من أهم المزايا الاولية للتحرك الفرنسي تجاه الملف الفلسطيني الإسرائيلي، تحفيز الرباعية الدولية التي غفت طويلاً، واستيقظت بحيث من المنتظر أن تصوغ تقريراً، يرجح أنه سيكون شديد اللهجة تجاه الاستيطان، ومن أجل التوازن، سينتقد السلطة الوطنية على ما تقوم به من تحريض، وعدم القيام بجهود حاسمة لوقف المبادرات العنفية التي استمرت على مدى العام الماضي.
وقد نشهد سباقاً بين التحركين الفرنسي والرباعي وسيكون ذلك مبدئياً لمصلحتنا كفلسطينيين، تمادى العالم خلال السنوات الماضية في إهمال قضيتنا مقابل الاتجاه إلى معالجة القضايا الأكثر سخونة.
دخول الرباعية على خط المقترحات السياسية ربما يكون نوعاً من الدخول الأمريكي إلى الحلبة من أجل إمّا تهميش المبادرة الفرنسية أو احتوائها في أطار الرباعية، ما يمكن الولايات المتحدة من وضع سقف يلائمها لهذه المبادرة، فما زالت الولايات المتحدة رغم عدم الود بين إدارة أوباما ونتنياهو، غير متشجعة للمبادرة الفرنسية وإذا كان لابد من مؤتمر دولي، فلا بأس من أن يتم على غرار مؤتمر أنابوليس الذي كان مؤتمراً وداعياً لإدارة بوش الابن، وتقرر في حينه أن يُعقد مؤتمر مماثل بعد فترة في موسكو، وها قد مرت تسع سنوات على ذلك المؤتمر دون أن يعقد مؤتمر موسكو ودون أن يؤدي أنابوليس أي دور فعال في تحريك المسار الفلسطيني الإسرائيلي.
المتوقع وفق قراءة موضوعية لتجارب الماضي مع المبادرات، أن تجري محاولة لإدخال الأفكار الفرنسية الأولية في عملية من الأخذ والرد لتخفيف حدة ما لا ترضى عنه إسرائيل، تحت حجة إغرائها لاتخاذ موقف أقل تحفظاً، ولأن إسرائيل رفضت المبادرة الفرنسية وكانت قد رفضت من قبل كل المبادرات والتحركات بما فيها الأمريكية، فإن استرضائها لتخفيف صيغة رفضها ستكون حتماً على حساب الإيجابي من الأفكار الفرنسية.
التكتيك الإسرائيلي في التعاطي مع المبادرات الدولية روسية كانت أم أمريكية أم أوروبية أم عربية، صار محفوظاً عن ظهر قلب، فهي ترفض بصورة قاطعة مبدأ تحريك الملف بمبادرة من غيرها، وتقوم بأوسع عملية تحريض ضد المبادرة من خلال التهديد بأن المضي بها يلغي احتمالات المفاوضات الثنائية، التي هي السبيل الوحيد لبلوغ حلٍ فلسطيني إسرائيلي، وإذا كان لا بد من تدخل دولي فمجاله الوحيد إيصال الطرفين إلى مائدة المفاوضات دون شروط أو أسقف توضع لهذا الغرض، وهذا التكتيك استخدم بنجاعة وحقق نتائج ملموسة سواء على صعيد إحباط الحماسة الأمريكية لفتح الملف في عهدي بوش وأوباما، أو على صعيد مجلس الأمن حين كانت أمريكا تتدخل بالنيابة عن إسرائيل في صياغة القرارات أو البيانات التي تصدر عن مجلس الأمن، ورغم الأخذ بكل ما يطرحه الأمريكيون، إلا أنهم لا يتقيدون ولا يلتزمون بدعم القرار الذي فرغوه من مضمونه، وإسرائيل التي تدرك حرج موقفها الدولي خصوصاً من موضوع الاستيطان، إضافة إلى يقين العالم بأنها تمنع أو تعارض كل جهد لإحياء مسيرة سلام فعالة مع الفلسطينيين، إلا أن إسرائيل تتجاهل هذه الحالة الدولية المحرجة فترد عليها بمزيد من العناد والصد كي ينصرف الجهد كله نحو استرضائها وتسجيل نقاط مهمة لصالحه، غير أن توقع مردود ملموس لجهد الرباعية المتحاور مع المبادرة الفرنسية، يبدو غير مضمون بحكم الظرف الذي لا يخدم أي توجه جدي لبدء المفاوضات من أجل الوصول إلى حل، ذلك أن الانتخابات الأمريكية تشكل العامل الموضوعي الأهم لتجميد أي جهد لا ترضى عنه إسرائيل، وبالتالي فإن حوار الرباعية مع الفرنسية لن يتقدم بوتيرة فعالة خصوصاً وأن أمريكا هي سيدة قرار الرباعية، ومن يقوى على التصادم معها إذا ما قررت، وهي بالتأكيد قد قررت، إبطاء الوتيرة وتخفيض الأسقف، وسيتفهم الفرنسيون وباقي أطراف الرباعية هذا الموقف الأمريكي وفق منطق دعونا ننتظر لنرى من سيجلس على مقعد البيت الأبيض بعد شهور.
رغم ذلك كله فإننا كفلسطينيين كسبنا نقطة مهمة في صراعنا السياسي والديبلوماسي مع إسرائيل، ولكي تتطور إلى نقاط أخرى فالأمر يتطلب إلى جانب التحرك مع الأشقاء والأصدقاء نظرة أكثر وضوحاً وسلوكاً أكثر فاعلية لبيتنا الفلسطيني الذي إن لم يصلح حاله فسنكون كمن يصب ماءً في إناء مثقوب.