وليد أبو بكر- كاتب وناقد مسرحي
يمكن القول إنه توجد لدينا مؤهلات أساسية لحركة مسرحية فعالة، تستطيع إثراء المشهد الثقافي والمسرحيّ بشكل خاص، لكن مثل هذه الحركة غير موجودة بالفعل. المؤهلات التي أعنيها هي مجموع العناصر التي تستطيع أن تشكل حركة مسرحية، خصوصا ما كان منها عنصريا إنسانيا، مثل إمكانية تواجد كتاب مسرحيين (أو اختيار نصوص مسرحية) ووجود مخرجين وممثلين وتقنيين مسرحيين، ممن تخرجوا في المعاهد العربية للمسرح، أو حتى الأجنبية، أو ممن لهم موهبة وتجربة ثرية في العمل المسرحيّ، ويمكنهم أن يؤسسوا لحركة مسرحية متقدمة، على الأقل كما كان عليه الحال في ثمانينيات القرن العشرين مثلا. لكن مما يؤسف له أن هذه الكفاءات جميعها معطل، أو هي تسير في طريق خاطئ، لا يدعم الحركة المسرحية بما ينميها أو يجعلها حركة فاعلة، أو يخلق ثقافة مسرحية توحي بما هو إيجابي للمستقبل.
ولعل المشكلة الرئيسية في الواقع المسرحي هي أن الجهود مبعثرة وفردية إلى حد كبير، بمعنى عدم وجود جهة مشرفة وداعمة في الوقت نفسه، خصوصا على المستوى الرسمي، الذي لا يستطيع المسرح أن يستمر دون أن يجد دعما معنويا وماديا منه، إضافة إلى أن الجهود الفردية، التي تتنافس في البحث عن الدعم (الذي غالبا ما يكون أجنبيا)، لا تنمي الحركة المسرحية كتيار مستمرّ.
الخروج من هذا المأزق مرتبط بخروج الحالة الثقافية من مأزقها بشكل جذري، يبدأ من إحساس السلطة بأهمية الثقافة الوطنية عموما، وأهمية المسرح في بناء الشخصية الوطنية، بشكل خاص، لأن الإحساس هو الذي يستطيع أن يجعل السلطة تستثمر في الموضوع الثقافي، كما تقوم بالاستثمار في غيره من القضايا، مع التغييب الكامل للثقافة عن اهتمامها. والإحساس وحده قادر على توعية السلطة بأهمية الثقافة في بناء الوعي، وهو بالتالي قادر على دفعها على رعاية الثقافة، وجعلها من أولوياتها الوطنية، وفي مقدمتها الحركة المسرحية التي لا يمكن أن تنهض دون مؤسسة رسمية راعية وداعمة، ودون تحفيز للمجتمع ذاته، ومؤسساته العامة والخاصة القادرة على تقديم الدعم لكلّ توجه مسرحي صادق، وغير تظاهري، ولا شكلاني، من خلال تقييم تؤيده الموهبة والقدرة، لا الوظيفة الجاهلة، ولا العلاقات الشخصية.
إن مستقبل الحركة المسرحية مرتبط كليا بالمستوى الثقافي العام، ومستوى التقدير الرسمي لأهميته، وهو أمر في واقعه الحالي، أو المنظور، لا يبشر بما يفرح القلب، خصوصا ونحن نرى أن المؤسسات الثقافية الفلسطينية مجيرة بكاملها لمن لا علاقة لهم بالثقافة الحقيقية الجادة، أو لمن يستثمرونها لمصالح شخصية وحسب، دون تطلع إلى أية حاجة “ماسة” للمجتمع الذي يدفع تكاليفها.