الحدث - رام الله
لم يعد بمقدور أحد من الفلسطينيين في قطاع غزة، أن يحصيَ الآثار الناجمة عن استمرار إغلاق بوابة سجنهم الكبير، المعروفة باسم معبر رفح البري.
معبر رفح بات يتدخل في أدق تفاصيل حياتهم، ولم تعد آثاره تقتصر على الاقتصاد أو الأضرار الصحية للمرضى الذين تعذر سفرهم، بل بات يهدد تماسك العائلات الفلسطينية في غزة.
وتشير احصائيات وزارة الداخلية في قطاع غزة، إلى أن نحو 30 ألفاً من سكان القطاع، قد سجلوا أسماءهم في قوائم من يرغبون بالسفر لحاجات مختلفة، بينهم 3000 طالب بعضهم مهدد بفقدان مقاعدهم في جامعاتهم ومعاهدهم التي درسوا بها، أو المنح الدراسية التي حصلوا عليها في جامعات خارج قطاع غزة.
فيما سجل أكثر من 8000 شخص من أصحاب الإقامات في الدول العربية والأجنبية أسماءهم للسفر، على أمل الوصول للدول التي حصلوا منها على تأشيرات دخول، وغالبيتهم باتوا مهددين بفقدان أعمالهم وإقاماتهم في هذه الدول.
الطلبة وأصحاب الإقامات في الخارج، يبدون أوفر حظاً من ما يزيد على 5000 شخص مريض، بحاجة للعلاج خارج قطاع غزة، وبعضهم مصابون بأمراض خطيرة كالسرطان، ودخلوا في مراحل حرجة من مرضهم.
فيما يحاول نحو 6000 مصري أو من يحملون الجنسية المصرية من سكان قطاع غزة، مغادرته عبر التسجيل للسفر عن طريق معبر رفح البري، لكن إجراءات المنع التي تطال الفلسطينيين تنطبق على هؤلاء أيضاً.
يتساءل وكيل وزارة الداخلية في قطاع غزة، الدكتور كامل أبوماضي، حول الأسباب التي تدفع النظام المصري للتعامل مع الفلسطينيين، بهذه الطريقة على معبر رفح.
ويضيف أبو ماضي في حديثه لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن معبر رفح بات سبباً في كثير من المآسي الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية في قطاع غزة".
ولفت وكيل وزارة الداخلية، إلى مأساة اجتماعية تسبب بها معبر رفح، تتمثل في أن نحو 1500 سيدة في قطاع أصبحن مهددات بالطلاق، بسبب عدم استطاعتهن السفر عبر معبر رفح، للالتحاق بأزواجهن.
"رنا" وهو اسم مستعار اختارته إحدى الفتيات لتوافق على أن تروي قصتها مع معبر رفح، لـ"هافينغتون بوست عربي"، تقول إنها ارتبطت بشاب فلسطيني يعمل في ماليزيا، قبل عامين، وحاولت السفر عبر معبر رفح أكثر من مرة، إلا أنها اصطدمت بجيش من المسجلين للسفر، حال دون نجاحها في الالتحاق بزوجها، فأصبحت "متزوجة مع وقف التنفيذ"، كما كانت تطلق على نفسها.
وتضيف الحل الوحيد كان أمامي هو دفع مبلغ 9000 دولار أميركي، رشوة لسماسرة يعملون في قطاع غزة، بالتعاون مع أشخاص في مصر من أجل التنسيق لها ولوالديها، من قبل السلطات المصرية، وضمان دخولها عبر معبر رفح، مشيرة إلى أن هذا المبلغ أكبر من أن تستطيع هي وعائلتها دفعه.
تتابع "رنا" أنه "بعد أكثر من عامين بدأت أفقد الأمل بالالتحاق بخطيبي، لم يكن أمامنا خيار إلا الانفصال، لقد دمّروا حلمي في تكوين أسرة وأن أكون زوجة وأم".
"سائد" وهو اسم مستعار أيضاً، يقول "منذ أن سافرت لأداء العمرة قبل 4 أعوام اتفقت مع عمي الذي يقيم في السعودية على خطبة ابنته، وعدت لغزة من أجل إتمام بناء شقتي وتأثيثها، واتفقنا أن نتزوج بعد عام".
ويكمل "مكثت خطيبتي في مصر لشهور من أجل انتظار فتح معبر رفح والدخول لغزة، إلا أنها لم تنجح في ذلك، بسبب تكدس المسافرين في ظل إغلاق المعبر، وأخيراً قررنا الطلاق لأنني لا أنا ولا هي نستطيع تحمّل هذا العذاب".
ويشير الشاب الغزي إلى أنه حاول السفر من خلال معبر بيت حانون" إيرز"، عبر الأراضي الأردنية من أجل حتى مجرد لقاء خطيبته، لكن السلطات الأردنية رفضت منحه تصريحاً لدخول أراضيها، التي أراد منها السفر للقاء خطيبته.
معظم من التقتهم "هافينغتون بوست عربي" في قطاع غزة، رفضوا الحديث بأسمائهم الحقيقية، خوفاً من إدراج السلطات المصرية لأسمائهم على قوائم الممنوعين من دخول مصر.
الشابة "داليا مقداد"، ارتبطت حديثاً بشاب فلسطيني، يعمل في تركيا، تقول لـ"هافينغتون بوست عربي" سابقاً كنت أتابع معاناة الناس من معبر رفح والأوضاع الصعبة التي يعيشونها بسبب إغلاقه المستمر، وأحزن لكل قصة كانت تنتهي بمأساة.
وتضيف "قدر الله شاء أن أمر بنفس التجربة، وأكون واحدة من آلاف الأشخاص الذين ينتظرون بفارغ الصبر فتح ذلك المعبر، وينتهي الكابوس المزعج الذي أعيشه".
يذكر أن السلطات المصرية فتحت معبر رفح البري، جنوب قطاع غزة، 5 أيام منذ بدء العام 2016، وتمكن أقل من 800 فلسطيني فقط من السفر خلال اليومين الأخيرين لفتح المعبر.
هافينغتون بوست