بقلم: غريب عسقلاني
في غزة الحياة ترقص على انتظار معلوم النتائج، والحصاد، زيادة في معدل البطالة، وتعطل الحرف، وغياب مواد الوقود، وارتفاع الأسعار، والسكوت عن أعمال السرقة والجنوح والتسول وتسرب الأطفال من المدارس تحت وطأة الجوع.. وجنون العتمة التي باتت لعبة شركة الكهرباء وأطراف أخرى.
غزة ترقص على انتظار جودو المصالحة، وغزة تدرك أن حصان المصالحة تتكسر قوائمه كل يوم عبر المنافحات والمناكفات وتبادل الزعيق.. وكأن لسان الحال يقول ولكم في الحياة مصالح يا أولي الأسباب.
لكن غزة الجريحة لم تكن يوما تلعق جراح النتائج ولم تكن يوما شريكا في افتعال الأسباب، ذلك ما يؤكده المشهد الثقافي بكل تجلياته وروافده، وفي غياب المؤسسة الرسمية.
غزة الثقافية مشهد آخر.. يرفض واقع الحال أسبابا ونتائج، يستند بثقة على الثابت، ولا ينحاز عنه، وإن تطلب ذلك المزيد من الحلم والجنون والمغامرة والمعاصرة أيضا، ما يجعله محصنا ضد الركوع والنكوص وفقدان البوصلة.
في غزة نشاط يغطي كل المساحات، رغم شح الموارد، وغياب الممول.. ويرقص نزفا.
كتاب لم يتوقفوا عن كتابة الروايات والقصص القصيرة ويفرضون حضورهم, ويؤكدون إعادة إنتاج الحالة لتضيء، وكتاب يسطرون الرواية الشفاهية، تاريخا يحفظ التاريخ من التشويه، ويضيف للموروث إضافات جديدة وشعراء يشاغبون تجريبا أصيلا، ويصدحون بثقة الواعد.
في غزة مسرح يبتكر أدواته في الصالات غير المؤهلة للمسرح.. وفي غزة سينما تقدم كل يوم محاولاتها بين النجاح والإخفاق ونيل الجوائز في الملتقيات الدولية.
هل تصدقون أن غزة التي ترقص بين موت وموت، ترسم جداريتها، وتقيم معارضا حتى في أضيق الأمكنة وعلى جدران المدارس والمنتجعات والفنادق والأماكن الأثرية.
وفي غزة معهد موسيقى، وفرق تشدو للحياة بكتاب أغانيها وملحنيها وفرقها الموسيقية، وفرق الإنشاد من الموهوبين من أطفال المدارس.
غزة الثقافية تنزف جراحها.. وتقف دون تغيير ملامحها الوطنية الفلسطينية وثوابتها في وطن غير منقوص وإن طال المدى، لأنها باختصار تعيش المستقبل ولا تقف عند تكتيكات اللحظة الراهنة.
انتبهوا.. غزة تموت على مدار اللحظة لتحيا.