أولاً: في الأسئلة المشوقة
لمن هي "الحدث" ولمن تتبع؟ ما هي علاقة د. محمد مصطفى، رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني، بـ "الحدث"؟، ما علاقة "الحدث" بـ د. سلام فياض، رئيس الوزراء السابق؟ ما علاقة "الحدث" بـ"حماس"؟، ما هي الأجندة التي تُدبرُها "الحدث"، لإسقاط حكومة د. رامي الحمد الله، رئيس الوزراء الحالي؟ من هي الجهة المتآمرة مع "الحدث" ضد حكومة د. الحمد الله؟ لماذا تستهدف "الحدث" د. رامي الحمد الله وحكومته في تقاريرها وتغطيتها الإعلامية؟ كم هو راتب رولا سرحان الذي تتقاضاه؟ من أين تحصل "الحدث" على تمويلها؟ هل لها تمويل خارجي؟ كم هي مصروفات "الحدث"؟ وكيف صعدت "الحدث" إلى مكانتها الحالية في وقت قصير؟
ببساطة: من أنتم؟
ثانياً: في الإجابات غير المشوقة
1. "الحدث" تقرع الجرس
أما صدى الرنين فهو: أن اعلموا أن من يطرح التساؤلات أعلاه فإنما هو فقيرُ الإيمان بنفسه وبوطنه، ويعيشُ في جوعٍ إلى الحرية.
الحرية من مجتمع وسياسات تفرِضُ نفوذها على الفرد ليضمنَ حمايةَ نفسه من الآخرين.
الحرية من نفسِهِ حين يكونُ جباناً، فلا ينصُرُ نفسَهُ ولا ينصُرُ الآخرين.
الحرية من فكرة أن "الصمتَ" هو للصالح العام، وخدمة للوطن، وعدم تماهٍ مع أجنداتٍ مشبوهةٍ، وعدم إخلالٍ بالأمن والسلم الأهلي.
الحرية من ظاهرة العُلو في القوة، وجبروت تحالف المال والنفوذ.
الحريةُ من الاندهاش بـ "ذوي الياقات البيضاء" يلبسون لبس الصلاحِ فوق لبس الفساد.
الحريةُ من "الشخصنة" والتآمرية والانهزامية ومن الوساوس القهرية.
الحريةُ من اعتقادِ أن واحداً بإمكانه التحدُّثُ والتصرف باسمنا، باسم أبناء الوطن.
الحريةُ من ورطةِ عدم التفرقةِ بين التصديق والتكذيب، التشكيكِ والاعتقاد، التابع والمتبوع، ذي القناع والشجاع، السطحِ وما ظهرَ منه وما ظلَّ تحتهُ، الاستباحةِ والحصانة، القلم والطعنة، الكلمة واللكمة، النص الأصل واللصقِ بالأصل، التبرير والحقيقة، المُفكِّر والمُكَفِّر، الصادق والمُتزلِّف، المُلتفِّ حولك والثعبان، من يقطِف ومن يخطِف، المُدلس والمُنجِز، المُندس والحارس.
الحريةُ أن ترى باباً مغلقاً صدئت مفاصِلُه فتكسرهُ وتخرج.
2. حكاية "ابن زعزعان" حين يحقد ويُدبر ولا يُفكِّر
يُحكى أن "ابن زعزعان" كان رجُلاً طيباً، يعيشُ فوق جنَّةٍ له عليها بيتٌ كبيرٌ وأخوةٌ كثير. وكان لـ "ابن زعزعان" حذاءٌ يُحبُّه، يرتديه دوماً، إن ذهبَ إلى الحمام فهو يرتديه، إن ذهب إلى حفل تنصيب أحد الولاة في قريةٍ مجاورةٍ فهو يرتديه، إن أراد التنزه لتفقد حقله فهو يرتديه، إن شارك في افتتاح مسابقة ألعاب رمي السهم، فهو يرتديه، إن خرج من البحر بعد سباحة كان يخرج وهو يرتديه، إلى أن ذاب كعبُ الحذاء، وشُقَّ فخرج إصبعُ قدمه الكبير من مقدمة الحذاء لكثرة استخدامه.
ولأن "ابن زعزعان" كان يُحبُّ هذا الحذاء كثيراً، لم يجرؤ أحدٌ ممن هم حول "ابن زعزعان" أن يقول له إن الحذاء مثقوب وإن كعبهُ قد ذاب. وظل "ابن زعزعان" لا يرى أن الحذاء قد مسَّهُ مسٌّ من شر، بل ظل يمشي به متجاهلاً الأمر، لا هو بمقرٍ بنهاية صلاحية الاستخدام، ولا هو بمرمم خرابه.
وفي يوم من الأيام، استقبل "ابن زعزعان" في بيتهِ، السيدة "صفحة بنت المُتكلم"، جاءت لتشكو أحد الباعةِ لأنه اتفق مع مزارع على بيع التمر لجار غريب ادعى أن تمر المزارعِ تمرهُ، فخلى السوقُ من التمر.
وعندما سمح "ابن زعزعان" لـ "صفحة بنت المتكلم" بالدخول قال لها: ما شأنُكِ يا صفحة، فقالت له: "يا ابن زعزعان" لقد بيعَ التمر كما بيعَ لكم الأمر"، فاستوضحها: فقالت: "حذاؤكم مثقوب والتمرُ منهوب"، فقال لها: "ويحكِ يا صفحة، أتصفينني بما ليسَ في، وتعيبينَ عليَّ حذائي." فقالت له صفحة :"والله ما وصفتُكَ إلا بما فيك، وما قُلت إلا ما كان جديراً به أن يعنيك، لكنكَ عليت من شأن حذائك، وأغفلت لصاً على بابِك." فغضبَ "ابن زعزعان"، وأمر بإلقاء "صفحة بنت المتكلم" في الحبس، ونادى على قائد العسس، ليذهب فيُفتِّشَ بيت "صفحة"، ليبحث عن التمر.
ج) المواطن الصالح في مقابل المواطن غير الصالح
المواطنُ الصالحُ يرى، يُشاهد، يُراقب، يرصد، يعي، يغربل، ويفرز، حتى يصل إلى وجه الحقيقة الصحيح، ولا يحتاجُ إلى سيِّد يوجههُ نحو ما عليه أن يتصرف، هو لا يحتاجُ إلى وصاية من أحد، ولا دعمٍ من أحد، ولا تأييدٍ من أحد، هو ليس مواطناً تابعاً، يُقادُ مجروراً.
المواطنُ غير الصالح: لا يتكلم، لكنه يرى ويسمع، قد يعي ما يرى ويسمع، وقد لا يعيهما، لأنه تابعٌ لا قيمة له، إلا تحت سيده الذي يحملهُ على ظهره.
في حال تكلم، فهو يشهدُ بأنك ضالٌّ بلا دليل، وبأنك مُدلِّسٌ، هو شاهدٌ على عقل سيِّده الذي يسبحُ في الفراغ، يريدُ لك الإحساسَ بالدونية التي يعيشُ فيها لفقده معنى وجوده، ولفقدهِ ثقتَهُ بنفسِه، وبمن حوله، وبأن المآمرة ضده قادمةٌ لا محالة بسببكَ وليست بسببه، لأنه استأثرَ ومنعَ وأقصى، وكاد ودبّر، وأفسد، ففسد كل ما حوله.
د) لمن هذه البلد
فلسطين ليست ملح القلب، وليست طيبه، ليست حجراً وحده، ليست تراباً منقوصاً، ليست جدران بيت مكسور، ليست بقعة أو مكاناً لا يشعر بوقعِ الخطوةِ، ليست كرسياً يجلسُ عليه خيالٌ بلا حرية، هي مكانٌ للخيال والرؤية والرؤيا، هي مكانُ السماء ومكانُ الأرضِ في السماء، الدعاءُ المحبوس، ركعةُ عشقِ الله، لسانُ جهنم، بؤرةُ الهاوية، زئبق الجمود، احتكارُ الآية النهائية، ثباتُ الحقيقةِ، سترُ حياء، سلوكٌ قويم،
هي صِدقُ بشرها.
فلسطين لأولئك الصادقين.
هـ) من هنا نبدأ
المسكوتُ عنه، لا يعني أن الزمن سيطويه، أو أن التاريخَ سينساه، فلا شيء يُنسى، لأننا لن ننسى، ليس حقداً، بل طلباً للعدل والإنصاف.
ليست لنا أيادٍ مرتعشة، ولا قلوب وجلة، ولسنا نرتدي قفاز ملاكمةٍ، ولا نمتشقُ سيفاً، فلسنا في حلبة مصارعةٍ، أو في ميدان قتال؛
لكننا نحملُ قلماً لا نُهينُ حبرهُ، غايته النُبلُ لا النيلُ، والتقصي لا التجني، غايته أمينة لا مهينة، لا نطعنُ ولا نُسفهُ ولا نحقر، ولا نقلل من قدر، ولا نخفي من أمر.
لا ندعي امتلاك الحقيقة، لأننا على يقين أن كلاً منا يُمسكُ بطرفٍ منها؛ لكننا نجمعُ أجزاءها، ونبدي مقاصدها، ونشيرُ إلى فاعل الحقِ في فعله، بلا حذفٍ، أو تحريفٍ، أو مغمغةٍ، أو تزييفٍ، بلا زيادةٍ في التشويق، أو تهويلٍ للتشويه.
نحنُ نخرُجُ إلى النهار، لسنا أبناءَ حيرةٍ، ولسنا دعاةَ تردد، ولا نقفُ خلفَ الظل، نُعطي الحق لفاعلِه، ونعطي الظُلم لمن جاء يحملهُ.
لنا أدبُنا، فلا خصمَ لنا فيمن خاصمنا، ولا قطيعة لنا فيمن قاطعنا، ولا سُبةَ لنا فيمن سبَّنا، ولا جدالَ فيمن جادلنا، ولا تحريض على من حرَّض ضدنا، ولا ماءَ لنا في بئر ليس بئرنا، ولا زادَ إلاَّ من صُنعِ يدِنا، لا نأخُذُ بل نُعطي، نملأُ ويُملأُ بنا.
"الحدث" فوقَ ما يصفون، فوقَ ما تتخيلون