دون مبالغة، ومع الإدراك الواقعي لكل محطات الصراع، بكل أشكاله، مع الاحتلال الصهيوني، فإن ما يدور الآن في عهد حكومات نتنياهو من اعتداءات على حقوق الفلسطينيين التاريخية، لم يسبق له أن وصل فيه الحال إلى هذا الحد من وقاحة المواقف، وروح التحدي للحقوق الفلسطينية والعربية، وآخرها اعتبار أراضي الجولان السورية جزءاً من دولة إسرائيل!
حكومة نتنياهو تحاول استثمار هذا التردي في الواقع العربي الرسمي، بما في ذلك التردي الفلسطيني، إلى أقصى حد، حتى تفرض شروطها وتغدق على الرغبة في التوسع لديها كل ما لذ وطاب من الشهوات التوسعية والعنصرية، ومقابل ذلك، ما زال الموقف العربي الرسمي متمسكاً بمقولات سياسية مكررة في البحث عن حل للصراع مع إسرائيل لا تعني شيئاً سوى رفع العتب بظواهر صوتية، أما في الجانب الفلسطيني، فلا شيء جديد سوى خض الماء... وبلا جدوى
الأسبوع الماضي احتُفِل بمهرجانات تضامنية مع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية والبالغ عددهم راهناً 7000 أسير، منهم أكثر من 700 موقوف إداري (من تراث قانون الطوارئ البريطاني) وفي تفاصيل المهرجانات برزت ظاهرة اعتقال الأطفال وتعذيبهم في السجون الإسرائيلية (هناك 400 طفل في السجون، وتتراوح أعمارهم بين 12 عاماً و16 عاماً، منهم الطفلة ديما الواوي والطفل الجريح أحمد مناصرة) وتظهر آخر إبداعات العنصرية في الكنيست الإسرائيلي إقرار (بالقراءة الأولى) محاكمة الأطفال الفلسطينيين في سن الرابعة عشر، إضافة إلى أن الأمر العسكري قد صدر باعتبار السن القانوني للفرد الفلسطيني هو سن ال16 عاماً، على عكس كافة القوانين الدولية التي حددت سن البلوغ ب 18 عاماً! في كل المناسبات التي يجري فيها الحديث عن المعاملة غير الإنسانية، وتحديداً للأطفال الفلسطينيين، تعود للصورة جريمة القتل العمد للطفل محمد الدرة والطفل الذي تم حرقه حياً في القدس، محمد أبو خضير، والسؤال، ماذا عمل الساعون ليل نهار للوصول إلى حل سلمي للصراع مع الاحتلال، وما هي الإجراءات القانونية لدى المحاكم الدولية لتظهير هذه الجرائم وفضح الوجه العنصري وسياسة التحريض على القتل بدم بارد للمحتجين الفلسطينيين على الاحتلال؟!
في مقدمة ما قلته في هذا المقال عن محاولات حكومة نتنياهو لاستثمار رداءة الواقع العربي الرسمي المحيط، والعجز الفاضح عن وضع حد لهذه الوقاحات الإسرائيلية، لكن كل ذلك لا يبرر للقيادات الفلسطينية مواصلة السكوت وعدم فضح، بل واستثمار، ما بأيدينا من أوراق قوة نشهرها في وجه الموجة العنصرية التي فاقت كل الحدود وتخطت كل المحرمات!
لنتوقف عن السباحة في شبر ماء، فلا سلام مع حكومة تواصل سرقة أراضي الفلسطينيين ولا تتوقف عن المداهمات والاعتقالات وتمتلك آلة تشريع (الكنيست) لإباحة كل شيء في خدمة التوسع والقمع، بما في ذلك أعضاء (الكنيست) العرب، والقائمة المشتركة مثالها الأبرز. هذه مرحلة جديدة، وهي بحاجة إلى سياسات مبدعة وقدرات نوعية في صد العدوان بكل الأشكال الممكنة، بما فيها نقل إعلامنا من المحلي إلى العالمي، ومن محاكم الاحتلال إلى المحاكم الدولية، بل وفي إغلاق الأبواب أمام أوهام السلام مع طرف لا يرغب ولا يريد من أية مفاوضات سوى الاستسلام!!