مصر العرب هو اسم أحد أهم البرامج الفضائية التي تُقدم في الإعلام المصري في الوقت الراهن، برنامج يقدمه إعلامي مصري تمكن بلغته المهنية وثقافته العميقة من لفت الانتباه منذ الحلقة الأولى له على شاشة قناة «CBC أكسترا” المصرية، التي انتقل إليها “محمد عبد الرحمن” قادماً من قناة “ CNBC عربية” ليقدم هذا البرنامج الذي يناقش العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية العربية المختلفة، فاتحاً أفق الحوار مع المسئولين وصناع القرار المصريين والعرب، بأسلوب حضاري مهني راق لا يخلو من السخرية، ما يُمكنه والمشاهد من الوقوف على أهم النقاط التي يدور حولها موضوع الحوار.
وما يُميز “عبد الرحمن” خريج الإذاعة المصرية، أنه يقدم نموذجاً حياً على أن الإعلام المصري، ما زال إعلاماً رائداً على الصعيد المهني والأخلاقي، ولسان حاله يقول: “فأما الزبد فيذهب جفاء”.
هذا النموذج من البرامج يؤكد حقيقة، مفادها أن ما يُقدم من إعلام مصري هزيل في الوقت الحالي، لا يعبر بأي حال من الأحوال عن المدرسة الإعلامية المصرية التي تسيدت لعقود طويلة الإعلام العربي، وأظنها ستعود، وكذا يضعنا هذا النموذج وجها لوجه، أمام قذف المصطلحات وتبنيها من قبل وسائل “الإعلان” والفارق بين الإعلام والإعلان ليس مجرد حرف مختلف، وإنما هي سياسة وضعت بدقة لخلط كافة الأوراق والعبث بمقدرات هذه الأمة وشعوبها، ولا أدل من مصطلح “حكم العسكر” وتوظيفه شر توظيف، علماً بأننا لو توقفنا عند هذا المصطلح الذي يستخدمه البعض في مناداته لقيام ما يدعي بـ “الدولة المدنية” وبحسب المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقاً، فسنجد:
1. أن فئة من هؤلاء، هي فئة غير قادرة على قراءة تاريخ الدولة المصرية والذي يقول: إن الجيش المصري، لربما يكون الجيش العربي الوحيد الذي انشاء الدولة بمفهومها الحديث، ولم تُنشئه الدولة وذلك منذ “مينا” موحد القطرين.
2. وأن هناك فئة لديها هاجس ايديولوجي لا يرى في مفهوم العسكرية، إلا ذلك المرتبط بعهد جيوش أمريكا اللاتينية المرتزقة التي لم تكن - في حينه- تنتمى للأرض التي تحكم.
3. وأما الفئة الأخطر فهي الفئة الثالثة التي لا تُؤمن أصلا بفكرة الدولة، وهي فئة محسوبة على التيار الديني اليميني، وهي الأخطر لكونها كانت ومازالت أداة لتنفيذ مخططات تقسيم منطقة الشرق الأوسط إلى دويلات، والإشارة إلى قوى الشر التي تتزعمها الصهيونية العالمية.
وأما ما حدث ويحدث في مصر الآن، فإن التاريخ يعيد نفسه بشكل شبه متطابق، حيث حدث في تاريخ مصر عهد “اخناتون” ولأسباب متعددة ذات علاقة بالفساد والإهمال واساءة استخدام السلطة من قبل وزراء اخناتون، أنْ استدعى الشعب المصري في حينه الفرعون “حور محب” الذي كان يشغل منصب القائد العام للجيش ويحبه الشعب، لتنحيةِ “اخناتون” وإنقاذ الإمبراطورية المصرية التي أسسها تُحتمس الأول والثالث، وتعرضت لكل أسباب الضعف والوهن على يد “اخناتون”.
خلاصة القول: إن المتخيل لدى البعض ومنذ الإفصاح عن نية المشير عبد الفتاح السيسي، الإصغاء لمطلب الجماهير الترشح لمنصب الرئيس، وإعلان ترشحه فعلا قبل أيام، وجراء الدم المراق على مدار الأشهر الأخيرة، فضلا عن بعض الممارسات والأخطاء التي حدثت وتحدث، وكان أخرها الحكم- غير المتوزان أو المستوعب- على 528 متهم بالإعدام، أن مصر تتجه نحو ديكتاتورية جديدة، وهذا لعمري أمر يعد شبه مستحيل بعد اسقاط هلامية الدولة البوليسية مع نهاية حكم مبارك.
غير أن المعطى التاريخي يؤكد أن قيام الأمة العربية مرهون بقيام الدولة المصرية، حيث تَكمنُ قوة الأولى في صلابةِ وقوة الثانية، وأن مصر في هذا الوقت تحديداً، إنما هي بحاجة لقائد قوي متصالح مع كافة أدوات الدولة، لا قائد لديه العديد من الاشتباكات مع الدولة بكافة أدواتها، قائد جميعُ العرب بحاجة إليه، كما هي مصر بحاجة إلينا جميعاً للوقوف إلى جانبها في اختيارها، هذا إن أردنا أن نرى قائدا يمكنه أن يميز بشكل واضح وجلي ما بين المتخيل والمعطى لمصر العرب.