اعترف بدايةً أن في العنوان أعلاه، يكمن شبه خلل يفرضه الواقع وليس الكاتب، خلل يقسم البلاد إلى ضفة وقطاع، ويرسخ فكرة الانقسام، ولكن في المقابل، تجاوز هذا الواقع الأليم لا يعني بالمطلق عدم وجوده.
إن ما افرزته نتائج انتخابات جامعة بير زيت، لا يعني بالضرورة فوز الكتلة الإسلامية الممثلة لحركة حماس، قدر أنه يعني بالجزم انتصار مساحة الديمقراطية المسموح بها تحت مظلة السلطة الوطنية الفلسطينية التي تترأسها وتشغل أغلب مواقعها القيادية حركة فتح، فيما لا تسمح حركة حماس بإجراء انتخابات ديمقراطية من اساسه في غزة التي تختطف، بل وتقمع كل من يحاول مجرد التفكير في اجرائها بهذا الشكل النقابي الديمقراطي، وبالتالي هو انتصار الخاسر إن صح التعبير.
نعم خسرت شبيبة فتح، التي لا يتحمل اعضاؤها أية مسؤولية عن هذه النتيجة، إنما من خسر فعلاً لا قولاً، هي تلك السياسات التي اولاً تركت أثرها الواضح على جسد الشبيبة وقاعدتها الطلابية سواء ممن ينتمون لحركة فتح، أو من المناصرين لها، تماماً كما تركت فعلها على شريحة واسعة ممن لا ينتمون لأي حركة أو حزب سياسي.
ونعم أخرى، أن الشبيبة هي جزء لا يتجزأ من الجسد الفتحاوي المنتشر على امتداد الوطن وخارجه، ولكننا ما زلنا لا نميّز حتى اللحظة بين الفعل الحركي في السياسة والاقتصاد والاجتماع، والفعل الطلابي في الجامعة باعتباره عملاً طلابياً له ابعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وليس العكس، وكأنه عملٌ سياسي بأذرع طلابية، وهنا مربط الفرس الذي بات ينفلت منا كثيرا.
صحيح أن شبيبة حركة فتح قد حققت انتصارات متعددة في أكثر من جامعة على مستوى الضفة الغربية، مما يجعلها متقدمة عن حركة حماس في أكثر من موقع طلابي وبنسبة عالية، ولكن الأمر لا يقاس بهذا الشكل وحده، ولا يمكن أن نتكئ على هذه الافتراضية وكأنها عامل الحسم المحدد لجماهيرية الحركة وحضورها على مستوى الوطن.
فإن خصوصية جامعة بير زيت، وبخلاف كونها تجمع بين أسوارها مختلف الأطياف والمستويات السياسية والدينية والاجتماعية، إضافة إلى ما تمثله من تاريخ في ترسيخ مبدأ التعددية تحديداً في تقاليد العمل النقابي والديمقراطي، تكمن في أن جامعة بير زيت، تقع جغرافياً في مدينة رام الله، مركز القرار الفتحاوي، تماماً كما هو مركز قرار السلطة التي تقودها حركة فتح، على المستويين السياسي والاقتصادي، وبالتالي فإن رام الله بشكل أو بآخر هي العنوان المؤقت لقيادة المشروع الوطني، ولا يصح أو يستقيم ألا تسيطر الحركة القائدة للفعل السياسي في عاصمة القيادة إن جاز القول.
باختصار شديد، ولكون الأمر له ابعاد عدة ومختلفة ومتشابكة، لا يمكن لأي عاقل إلا الاعتراف بشكل واضح وصريح، أن ديمقراطية الضفة، بغض النظر عن مساحتها، انتصرت على ديكتاتورية غزة، ولكن علي حركة فتح ألا تستحي من نفسها، بل أن تبحث بشكل مسؤول عن اجابة شافية للسؤال الأهم، لماذا ننتصر على صعيد الممارسة الديمقراطية، ونخسر الشارع؟.