في الخامس من آذار مارس 2014 قرر المجلس المركزي لمنظمة التحرير تحديد العلاقة مع إسرائيل بكافة أشكالها، رداً على إدارة إسرائيل ظهرها لكافة الاتفاقيات الفلسطينية – الإسرائيلية، وفي مقدمتها اتفاق أوسلو والتعامل بانتقائية في تطبيق ما هو في مصلحتها في هذه الاتفاقيات، والتنكر لما هو ليس كذلك.. وطالب المجلس المركزي بصفته هيئة دائمة منبثقة عن المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية مسؤولة أمامه لتنفيذ قرارته!
إذن لماذا لم تنفذ "التنفيذية" قرارات "المركزي" بعد مرور أكثر من عامين على اتخاذها؟ وهل قرار تحديد العلاقة الفلسطينية مع إسرائيل مجرد شعار ام يشكل استراتيجية ؟
ان منظمة التحرير غير قادرة على تنفيذ قرارات مجلسها المركزي، والمجلس نفسه يدرك أن قراراته غير قابلة للتنفيذ، ولكن التلويح بالإقدام عليها بالتضافر مع خطوات أخرى، كالحصول على اعتراف من الأمم المتحدة بدولة فلسطين كعضو مراقب، والعمل على إعداد ملفات لجرائم إسرائيلية إلى محكمة الجنايات الدولية، وغيرها من التحركات على الساحة الدولية، التي كان آخرها المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي للسلام، ليس أكثر من تكتيك قد يشكل عوامل ضاغطة على إسرائيل للعودة إلى طاولة المفاوضات بأجندة تلبي حداً معقولاً من المطالب الفلسطينية!
ومما يعرقل إمكانية "تحديد" العلاقات مع إسرائيل (ولو جزئياً)، أن الظروف الإقليمية لا تسمح لمنظمة التحرير بالإقدام فعلاً على خطوة راديكالية كتلك، فالأزمات والحروب الأهلية التي تعصف بالعرب ووقوف القيادة الفلسطينية أحياناً إلى جانب هذا في مواجهة ذاك، أدى إلى تآكل الاهتمام العربي الإعلامي والجماهيري بالقضية الفلسطينية، ووصل الشأن الفلسطيني إلى أدنى درجة من درجات سلم اهتمامات وسائل إعلامية عربية كثيرة، وفي احيان كثيرة فقد الخبر الفلسطيني الاهتمام الذي كان يحظى به في السابق، ناهيك عن نشوء تحالفات لقوى عربية تضم إسرائيل، لا تجرؤ السلطة الفلسطينية على مناهضتها لإعتبارات تمويلية، وباتت تلك القوى تمارس الضغط على السلطة لصالح إسرائيل.
يضاف إلى ذلك كله أن منظمة تحرير ما بعد أوسلو ليست هي ذاتها ما قبل أوسلو، فخلال السنوات العشرين ونيف التي مضت، جرى ضعفت المنظمة على حساب السلطة، التي عندما احتاجت إليها في المعركة الحالية لتحديد العلاقات مع إسرائيل والتعامل بالمثل بشأن الاتفاقيات الموقعة معها لم تجد سوى "هياكل من قصب"!
ولعل الأهم من ذلك أن إسرائيل تنظر إلى اتفاق أوسلو على أنه اتفاق "استسلام" وليس اتفاق "سلام"، وهي تدرك أن ميزان القوى عسكرياً واقتصادياً وسياسياً يميل لصالحها، ولهذا لماذا تتنازل للفلسطينيين بالموافقة على حل الدولتين بينما تجد في الظروف الدولية والإقليمية السائدة فرصة تاريخية لتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس لخلق واقع ديمغرافي جديد يقف سداً بوجه أي حل للمسألة الفلسطينية في المستقبل؟!
إلا أنه من المؤكد أن القضاء على السلطة الفلسطينية ليس هدفاً لإسرائيل إلا أن ما يجري على الأرض هو محاولة منها لإعادة تشكيل السلطة الفلسطينية بما يتفق ومشروع رئيس وزرائها الأسبق مناحيم بيغن في العام 1977 والذي قضى "بتشكيل حكم ذاتي إداري فلسطينيي محدود".
ومن المؤكد أيضاً أنه لا يمكن فلسطينياً مقاومة المخططات الإسرائيلية دون مراجعه جادة لآسباب الضعف الداخلي، التي لا ينتطح فيها عنزان على أنها تعود لحالة الانقسام، ولسياسة الإقصاء، ولتغليب المصالح الشخصية، ومن المهم أيضاً إعادة تمتين منظمة التحرير كي تتمكن لجنتها التفيذية من تنفيذ قرارات مجلسها المركزي.