منذ عام تقريبا كتبت مقالا بصفحات الحدث حمل عنوان:"أولاد أحمد:القصيدة تعبر مدار السرطان"، وقد قرأه وسعد به وشاركه على صفحته بالفايس بوك أثناء مرضه. وبرغم أننا فقدنا بموته الشاعر والمناضل التونسي المختلف، إلا أننا نحتفظ لهبشعره وروحه الجميلة فيه. وأفضّل أنْ أقدمه هنا بشيء مما كتبته عنه سابقا وأنا أراه يقاوم السرطان ويقاوم سرطان الظلام والعنف:
"يشنُّ الشاعر التونسي محمد الصغير اولاد أحمد، على صفحته بالفايس بوك، حربًا شديدة بلا هوادةٍ على جبهتيْنِ؛ الأولى ضدَّ وحوش الرّجعية التي تظلّ تخرج من رحم التاريخ والحاضر حاملة بذرة الظلام التي تروم القضاء على الحضارة، وتتقصّد الفتكَ بروح الاختلاف، والرجوعَ بالإنسان إلى شظف البداوة والتشدّد. والثانية ضدّ المرض، تحديدا ضدّ مرض السرطان الخبيث الذي اختار أنْ يستفيق في جسده النحيف دون أنْ يعلمَ أنَّ القصيدة لا يخيفها الألم ولا تقعدها المواجع لأنها ظلتْ تسبر أعماق الفجيعة العربية، وقبل ذلك الإنسانية لتكبح مومياءات القبح التي تزحف صوب كل شيء تجرُّ معها الآخرة قبل الأوان.
بدأ محمد الصغير أولاد أحمد حربة ضدَّ ظلام الجاهليات المعاصرة منذ عقودٍ عديدة، ولذا أتخيَّله، رغم نحافته الواضحة، فارسًا نبيلا لا يحتاج للعضلاتِ لأنّه يركب القصيدة ويجري مع الريح مجهشا بوعيٍ جارحٍ ومشهرا سيفا من الضوءِ لا يجرح ليسيلَ الدّمُ، بل ليستيقظ السؤالُ، إنه ضوءُ الكلمة التي ظلَّت في نصوصه متمسكة بالمسافة بين النضاليّ والأدبيّ. من أجل هذا كان صوتُ نضال الإنسان في شعره يطغى على صوتِ الجماليِّ، أو ربَّما، كان الجماليُّ متأتِّيًا في شعره من هذه الكيمياء التي امتزج فيها صراخ الإنسان أمام معابد الشقاء بتلك العفوية الواضحة في المعجم والمعنى واحتمالات تشكيل الجملة الشعرية."(نشر المقال في جوان 2015)
القصيدة:إلهي
محمد الصغير أولاد أحمد/تونس:
إلهي:
أَعنّي عليهمْ
لقد عقروا ناقتي
وأباحوا دمي في بيوتٍ أذِنْتَ بأن لا يُراقُ دمٌ فوق سُجَّادِها!
***
إلهي:
أعوذ ُ بك الآن من شرِّ أهلي
يبيعون خمْرًا رديئا ً
ويُؤذونَ ليلَ السَّكَارى البريءْ!
***
إلهي:
لقد تمَّ بيعُ التذاكِرِ للآخرهْ
ولم أجد المال، والوقتَ، والعُذرَ
كي أقتني تذكرهْ
فمزق تذاكرهمْ يا إلهي
ليسعدَ قلبي
ألم تعد الناس بالمغفرهْ
***
إلهي:
أريدُ جرادًا لكلّ الحقول ِ
ومحو جميع النقاطِ
وقحطا لكلّ الفصول ِ
وطيْرًا أبابيل للإحتياط!
***
صدَقتَ إلهيَ:
إنّ الملوكَ – كما الرُّؤساء –
إذا دخلوا قرية أفسدوها
فخرِّبْ قُصور الملوكِ
ليَصلُحَ أمرُ القرى
***
إلهي:
لينبُتَ دودٌ مكانَ البلَحْ
ذهبنا جميعا إلى الإنتخابِ
ولم ينتخبْ أحدٌ مَنْ نَجَحْ!
***
إلهي،
حبيبي
ويا سنَدي
نشرتُ كتابًا جديدًا
فبعْهُ بلا عددِ
***
إلهي:
أدُلكَ فورا عليْها
على شفتيْها
على حلْمتيها
على إسمهَا العائلي
على شَعرِها العسلي
على ما تقولُ ولا تفعلُ
إلهَ السماءْ:
أضِفها إلى سُورة الشعراءْ!
***
إلهي:
إلهي السّجينَ لدى الأنبيـاءْ
إلهي السّجينَ لدى الخـُلفاءْ
إلهي السّجينَ لدى الأمراءْ
إلهي السّجينَ لدى الرؤساءْ
إلهي السّجينَ لدى الوزراءْ
لماذا نزلتَ إلى أرضِهمْ؟
وأسْكنتنِي غيْمةً في السّماءْ!
***
إلهي:
سَمِعْتُ تُـقاة ً يقولونَ عنكَ كلاما مُخيفـًا
فحاذفتهمْ بالكتابِ استوى حيّة ً لدغتهمْ جميعـًا
وعادت كتابـًا
إلهي العليْ:
ألا يُمكنُ القولُ إنّي نَبيْ.