هكذا وجدت نفسي أكتب وأنا أقرأ رواية "أرواح كليمنجارو"
أعترف أولا أنني لم أسع يوما للقاء كاتب كبير لأسجل في ألبومي الخاص صورة معه، وكان بإمكاني فعل ذلك، وقد زرتنا في فلسطين مبدعا وروائيا، ليس لأنني أرى نفسي مختلفا، بل لأنني أحب أن تكون العلاقة بيني وبين الكُتّاب فكرية من خلال ما كتبوا. ولكنني الآن أشعر بشيء من ندم، فلو كنت قرأت "أرواح كلمنجارو" قبل اليوم لأتيتك شاكرا. فقد جعلتني الرواية واحدا من شخصياتها، كوني أشترك مع شخصياتها الأطفال المصابين ببعض قضية. صحيح أنني لست معاقا بفعل الإجرام الصهيوني، ولكنني كنت مثل بعضهم فاقدا لأحد أطراف جسمي المتآكل شماله.
أتذكر في طفولتي أنني كنت أتحدى إعاقتي بأشياء "تافهة" كثيرة؛ اللعب مع أقراني كرة القدم، وركوب دراجة هوائية بمهارة عالية، أثارت الدهشة، فكيف لطفل بيد واحدة أن يكون بمثل هذه اللباقة والقيادة بأقصى سرعة. كما أنني أتذكر أنني اشتركت بفرقة إنشاد في المدرسة. فعلتها مرة واحدة فقط. وأشياء كثيرة أخرى فعلتها، كمشاكشة أمي أو زميلات المدرسة.
أتذكر كيف كنت أصعد من قاعي الرسوبي إلى قمة نفسي، وأتسلق مع أبناء الحيّ قمة الجبل المجاور. وقفت متأملا مفتتح الرواية "في كل إنسان قمة عليه أن يصعدها، وإلا بقي في القاع.. مهما صعد من قمم". أشعر الآن وأنا ابن ثلاث وأربعين سنة أنني صعدت تلك القمة بكثير من المجاهدة والصبر والإرادة. فثمة حواجز قد تخطيتها حتى ارتقيت الجبل المعنوي جبلي أنا/ شموخي/ مرتفعي/ قمتي فغدوت شخصا كاملا لا يعترف بالإعاقة.
في هذه الرواية ثمة أمر مختلف، مع الاعتراف وأنا القارئ النهم، أنني لم أقرأ غير هذه الرواية للكاتب إبراهيم نصر الله، فنبهت الطفل الذي كنته يوما، بسخرية زملاء المدرسة منه، بسبب مشيته العرجاء، وشكل يده المتقوسة المشلولة. فصعدت قمتي ووقفت في أعاليها، أستنشق بكل ما أوتيت من قوة هواء نقيا ليس كمثله في النقاء والمتعة أي هواء.
لقد كانت علاقتي مع المرأة من القضايا المعقدة، ربما نجحت في تخطى ذلك الواهم الذي كان مسيطرا. فهل صادفت امرأة تحبني لأنني "أنا" أم أحبت فيّ وصولي إلى قمة ذاتي؟ أفلو كانت تعرفني قبل ذلك هل ستحبني؟ لا أدري إلى الآن أنها كانت تحبني. أعرف أنها نزلت عن قمتي منذ زمن. فهل بقيتُ هناك وحيدا أنتظر غزالة أخرى لتحبني هي الآخرى زمنا ثم تتركني وحيدا؟ ربما كانت تتعاطف معي ليس أكثر، وتطلق لي نكتها الحادة، ربما كانت تحبني لأنني مختلف متحد، كشخصيات "كلمنجارو"، ربما كانت تمارس معي ذلك الدور التي مارسته الدكتورة "أروى". أيضا لست أدري، كل ما أدريه أن روح الجبل الطامح إلى الحرية قد تلبسني صعودا نحو الحرية والانعتاق من سجن الذات لأكون حرّا.
"أرواح كليمنجارو" رواية الإنسانية والحرية والانعتاق، رواية الكشف عما في الذات من قدرات وطاقات إيجابية، تستطيع قلب الموازين الظاهرية، لأنك أيها الإنسان لست عاجزا حتى وإن فقدت طرفا من أطراف جسمك أو فقئت عينك، فلا بد من التحليق، وإن كان "أول التحليق المشي".
دمت بود متمنيا أن نلتقي يوما لأشكرك كونك كتبت عني قبل من كتبت عنهم.
قارئ من بلاد "التين والزيتون"