الحدث- القدس
اعتبر المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن التكلفة المباشرة للحروب الأربع التي خاضتها إسرائيل منذ العام 2006 تقدر بـ 25 مليار شيكل. بينما يقول عضو الكنيست عوفر شيلح (يش عتيد) إنه يكفي أن يشن العرب حربا على إسرائيل مرة كل سنتين حتى ينهار الاقتصاد الإسرائيلي، وحتى بدون أن يحقق العرب أي انتصار.
وفي تقرير مطول يتناول الكاتب الاستخدام الهائل للقوة النارية من قبل الجيش الإسرائيلي، والذي يعتبره بالفائض عن الحاجة، مشيرا إلى أنه ذلك يتم بدون إجراء مناقشات معمقة بهذا الشأن.
يقول هرئيل أن الخلاف بشأن الميزانية هو سياسي في أساسه، وليس اقتصاديا. وأن المشكلة ستحل إذا توفر حيز وسطي يتيح لرئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، ووزير الاقتصاد يائير لبيد، أن يظهرا فيها كمن لم يهزما في المواجهة.
وأشار إلى أن المعادلة الاقتصادية لتضييق الفجوة بين الطرفين ستكون من خلال رفع نسبة العجز من 2.9% إلى 3.5%، بحيث يمكن معها زيادة ميزانية الأمن بـ6 مليار شيكل للسنة القادمة. ورغم أن الحديث عن مبلغ أقل مما طلبه الجيش، وهو 11 مليار شيكل، إلا أنه يمكن للطرفين الاتفاق على ذلك رغم الأضرار البعيدة المدى على الاقتصاد.
وأشار أيضا إلى أنه في حال توصل نتانياهو ولبيد إلى نتيجة أن الانتخابات المبكرة ليست جيدة لليكود أو لـ"يش عتيد"، فإن الخلاف سيحل.
في المقابل، يشير الكاتب إلى قضية أخرى لا يتم بحثها بشكل كاف، سواء في المجلس الوزاري أم في الإعلام، وهي ذات صلة بالجوانب الاقتصادية لإدارة الحرب في قطاع غزة.
ويطالب الجيش، قبل الحسم بشأن ميزانية العام 2015، بمبلغ 8.6 مليار شيكل لتغطية المصاريف المباشرة للحرب. وبحسب هرئيل فإن إدارة الحرب كانت تجري ضمن سياسة تبذير، سواء في إطلاق النار أو في حجم تجنيد جنود الاحتياط.
ويتابع أنه ليس الحديث عن مشكلة جديدة، ففي العام 2007 قررت "لجنة برودت"، التي فحصت ميزانية الأمن في أعقاب الحرب العدوانية الأخيرة على لبنان، أن الجيش لا يقوم بتفعيل أية نموذج لاقتصاد الحرب. وفي حينه ورد في تقرير اللجنة أن "أداء الجيش في الحرب الأخيرة، من جهة استخدام القوة النارية كان مثالا بارزا".
كما كتبت اللجنة في حينه أنه "بحسب شهادة الجيش نفسه، فإن القوة النارية التي جرى تفعيلها كانت فائضة عن الحاجة وبتكلفة مليارات الشواقل، حيث أطلقت النيران على أهداف كثيرة بينما كانت النتائج منخفضة. ولم يكن هناك أية جهة في الجيش أو الحكومة وظيفتها أن تقوم بفحص هذه المسألة وأن تصدر تعليمات بإجراء تغيير".
ويشير الكاتب في هذا السياق إلى أنه في لبنان أطلق أكثر من 170 ألف قذيفة مدفعية باتجاه مناطق يشتبه بأنه أطلق منها صواريخ باتجاه الجليل، ولكن هذه القذائف لم تقتل أحدا من عناصر حزب الله.
أما بالنسبة للحرب الأخيرة على غزة، فبحسب الكاتب فإن الوسائل التي جرى تفعيلها كانت مناسبة للأهداف، ولكن التوجه العام ظل مماثلا. ويشير في هذا السياق إلى أنه رغم أن غالبية المعلومات لا تزال سرية، إلا أن الجيش يؤكد أنه جرى استخدام مكثف للمخزون الحيوي للوسائل القتالية والذخيرة، وأن كل ذلك استخدم مقابل حركة حماس، التي وصفتها "العدو الأضعف في محيط إسرائيل".
وفي حين أكد وزير الأمن، موشي يعالون، على أنه راض عن أداء الجيش في الحرب، وأشار إلى أنه "لا يوجد حروب رخيصة"، يشير هرئيل إلى أن ذلك يتناقض مع مع تصريحات متشائمة أطلقها عضو الكنيست عوفر شيلح من "يش عتيد"، بوصفه متابعا لميزانية الجيش منذ سنوات، ولطريقة استعداد الجيش، حيث أكد لصحيفة "هآرتس" على أن أية زيادة في ميزانية الأمن ستمس بميزانية الدولة، ولن تضيف شيئا إلى مبنى القوة في الجيش.
وبحسب شيلح، فإن الجيش لا يعرف كيف يستفيد من الزيادة في الميزانية، ولا يعرف كيف يستغلها للاستعداد للحرب التي ستواجهه في المستقبل. ويضيف أن أكبر تأكيد على ذلك هو في السنوات 2008 – 2013، حيث حصل الجيش على زيادة في الميزانية لم يحصل عليها منذ عقود، وذلك لهدفين: الأول الاستعداد لهجوم محتمل على إيران، والثاني هو الزيادة الواضحة في مصاريف القوى البشرية والرواتب، حيث ارتفع عدد الجنود النظامين في هذه السنوات بنسبة 12.2%. ويلخص شيلح أن "هذه الميزانيات لم تنتج المزيد من الأمن، ولم تنتج استعدادا مناسبا للحرب التي واجهها الجيش في غزة".
ويتابع هرئيل أن مصادر التهديد الرئيسية التي واجهت الجيش الإسرائيلي في غزة هي العبوات الناسفة ونيران القناصة الفلسطينيين عن بعد. وأنه تم تسجيل مواجهات قليلة وجها لوجه مع مسلحين فلسطينيين، وأن الصواريخ المضادة للدبابات والتي أطلقت خلال الحرب لا تتجاوز بضع عشرات. وإزاء هذه التهديدات قام الجيش الإسرائيلي بتفعيل قوة نارية على نطاق هائل جدا، من المدفعية وحتى القنابل اليدوية والذخيرة الخفيفة، إضافة إلى تواصل عمل محركات الدبابات، والقذائف الدقيقة التي تطلق من الجو. ويشير في هذا السياق إلى أن عناصر الجيش القدامى فوجئوا من المعطيات التي تلخص حجم القوة النارية التي استخدمت.
كما يتناول الكاتب جانبا آخر، وهو استدعاء أكثر من 80 ألف جندي احتياط، حيث أن أكثر من ثلثهم قد تم استدعاؤهم إلى قيادة الجبهة الداخلية للقيام بأعمال جزئية في أحسن الأحوال. ويضيف أنه رغم أن "القبة الحديدية" قلصت الأضرار على الجبهة الداخلية، إلا أن ذلك لم يمنع الجيش من مواصلة إغراق مقرات الجبهة الداخلية من الجنوب إلى الشمال بعناصر الاحتياط بدون أن يكون لذلك أية فائدة.
إلى ذلك، يشير هرئيل إلى أنه منذ العام 2006 دخلت إسرائيل في 4 معارك عسكرية، واحدة في لبنان وثلاث في غزة، وطال أمد ثلاث منها أكثر مما توقع الجيش. ووصلت التكلفة المباشرة لهذه الحروب إلى 25 مليار شيكل، علما أن الحرب الأخيرة تركزت في القتال البري لمدة أسبوعين ونصف على قطاع لا يزيد عرضه عن 2-3 كيلومترات.
وفي هذا السياق يقتبس عن شيلح قوله إن "مع هذه التكاليف في الاقتصاد الحربي، فإن الاقتصاد الإسرائيلي لن يصمد في حال قرر العرب شن حرب على إسرائيل في كل سنتين بدون الطموح إلى تحقيق انتصار عسكري".
وبحسب شيلح فإن قضية الأنفاق الهجومية في غزة تؤكد أن الجيش لم يستعد للحرب، ولم يستعد لحركة حماس التي واجهها في القطاع، وأنه إذا لم يحصل أي تغيير في النظرية القتالية فإن الزيادة في الميزانية لن تحقق أية فائدة.
وينقل الكاتب عن ضابط كبير في قيادة أركان الجيش قوله بشأن استهلاك الذخيرة خلال الحرب، إنه من الواضح أن الجيش بحاجة إلى ذخيرة أكبر للحروب المستقبلية التي ستدور بأغلبيتها في مناطق مأهولة. وبحسبه ففي الحروب السابقة كانت الأمور أوضح، والحساب بسيط، حيث كان يعرف عدد الدبابات التي يواجهها الجيش وبالتالي عدد القذائف اللازمة لتدميرها، ولكن في غزة، وفي منطقة قتال مكتظة، فإنه على الجيش أن يطلق النار باتجاه كل شباك مشرف على القوة القتالية ويمكن أن يشكل تهديدا، وهذه أرقام مختلفة تماما.
ويشير الكاتب أيضا إلى أن وزراء في المجلس الوزاري المصغر قد أقروا بأن قضية مخزون الوسائل القتالية لم تناقش بعمق، ولم يشتق منها الدلالات المطلوبة بشأن طول "الحملة العسكرية". وفي هذا السياق يتوقع شيلح ألا تتم مناقشة الاقتصاد الحربي.
إلى ذلك، يشير الكاتب إلى أن الخلافات التي نجمت خلال الأسبوع بين يعالون ونفتالي بينيت، والذي بدأ كجدال حول نقل معلومات بدون صلاحية من ضباط كبار إلى وزراء في المجلس الوزاري خلال الحرب، وسرعان ما تحول إلى جدال حول من دفع باتجاه معالجة الجيش للأنفاق الهجومية ومن الذي حاول عرقلة ذلك. ويلفت في هذا السياق إلى أن تصريحات بينيت والتي جاء فيها أن يعالون يخشى من القيام بعملية برية محدودة لتدمير الأنفاق.
كما يلفت الكاتب إلى أن اقتراح مصر الأول لوقف إطلاق النار، في 15 تموز (يوليو)، قد قوبل بالموافقة من قبل نتانياهو ويعالون، رغم أنهما كانا يعلمان بخطر الأنفاق الهجومية. وفي حين اعتقد يعالون أن حماس لن تقوم بتفعيل الأنفاق، ففي صباح اليوم نفسه تسلل 13 مقاتلا فلسطينيا من نفق قرب "كيبوتس سوفا"، الأمر الذي سرّع المصادقة على العملية البرية.