شهد هذا الأسبوع عدة أحداث مهمة وأخباراً لافتة أغرتني بالكتابة فمن موضوع إلقاء القبض على فرقة غنائية مصرية بعد سخريتها من رئيس البلاد إلى التصعيد المتبادل بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه موشي يعلون وربما راودني مسلسل المفاوضات العبثية التي لا تكاد تبدأ حتى ينسحب هذا الطرف أو ذاك وسواء كنا نتحدث عن الأزمة الليبية أو اليمنية أو الأكثر تعقيدا؛ سوريا، فعوامل التعقيد واحدة؛ صراع الكبار وقرارات أممية لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
تزاحمت تلك الأفكار في عقلي لكن مشهدين استوقفاني واسترعيا انتباهي ففرضا نفسيهما على هذة المساحة الأسبوعية رغم معرفتي أن أقلاماً لا تعد ولا تحصى خطت في تفاصيلهما الكثير وتناولتهما بالنقاش والتحليل، كل على حدة.
المشهد الأول مسرحه البرازيل وتعود جذوره إلى قرية لبنانية صغيرة تسمى بتعبورة . في 2011 أطلقت القرية على أحد شوارعها اسم ميشال تامر وقت أن كان نائباً لرئيسة البرازيل ديلما روسيف فخراً بابن بلادهم، هذا الفخر تضاعف حتى عنان السماء مؤخراً بعد أن أفرزت الاحتجاجات السياسية ضد حزب العمال الحاكم وسوء الأحوال الاقتصادية والسقوط المتتالي لحكومات اليسار بأمريكا الجنوبية واقعاً سياسياً جديداً، واقعاً طرد روسيف من قصرها وأسكن تامر فيه، وفور تولي أستاذ القانون ذي الأصول العربية رئاسة بلاد السامبا حتى ضجت قريته بالطبل والزمر فلبنان الذي يعاني شللاً تنفيذياً وضموراً برلمانياً وشغوراً رئاسياً عمره عامان لم يكذب خبراً، أخيراً هناك رئيس حتى ولو كان في البرازيل.
اللافت أن تامر الذي يبلغ من العمر ستة وسبعين عاماً وعمل بالمحاماة قبل أن يشغل مناصب سياسية عدة آخرها منصب نائب رئيس البلاد ليس محبوباً في البرازيل كما توضح نتائج استطلاعات تفيد بمعارضة ما يقرب من 60% من الشعب توليه المنصب الرئاسي وأغلب الظن أن هذا يعود إلى ارتباط اسمه بقضية غسيل أموال .
للتوضيح أنا لست هنا متحاملة على تامر فالحق يقال هو وإن دفع روسيف نحو الهاوية فإن أقدامها كانت تتأرجح أصلاً على الحافة وهو ليس مسؤولاً عن أخطاء ارتكبتها وسرعت بعزلها كما أنه بأي حال من الأحوال ليس من القوة بحيث يدبر مزاجاً عاماً معارضاً للرئيسة، لكنني أرصد إحسانه الإمساك بخيوط اللعبة وضغطه على الأوتار المناسبة ليصل إلى نتيجة لم تكن صناديق الاقتراع لتوصله إليها مهما حاول وبالتالي فالتساؤل مشروع، هل استحق تامر أن يكون رئيساً لبلاد هي الأقوي اقتصاديا في أمريكا الجنوبية؟ هل حقق من خلال المناصب التي تولاها كرئيس حزب الحركة الديمقراطية أو من داخل مجلس النواب الفيدرالي البرازيلي ما يستحق فخر عشيرته وقبيلته به؟ عدة لاءات متتالية مقتضبة تكفي للإجابة.
المشهد الثاني دار في العاصمة الانجليزية لندن وأختتم بفوز صادق خان بمنصب عمدة لندن بعد حصوله على مليون و310 ألاف و143 صوتاً. خان المسلم ذو الأصول الباكستانية يأتي من خلفية متواضعة إذا قورنت بخلفية منافسه الملياردير البريطاني جولد شميث ورغم ذلك استطاع الفوز بأرفع منصب بعد رئاسة الوزراء والمدهش أن الأصوات التي حصل عليها خان هي أصوات متنوعة ولا تمثل تكتلاً للجالية المسلمة كما قد يتصور البعض وهنا مربط الفرس؛ فخان لم ينتصر لأنه مسلم أو بسبب أصوله الباكستانية هو فقط كان المرشح الأفضل والأكفأ وبالنهاية فإن الناخب البريطاني لا يعرف الولاءات والايدولوجيات الضيقة ولا تسيطر عليه المحسوبيات والانتماءات وهو بالتأكيد لا ينظر إلى ما تحت أقدامه فيختار رئيساً يضطر إلى عزله بعد سنوات .
إنها ثقافة القبيلة التي لا تزال راسخة في العقول العربية تقاوم من أعمق نقطة طوفان التقدم والانفتاح الأتي لها من بعيد. القبيلة ترى من لا يواليها أو يحمل اسمها عدواً ينبغي محاربته وتعتبر الجديد تهديدا يجب دحره. هكذا تعمل دول العالم الثالث، القواعد والقوانين مفهومة ضمنيا والأمثلة لا تنتهي فالسنة يوالون السنة والشيعة ينحازون للشيعة والأكراد أينما كانوا يضعون يديهم في أيدي البعض حتى وإن عنت تلك الموائمات التحالف مع الشيطان فالمهم أن يدور العالم في الفلك نفسه وتظل موازين القوة كما هي ويبقى كل ذي سلطة في موقعه طالما هناك المستفيد.
تحية لشعوب خرجت من أنفاق العاطفية والقبلية إلى رحاب العقل والمنطق فانتصرت للدولة وتركت القبيلة وراء ظهورها.