إذا قالت حذامِ:
بقلم: ورود الموسوي - لندن
الفردُ مجتمعٌ مصغّر .. والمجتمعُ أفرادٌ اجتمعوا داخل منظومةٍ ما ليشكّلوها ويبنوا منها حياةً لهم، فأنا وأنتَ وأنتِ مجتمعٌ يؤسسُ رؤاه ويبني حياته مع الآخرين الذين هم مجتمعات أخرى تشاطرنا هذه المنظومة الواسعة التي تُدعى (الحياة) ... فيا أيها المجتمع المصغّر أن تصحو من النوم على صوت منبّهٍ يجعل يومك مشدوداً ومتوتراً هذا يعني أنك تساعد على رسم ملامح يومك وخرابه قبل أن تصحو .. أن نتداول في حديثنا اليومي كلمة (ثورة) كتعبير لا بديل له عن أي شيء يحلو لنا فنصفه بــ ثورة المعلومات، ثورة الحب، ثورة المشاعر، ثورة الشعر، ثورة الرواية، ثورة اللغة، ثورة الثورة ...الخ هذا يعني أننا شعب مأزوم ومتأزم نفسياً لا يشعر بمفردات اللغة وانعكاساتها على النفس ..وهذا يعني ايضاً أننا اعتدنا العنف في كل شيء حتى في التعبير عن السعادة والفرح ومباهج الحياة الصغيرة ..! ورغم (ثورة) المعلومات الحديثة وارتفاع منسوب الانفتاح على العالم وشهودنا قفزات التكنلوجيا غير المعقولة أحياناً والتي جاءت لهدّ الحصار النفسي وجعلك مُستباحاً من قبل الآخرين وفسح المجال لجعلنا (أمّةً واحدة) لكنها دفعت الى هدّ العلائق الإنسانية القديمة بعاداتها الجميلة ..فأصبحنا محكومين بشاشة الهاتف واستعبدتنا البرامج والهواتف الذكية .. وهذا يعني أن حياتنا سابقاً (من وجهة نظر صانعي الاحتلال الجديد) كانت غبية! وبسبب الذكاء القادم من الكواكب الخارجية أصبحت العائلة مهددة بالانقراض وبدأت بالانفصال تدريجياً عن بعضها الآخر .. فالأم منشغلة مع صديقاتها عالفيسبوك أو الواتساب أو الفايبر .. كذاك الأب وكذاك الأبناء .. ناهيك عن الاستغلال الأخلاقي السيء الذي أصاب المجتمع بأفراده بالتحلل لا التحرر.. وهذا وحده كان كفيلاً بخلق حالة من الإرباك النفسي التي لم تعتد عليها الروح ولا النفس البشرية.. ورغم هذه الثورة التي هدّت المسافات وقرّبت الأرواح وأصبحت جسراً نعبره بضغطة زر.. لكنها نقلتنا من عالم الخصوصية إلى عالم العمومية.. فتجد نفسكَ (رغم أنك انعزلت عن عائلتك أو دخلت عالماً جديداً مع اصدقاء آخرين لا ينتمون لواقعك) أصبحتَ مستباحاً من قبل الجميع .. وأصبحنا بدلاً من البحث عن أصدقاء لانتقائهم صرنا نبحثُ عن بدائل تخلّصنا من هذا الكم الهائل من البشر المحيطين بنا! وهرعنا نصنعُ الحدود والسدود أمام البعض كي لا يخترقوا حياتنا أو يتطفلوا عليها ..! فتجد أن الذين (أججوا هذه الثورة) راحوا يساعدونا بخلق بدائل (كالحظر) والـ (حذف) لمن لا نريد التواصل معه .. وأصبحنا من أمّةٍ فاتحةً أحضانها بكرم وسخاء تعقر كبشها الوحيد للضيف لأمّةٍ طاردة للضيوف والناس وحتى المقرّبين أحياناً..! فالنفس البشرية لا يمكنها استقبال عدد هائل من الوجوه لأنه سيدخلها بحالة أرباك للذهن وارهاق للعين وللنفس.. وعادة ما تكتفي بانتقاء شخص أو اثنين ممن ترى.
الثورة المعلوماتية التي جاءت لحل أزمة الإنسان وانعزاله وجعلنا (قرية واحدة) اسيءَ استغلالها وفهمها وراح البعض الكثير يستغلّها للعبث والمجانية باستخدامها مع الآخرين.. فبرامج الواتساب والفايبر والتانغو والسكايب والفيسبوك وكل برامج التواصل الاجتماعي الأخرى .. أصبحت خطراً حقيقياً يهدد حياتنا دون أن نشعر .. فها نحن نعيش عالماً لا يعرفه غيرنا .. بلا خصوصية لنا فيه .. وما نحنُ إلا أرضٌ محتلّة من قبل الجميع.. وكل الخرائط التي نرسمها ونضعها وكل الاتفاقيات التي نحاول عبثاً وضعها وبناء السدود على أنهار أرواحنا خوف العابثين والمتسللين والزاحفين ليلاً لحدودنا لكننا نرتكب الأخطاء الجسيمة ونجد أنفسنا نهاية المطاف.. شعباً تجسّدَ في فردٍ باءت ثورته ومسعاه بالانقلاب عليه ألف مرة، فأضاع زمام روحه وأضاع البوصلة.
مازال المنبّه يدقُّ بصوته العالي.. إخفض جناح الساعةِ وعصّب عين القلق.. وحاول أن تستعيد بعض خصوصيتك المهدورةِ باسم الثورة!