منذ بدء الأزمة السورية.
وبعيداً عن التجاذبات والخلافات الفصائلية فإن وقائع ما حدث ويحدث في مخيم اليرموك في الشهور ال 14 الماضية، كشفت الطامة الكبرى في أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذين أصبحوا عملياً بلا مرجعية ملموسة، وقد تحللت معظم الفصائل والقوى الفلسطينية عن مسؤولياتها تجاه مجتمع اللاجئين، الذين يعيشون الآن أوضاعاً صعبة نتيجة الانعكاسات العامة للأزمة الوطنية في سوريا عليهم.
في وقت ما تزال الجهات الضالعة في الصراع الدائر في سورية تمعن في عنادها وإصرارها على عدم ايجاد حل لمخيم اليرموك وأهله يضمن لهم سلامتهم والبقاء في بيوتهم ومخيمهم آمنين.
اليرموك .. "مدعاة خزي للعالم"
ليس من قبيل المبالغة أن تنشر صحيفة “الغارديان” البريطانية مؤخراً، تقريراً تحت عنوان “اليرموك مصطلح أضيف لقاموس الأعمال الوحشية بحق البشرية”، وفيه كتب كريستوفر جنيس الناطق بلسان أعمال الإغاثة التي تقوم بها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)؛ مخيم اليرموك هو «مدعاة خزي للعالم”. ويضيف: “هذا المخيم الصاخب الذي كان ينبض بالحياة انقلب حاله في الأشهر الأخيرة وأصبح اسمه يرتبط بكلمات جديدة هي سوء التغذية، وموت النساء أثناء الولادة، وغياب الرعاية الطبية، والحصار الذي دفع السكان إلى تناول الأعلاف والحشائش”.
واليوم، وبعد ثلاث مبادرات أهلية وأربع زيارات مكوكية للوفد الرئاسي القادم من رام الله، عادت الأمور وكأنها أمست من لحظة الصفر.. فأيُ مصيرٍ وأيُ نصيبٍ وأيُ حظٍ مُتعثر هذا الذي يلاحق اللاجئين الفلسطينيين من نكبة لنكبة..
وتشير معلومات مؤكدة، بأن ترتيب عملية انسحاب كل الأطراف المسلحة من مخيم اليرموك وجوانبه فشلت حتى الآن، بالرغم من عقد لقاءات يومية بين الأطراف المعنية، ومنها لقاءات الوفد الفلسطيني مع ممثلي الجيش الحر وجبهة النصرة في قاعة النواعير وسط مخيم اليرموك، حيث تمثل الوفد الفلسطيني بسبعة أعضاء، منهم ثلاثة أعضاء مستقلين من أبناء المخيم، وأربعة أعضاء يمثلون عموم القوى الفلسطينية في الساحة السورية (اثنان من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، واثنان من فصائل قوى التحالف الفلسطيني).
وتتعدى نقاط الاستعصاء في هذا المجال التفاصيل الصغيرة التي تم تناولها في تلك اللقاءات لتصب في مسار واحد وواضح يتمثل بإصرار قيادة الجيش الحر وجبهة النصرة (كما أبلغتنا المصادر الفلسطينية المشاركة في تلك اللقاءات) في البقاء في مخيم اليرموك انطلاقًا من كونه بقعة سورية وليست فلسطينية في نهاية المطاف، وانطلاقًا من رؤية لها علاقة بموقع مخيم اليرموك بالنسبة لدمشق كونه (أي مخيم اليرموك) يمثل المدخل الجنوبي العريض والحيوي لمناطق حي الزاهرة وحي القاعة وحي الميدان الدمشقي التاريخي، وهو ما يعتبر بعرف الطرف إياه ضرورة إستراتيجية في سياق عملية الصراع الجارية في مسار الأزمة الداخلية السورية. فممثلو الجيش الحر وجبهة النصرة يرون بأن مسألة الانسحاب من مخيم اليرموك غير ممكنة على الأقل في الوقت الراهن.
وتتمثل الرؤية الفلسطينية التي تم بلورتها في الإطار الوطني الفلسطيني الجماعي (الفصائلي والشعبي غير الفصائلي) في السعي من جديد لإعادة حال مخيم اليرموك إلى ما كان عليه في الفترة التي سبقت دخول عناصر “الجيش السوري الحر” إليه من زاوية بقائه خارج إطار مفاعيل الأزمة الداخلية السورية ولو بالحدود الدنيا التي تسمح باستمرار حياة الناس العادية، وتقطع الطريق على حالة الخروج من المخيم، كما تفتح الطريق لعودة سكان المخيم إلى منازلهم، حيث بات الآن مع استمرار التطاحن العسكري في المخيم أكثر من (%85) من سكانه مشتتين خارج اليرموك.
وفي المستجدات الميدانية داخل المخيم المحاصر فقد شهد يوم الاثنين الموفق 24 آذار اجتماعاً لفعاليات المجتمع المدني الفلسطيني في اليرموك، نتج عنه اتفاق على تشكيل مجلس مدني (ذو صفة مدنية) مستقل استشاري لإخراج المخيم من مأساته ومعاناته المستمرة لغاية اللحظة، ويعمل على إعادة الحياة الطبيعية له من خلال الطرق السلمية والحوارية مع جميع الأطراف والعمل على نبذ العنف، ومن أهـدافه: “الاتصال مع كافة الهيئات واللجان خارج المخيم سواء الرئاسية أو الميدانية والحوار معهم من أجل العمل بالسرعة القصوى لوقف إطلاق النار واللجوء إلى تحكيم العقل. وتذليل كافة العقبات التي تقف في وجه نجاح المبادرة وتحييد المخيم والعمل
ورغم كل محاولات أهالي اليرموك ومبادراتهم الأهلية وما تسعى إليه الفصائل ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية اليوم لإعادة الأمن والاستقرار للمخيم، فلا زال هذا الأمل بعيد المنال، ذلك أن اليرموك بات يُنظر إليه كأحد أهم البوابات الرئيسية لاقتحام دمشق من قبل كتائب المعارضة المسلحة، وبالمقابل الدفاع عنها من قبل قوات الجيش السوري، ما يعني أنه بات من الصعب أن يحيد عن هذا الصراع الدموي المشتعل حالياً أكثر من أي وقت سابق دون أن يحسم لمصلحة هذا الطرف أو ذاك. وهو ما يجعل من اليرموك اليوم هاوية للموت لا قرار لها، تُفضي إلى أتون لليأس لا حدود له، فالمأساة داخل المخيم تتفاقم وتزداد خطورة، وهو يتعرض لأبشع عملية إجرامية يمكن أن تخطر في البال. حيث لم يكتف القتلة بقصفه ودكّ بيوته وتهجير الأغلبية الساحقة من سكانه، بل شرعوا في تدميره بيتاً بعد بيت ليصبح مع مرور الأيام أرضاً خراب لا تصلح للسكن إطلاقاً، ما يعني عدم عودة أهله إليه، وكأن هذا ما يريده طرفا الصراع السوري.على إعادة أهالي المخيم بأسرع وقت لملء الفراغ الحاصل في المخيم واعتبار هذا الهدف هو الأساس في إعادة الأمن والاستقرار للمخيم. وكذلك التعاون مع كافة المؤسسات سواء الحكومية منها أو الدولية أو الخيرية من أجل إعادة تأهيل البنى التحتية للمخيم”.