أبو مازن: لا يمكن سحب مبادرة السلام لأن العرب غير مستعدين للحرب
العربي: يقترح مقاومة الاحتلال باعتباره نظام “أبارتهايد” جديد كما فعلت جنوب أفريقيا
و “تميم” يجدد التأكيد على المقترح القطري الخاص بإنشاء صندوق للقدس
الكويت- بهاء الدين محمد
على الرغم مما تشهده المنطقة من تحديات وقضايا مستجدة كالأزمة السورية والخلافات العربية الطارئة بين بعض الدول، إلا أن القضية الفلسطينية حافظت على صدارتها على رأس أولويات القادة العرب خلال اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة في دورته الخامسة والعشرين التي اختتمت أعمالها الأربعاء الماضي في الكويت برئاسة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وبمشاركة فلسطينية رفيعة المستوى برئاسة الرئيس محمود عباس أبومازن ومشاركة وزير الخارجية رياض المالكي.
القضية المركزية.. وستظل هكذا
في ظل السياق العربي الحافل بالقضايا والأزمات وعلى رأسها الأزمة السورية والأوضاع في مصر واليمن والعراق والخلافات الخليجية وغيرها، جاءت القرارات العربية التي تضمنها «إعلان الكويت» لتأكد مجدداً على المواقف العربية الثابتة المتعلقة بالقضية الفلسطينية بوصفها القضية المركزية للأمة العربية. وفي كلمته، وصف الأمين العام لجامعة الدول العربية القضية الفلسطينية بأنها: «أولى التحديات التي تواجه العرب وأكبرها»، وهي “قضية العرب المحورية الأولى وقضية العرب المركزية”، وأن «المنطقة، بل والعالم أجمع، لن ينعم بالسلام والأمن والاستقرار إنْ لم يتحقق الانسحاب الإسرائيلي الشامل من كافة الأراضي العربية المحتلة».
كما أكد القادة العرب على تكريس كافة جهودهم لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية في حدود الرابع من يونيو/ حزيران، مجددين التأكيد على بقية القرارات الثابتة المتعلقة بفلسطين في كافة قرارات الجامعة العربية مثل عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبطلانها القانوني، ومطالبة المجتمع الدولي بمواصلة جهوده لوقف الاستيطان الاسرائيلي، وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، وكذلك إدانة الانتهاكات الاسرائيلية على المسجد الأقصى المبارك، ورفض محاولات الاحتلال لانتزاع الولاية الأردنية الهاشمية عنه، كما حّمل القرار إسرائيل المسئولية الكاملة لتعثر عملية السلام واستمرار التوتر في الشرق الأوسط، وأعرب القادة العرب عن رفضهم المطلق والقاطع للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، واستمرار الاستيطان وتهويد القدس والاعتداء على مقدساتها الإسلامية والمسيحية، وتغيير وضعها الديموغرافي والجغرافي.
وفيما يتعلق بالوضع الفلسطيني الداخلي، دعا إعلان الكويت إلى احترام الشرعية الوطنية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس وتثمين جهوده في مجال المصالحة الوطنية، وضرورة احترام المؤسسات الشرعية للسلطة الوطنية الفلسطينية المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية، والالتزام بوحدة القرار والتمثيل الفلسطيني. كما أكد القادة العرب على أن المصالحة الوطنية الفلسطينية تمثل الضمانة الحقيقية الوحيدة لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الاستقلال الوطني، داعين إلى تنفيذ المصالحة الوطنية الموقعة في 2011/5/4، ومعربين عن الشكر لجمهورية مصر العربية لرعايتها المتواصلة واستمرار جهودها الحثيثة لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، كما رحب القرار بإعلان الدوحة والقاضي بتشكيل حكومة انتقالية وطنية مستقلة، تعمل على التحضير لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني.
سحب مبادرة السلام العربية
قبيل قمة الكويت ظهرت أصوات عربية على المستويات الشعبية والسياسية تطالب القادة العرب بإصدار قرار بسحب المبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 بناء على مبادرة سعودية، لكن هذه المطالب لم تلقى استجابة لدى القمة العربية.
الرئيس عباس: المبادرة العربية إسرائيل تجاهلتها والعرب لم يهتموا بها
الرئيس محمود عباس أكد، في لقاء مصغر مع عدد من الصحفيين على هامش القمة، أنه لا توجد دولة عربية تقدمت بطلب سحب المبادرة العربية، مشيراً إلى أنه لم يطلب ذلك أيضا، نظراً لقناعته بأن المبادرة العربية بها من الايجابيات للعرب والفلسطينيين واليهود والمسلمين وللمنطقة كلها ما يجب السعي إليه، معتبراً أن البديل عن سحب المبادرة هو إما الدخول في حالة اللاسلم واللاحرب التي استمرت عشرات السنين بين العرب واسرائيل وتسببت بأضرار جسيمة للقضية الفلسطينية، أو الدخول في الحرب مع اسرائيل، وهو خيار لا يعتبر أن العرب مستعدون له.
وأشار الرئيس “عباس” إلى أن مطلب سحب المبادرة العربية ليس بجديد، حيث إنه في كل قمة عربية تظهر مطالب بسحبها، وشدد على أن هذه المبادرة لم يتم اطلاقها عبثاً بل هي أهم مبادرة للسلام منذ عام 1948 وكان يجب تسويقها والترويج لها ودعمها ولكن ما حدث أن إسرائيل تجاهلتها والعرب لم يهتموا بها الاهتمام الكافي.
نبيل فهمي: السلام الشامل لا يكون في استئناف المفاوضات من أجل المفاوضات
كما أكد وزير الخارجية المصري نبيل فهمي لـ “الحدث” أن المبادرة العربية قائمة ولم تُسحب ولن تُسحب، بل يسعى العرب لتحريكها وتفعيلها، معتبراً أن الحديث عن سحب المبادرة بعد 12 عام من طرحها هو حديث غير جدي ولا طائل من ورائه. وشدد وزير الخارجية المصري في نفس الوقت على ضرورة وجود طرف إسرائيلي لانجاح هذه المبادرة، وتابع: “حتى الآن المبادرة من طرف واحد هو الطرف العربي الذي يمد يده بالسلام دون وجود طرف آخر إسرائيلي، والسلام الشامل لا يكون في استئناف المفاوضات من أجل المفاوضات ولكن يتحقق بإنسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة بعد عام 1976 وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وتحقيق الأمن والسلام لكل دول المنطقة، ولست متفائلاً بإمكانية إنجاز شيء جديد قبل المهلة المحددة لاستئناف المفاوضات في نهاية إبريل المقبل”، وحول موقفه من مطالب سحب المبادرة العربية قال “فهمي”: “المبادرة العربية للسلام هي خيار استراتيجي عربي، وليست تنازلاً عن ثوابتنا، لأنها تؤكد للعالم أن العرب مؤمنون بالسلام المبني على قواعد وأسس إنهاء الاحتلال وإقامة الدول الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. ومسألة سحبها من عدمه ليست القضية، الأهم هو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.”
المصالحة والمفاوضات
وفي السياق ذاته تعرض الرئيس “أبو مازن” لنتائج زيارته لواشنطن وجهود استئناف المفاوضات خلال اجتماع خاص عقده مع وزراء الخارجية العرب، مفصلاً تلك النتائج في اجتماعه الخاص، ومشيرا لها في كلمته أمام القادة.
من جانبه أكد وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي لـ “الحدث” أن الجانب الفلسطيني لن يقبل تمديد مدة استئناف المفاوضات التي ستنتهي في 29 أبريل الجاري، إلا إذا كان هناك مبرراً يستحق ذلك، معتبراً أن هناك صعوبة في تمديد المدة، وأنه لم يتحقق شيء ملموس على الأرض خلال مدة الـ9 أشهر التي وضعتها الولايات المتحدة. مشيرا إلى أنه ما زال بيد فلسطين العديد من السيناريوهات البديلة حال وصول طريق المفاوضات إلى طريق مسدود، رافضا كشف ماهية تلك السيناريوهات قبل انتهاء المدة المحددة.
وفيما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية، نفى “المالكي” إمكانية التخلي عن دور مصر كوسيط وراعي أساسي لعملية المصالحة بعد صدور حكم قضائي مصري بإعتبار حركة “حماس” تنظيمياً إرهابياً، قائلاً: “نحن نعتبر حركة حماس جزءا أصيلا من منظومة العمل الوطني الفلسطيني، بغض النظر عن كيفية تصنيف مصر لها، واعتقد أن الحكم المصري صدر بخصوص أي نشاط للحركة يتعلق بمصر، وهي أمور كلها تتعلق بالمرحلة التي تمر بها مصر حاليا، لكن الدولة المصرية تقف على مسافة من الحكم القضائي الذي صدر وتتحرك وفقاً للمصلحة العربية والفلسطينية المتمثلة في إنهاء الانقسام”.
دعم القدس
في ظل الإعتداءات الأخيرة المتكررة التي تعرضت لها القدس والمسجد الأقصى قبيل انعقاد القمة، كان من الطبيعي أن تشير كلمات كافة رؤساء الوفود العربية إلى دعم القدس، حيث طالب الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور المجتمع الدولي بالعمل على ايقاف أي محاولات إسرائيلية للنيل من حرمة المسجد الأقصى الشريف ومقدساتنا في القدس مؤكدا أن هذا خط أحمر لو تم تجاوزه فلن يستطيع أحد التنبؤ بنتائجه الكارثية على الجميع. وشدد على أن المسجد الأقصى المبارك يخص الأمة الاسلامية بأسرها وتتحمل إسرائيل المسئولية كاملة بوصفها قوة احتلال إزاء النتائج الوخيمة التي ستنتج عن التهاون أو التخاذل في شأن حمايته من جماعات التطرف اليهودية.
أما أمير قطر فقد جدد التأكيد على مقترح بلاده الذي صدر في قرار قمة الدوحة القاضي بإنشاء صندوق لدعم القدس، برأسمال قدره مليار دولار، مؤكدا أن قرار إنشاء الصندوق لم ينفذ، وجدد التزام الدوحة بتقديم ربع مليار دولار، وأنها ستنسق بشأن الموضوع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وفيما يتعلق بالقرار العربي الخاص بالقدس، جدد القرار التأكيد على الأمور الثابتة مثل التأكيد على عروبة القدس وإدانة الانتهاكات الإسرائيلية والحفريات والتهويد ومطالبة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة واليونيسكو بالتدخل، بالإضافة إلى ذلك جاء القرار ليرحب بالاتفاق بين الملك عبدالله الثاني ملك الاردن، والرئيس محمود عباس بتاريخ 2013/3/31 بهدف الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك والمقدسات الإسلامية وحمايتها قانونيا بكل السبل الممكنة، وطالبت القمة الفاتيكان بعدم توقيع أي اتفاق مع الحكومة الإسرائيلية يتعلق بقضايا الملكية الاقتصادية والمالية والعقارية للكنيسة الكاثوليكية أو لمؤسسات وتجمعات كاثوليكية واقعة في القدس الشرقية، وأنه لا يجوز عقد أي اتفاق إلا مع دولة فلسطين لأن القدس مدينة محتلة احتلت عام 67، وأي اتفاق مع اسرائيل يعتبر خرقا صريحا للقانون الدولي والشرعية الدولية وقراراتها، ومطالبة الفاتيكان بالالتزام والاتفاق الذي وقع عام 2000 مع دولة فلسطين.
الخلافات العربية
رغم أن الملف الفلسطيني كان أبرز البنود التي شهدت توافقا وإجماعا عربيا خلال القمة إلا أن بعض التطورات والخلافات انعكست على القضية الفلسطينية ولو بشكل غير مباشر، فعلى سبيل المثال، انعكس الخلاف المصري-القطري، على كلمات رؤساء الوفود فيما يتعلق بفلسطين، حيث أكد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على ضرورة رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر، بينا ركز وزير الخارجية المصري نبيل فهمي، خلال كافة لقاءاته الإعلامية على هامش القمة، على موقف بلاده بإعتبار ملف المعبر أمر يتعلق بالأمن القومي المصري الذي يتعرض للعديد من المخاطر. وفي حين نفى وزير الخارجية المصري تخلي بلاده عن رعاية المصالحة الفلسطينية وأكد أن مصر تعتبر “حماس” طرف وطني فلسطيني يجب دعمه في إطار دعم القضية الفلسطينية.. دعا أمير قطر مجدداً إلى قمة عربية مصغرة لتحقيق المصالحة الفلسطينية، الأمر الذي أعتبره البعض محاولة لكسر احتكار مصر لملف المصالحة الفلسطينية المتعثرة.
السيناريو البديل
من جانب آخر طرح الدكتور نبيل العربي خلال كلمته بالقمة العربية، أحد البدائل والخيارات غير التقليدية نتيجة عدم وجود نتائج ملموسة بسبب سياسة التسويف وكسب الوقت التي تتقن إسرائيل استخدامها من أجل مواصلة عمليات التهويد والاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها المسجد الأقصى وأحياء القدس القديمة.
وقال الأمين العام خلال كلمته: “ لذلك علينا مسؤولية بحث البدائل والخيارات التقليدية - مثل اللجوء إلي مجلس الأمن والأجهزة الدولية - وغير التقليدية التي يمكن أن نلجأ إليها إذا ما استمرت إسرائيل في محاولات إفشال الجهود الجارية، وعلينا طرق جميع الأبواب. وأهم تلك البدائل والخيارات غير التقليدية في نظري ترتكز على أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يمثل نظام أبارتهايد وهو آخر معاقل الإستعمار في القرن الواحد والعشرين ويسير ضد حركة التاريخ، كما ترتكز تلك البدائل على الإدراك الدولي المتنامي لإستحالة استمرار الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية، والتفهم العام للأثر المدمر للتعنت الإسرائيلي على فرص نجاح المفاوضات. حتى أن الإدارة الأمريكية نفسها، ممثلة في الرئيس أوباما والوزير جون كيري، اعترفت علناً بأن عرقلة إسرائيل لمساعي التوصل إلى إنهاء النزاع سيؤدي لا محالة إلى عزلة إسرائيل في المجتمع الدولي وسيعرضها لمقاطعة وعقوبات، وبالطبع فلقد هُوجمت الإدارة الأمريكية عندما قالت ذلك، ولا بد أن نرحب بهذا الموقف من الولايات المتحدة، وسوف ننتظر لنرى مدى تأثير هذا الموقف على مسار التفاوض”.
ودعا “العربي” جميع الدول العربية في هذه المرحلة الهامة من الصراع إلى تكثيف تقديم الدعم للشعب الفلسطيني سياسياً واقتصادياً ومالياً، وقبل كل ذلك الوفاء بالتعهدات التي قطعتها على نفسها لدعمه، ومساندة القيادة الفلسطينية في سعيها لإستعادة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.