الحدث- رام الله
على إثر الجدل والحوار العالمي والإقليمي والمحلي، الذي أثير مؤخراً حول أثر ومضامين تسريبات وثائق بنما على نزاهة بعض المسؤولين في القطاعين العام والخاص ومدى احترام مبادىء الشفافية في أعمال الشركات المسجلة شكليا في بعض الدول المعروف عنها كملاذات ضريبية، ونظرا لوجود أسماء فلسطينية ضمن تلك التسريبات، عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة-أمان جلسة نقاش مع الاطراف ذات العلاقة لنقاش مضامين هذه التسريبات بالاستناد إلى القوانين الفلسطينية بهدف ممارسة المساءلة المجتمعية الموضوعية في هذه القضية وما اثير حولها من تساؤلات لدى الرأي العام.
إقرار الذمة المالية درع واقٍ
افتتح الجلسة مستشار مجلس ادارة أمان لشؤون مكافحة الفساد د.عزمي الشعيبي بالتأكيد على أهمية الحوار المهني والذي ينطلق من مبدأ الحفاظ على المصلحة العامة دون إغفال لمصالح الأفراد الخاصة، مشدداً على أن أهمية نقاش هذه التسريبات تنبع من علاقتها بشخصيات لها تأثير على مراكز القرار من جهة وضرورة التأكد من نزاهة المؤسسات والاشخاص الفلسطينيين الذين تم ذكرهم فيها ومن جهة أخرى، مضيفاً أن هناك شركات ضخمة مسجلة في مناطق ليست مناطق استثمار أو إنتاج إنما تكون ستارا للتهرب الضريبي وغسل الأموال. وأشار الشعيبي إلى أن إقرار الذمة المالية يأتي ليس بهدف ملاحقة الفاسدين فحسب، وإنما أحياناً للدفاع عن الشخصيات العامة في مثل هذه الحالات نتيجة لتوفر المعلومات عن ذممهم ما قبل استلامهم للمنصب، مؤكدا على ضرورة التزام القطاع الخاص بمبادئ الحوكمة التي أقرتها مؤسساتنا الوطنية والعمل بموجبها، مع التشديد على أن ذكر بعض الأسماء الفلسطينية في تلك التسريبات لا يعني بالضرورة وجود شبهات فساد أو أفعال غير مشروعة تتعلق بها، ما يستلزم مزيداً من الانفتاح على المعلومات لضمان أعلى مستويات الشفافية.
الشركات الأجنبية في القانون الفلسطيني
وفيما يتعلق بذكر وثائق بنما لأسماء بعض الشركات الفلسطينية المسجلة في الخارج، لفت المستشار القانوني لائتلاف أمان بلال البرغوثي إلى أن قانون الشركات الفلسطيني يسمح لشركات مسجلة في الخارج العمل في فلسطين بغض النظر عن مالكيها، شرط ان يتم تسجيل هذه الشركات لدى الجهات الرسمية المسؤولة في فلسطين، وأشار البرغوثي إلى أن منظومة التشريعات الفلسطينية ذات العلاقة لا تفرق بين الشركات الاجنبية المسجلة في الخارج والعاملة في فلسطين، وما بين الشركات المحلية المسجلة داخل فلسطين وتعمل فيها، سواء فيما يتعلق بالحوافز الاستثمارية وفقا للتشريعات الخاصة بتشجيع الاستثمار (قانون تشجيع الاستثمار للعام 1998 وتعديلاته) او ما يتعلق بالاعفاءات الضريبية وفقاً للتشريعات الضريبية السارية في فلسطين (قانون ضريبة الدخل للعام 2004 وتعديلاته)، فيما عدا تنزيل قيمة الضرائب التي تخضع لها الشركات الأجنبية في الخارج من الأرباح الخاضعة للضريبة في فلسطين.
وأكد البرغوثي على أن الشركات سواء كانت محلية أم أجنيبية وتعمل في فلسطين تخضع لرقابة ومسؤولية مراقب الشركات الفلسطيني، مختتماً بأن قانون مكافحة الفساد يلزم الشخصيات العامة بما فيها الذين وردت أسماؤهم في تسريبات وثائق بنما، بأن يقدموا إقراراً بالذمة المالية لهيئة مكافحة الفساد عن انفسهم وعن الزوج والأولاد بموجب القانون المذكور.
قضية واحدة ومسؤولية متعددة
من جهته شدد مدير عام هيئة سوق رأس المال برّاق النابلسي على أن النظام المالي الفلسطيني أتاح للشركات الفلسطينية والأجنبية العاملة في فلسطين ان تدرج اسمها في السوق المالي، مؤكداً أن الادراج يعني الافصاح وأن متطلبات الافصاح التي تطلبها الهيئة لا تميّز بين شركة اجنبية ومحلية، موضحاً أن الافصاح ينقسم إلى نوعين هما الإفصاح المالي الذي يتعلق برأس مال الشركة وأسهمها وتداولاتها، والإفصاح المعلوماتي الذي يتعلق بالقائمين على الشركة ومديرها وأعضائها وأموالها، مؤكداً أن وظيفة هيئة سوق رأس المال ستبقى منقوصة في ظل غياب قانون شركات عصري وجديد يتماشى مع كافة التغيرات الاقتصادية المحيطة.
وأكد النابلسي على أنه في حين يتركز دور الهيئة في التنظيم والتطوير للسوق المالي، فإنها تسعى جاهدة إلى جذب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات التي تأتي من الخارج وتبذل جهوداً مضاعفةً للحد من وجود العوامل الطاردة للاستثمار في فلسطين.
بدوره أوضح مدير دائرة كبار المكلفين في ضريبة الدخل / وزارة المالية رائد نعمان، أنه جرى تطوير على منظومة القوانين المتعلقة بضريبة الدخل وخاصة بعد القرار بقانون رقم 8 لسنة 2011 بشأن ضريبة الدخل، حيث أنه ووفقاً لنص المادة رقم (7) –على سبيل المثال- جاء الحكم بأن يعفى من الضريبة المفروضة، دخل الشخص المتحقق في الخارج ما لم يكن ناشئاً عن أمواله أو ودائعه في فلسطين. وأوضح نعمان أن الشركات الأجنبية والشركات المقيمة أصبحت مؤخراً تخضع لذات النسبة المتعلقة بضريبة الدخل.
من جانبه أكد رئيس قسم الدراسات التشريعية في هيئة مكافحة الفساد أسامة السعدي أن قانون مكافحة الفساد شمل أعداداً واسعة من المكلفين بتقديم إقرار الذمة المالية سواء من أعضاء المجلس التشريعي أو من يعملون في السلطة القضائية وحتى أعضاء مجلس إدارة الشركات العامة ومدراءها العامين ولكن ليس شركات القطاع الخاص؛ مشدداً على أن هيئة مكافحة الفساد وفي حال ورود أي شكوى تتعلق بكسب غير مشروع فإنها تقوم بمخاطبة المحكمة المختصة لفحص الإقرار، والتأكد من وجود شبهة فساد من عدمه، مع التأكيد على أن ذكر اسم بعض المسؤولين في الأوراق التي تناقشها الجلسة لا يثبت وبالضرورة أنهم فسادين.
وأوضح المستشار القانوني في ديوان الرقابة المالية والإدارية محمد مناصرة، أن الديوان قام بمناقشة الموضوع داخلياً وقد خرج بنتيجتين هما: ان حدود الديوان في مساءلة الرقابة على تسريبات وثائق بنما فيما يخص شركة APIC تكون في حدود صندوق الاستثمار على اعتبار أن الصندوق مساهم بها، مع التأكيد أن ديوان الرقابة جاهز للتحقيق في وثائق بنما حين صدور قرار بالخصوص.
مدير غرفة تجارة وصناعة محافظة رام الله والبيرة صلاح العودة اعتبر أن البحث في المعلومات التي وردت في الوئاق كان يجب أن يتم بمجرد ما وصلت التسريبات إلى العلن، مؤكداً أن التعامل في الاشاعات في مثل هذه الحالات مزعج جداً لكل الأطراف المعنيّة بالموضوع بدءاً بالأسماء المذكورة مروراً بالمواطن وانتهاءً بالجهات الرقابية أو القضائية.
وأجمع الحضور على عدم وضوح الإرادة السياسية والبيئة الداعمة لمتابعة أوراق بنما إذ لم تقم المؤسسات الرسمية بالتحرك أو عمل إجراء فيما يخص تلك الوثائق، وأن مسؤولية التحقيق في تفاصيل هذه التسريبات المذكورة لا تقع على عاتق جهة واحدة؛ موصيين الحكومة بالمبادرة إلى تشكيل فريق وطني من المؤسسات الرسمية ذات العلاقة، تقوم بدراسة هذه الأوراق بما يضمن إعمال القانون الفلسطيني بحق كل من يثبت إساءته لموقعه الرسمي أو لاستخدام المال الفلسطيني العام أو التلاعب به أو التهرب الضريبي، بحيث تتم متابعة هذه القضايا وعدم تجاهلها بما يطمئن الرأي العام بوجود مؤسسات رسمية تقف على مثل هذه الحالات.
يذكر أن جلسة النقاش حظيت بحضور ممثلين عن وزارة المالية، هيئة سوق رأس المال، جمعية حماية المستهلك، هيئة مكافحة الفساد، ديوان الرقابة المالية والإدارية، المجلس التشريعي، غرفة تجارة وصناعة محافظة رام الله والبيرة وعدد من وسائل الإعلام كراديو أجيال، صحيفة القدس، صحيفة السفير ووكالة الانباء الفلسطينية وفا وعدد أخر من الأكاديميين والمهتمين.