"دليل على فقدان المسؤولية" هي العبارة الأكثر استخداماً في الصحف الإسرائيلية تعليقاً على قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بإقالة موشيه أيالون واستبداله برئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان إلى حكومتة وتعيينه وزيراً للجيش الإسرائيلي. وسائل الإعلام الإسرائيلية اعتبرت هذا القرار بضم كتلة ليبرمان إلى التحالف بمثابة قنبلة جديدة القاها نتنياهو في وجه المبادرات والأفكار التي يفكر بها الفرنسيون، واستباقاً لما تشير له بعض الأوساط السياسية من مبادرات قد يقدمها الرئيس "السيسي" لتحريك المياه الفلسطينية – الإسرائيلية الراكدة!
ما نلاحظه، وبكل الاستغراب، أن خطوة نتنياهو "الدراماتيكية" هذه لم تحظ بأقل الاهتمام من الإعلام العربي عموماً، والإعلام الفلسطيني بشكل خاص، على العكس من الإعلام الإسرائيلي والذي تعامل مع القرار المجنون لرئيس الوزراء الإسرائيلي باعتباره قفزة في الهواء ومغامرة ليست محسوبة النتائج، خاصة وأن ليبرمان سبق له وأن عبر عن مواقفه المعادية للفلسطينيين وهو يطالب الآن بتعديلات "قانونية" تتيح المجال لإعدام معتقلين فلسطينيين، وهو الذي أيد اغتيال الشهيد الشريف ابن الخليل أمام كاميرات العالم، وهو الذي عبر عن ضرورة ضرب السد العالي المصري وضرب المفاعلات النووية الإيرانية، وهو فوق ذلك كان يوجه أشد الانتقادات إلى نتنياهو باعتبار الأخير معتدلاً في بعض المواقف!!
صحيح أن قرار نتنياهو وخداعة لزعيم المعسكر الصهيوني "هيرتسوغ" كان مثار سخرية من الأخير، الذي كان قد كبا على ركبتيه من أجل دخول حكومة خصمه رئيس الوزراء، لكن موضوع إضافة العنصري ليبرمان، كما تصفه صحيفة هآرتس، له دلالات سياسية في ذهن زعيم حكومة اليمين، حكومة المستوطنين تتجاوز المناورات الداخلية والعاب نتنياهو الانتهازية المعروفة في الأوساط الإسرائيلية إلى كونها تتعامل مع الأوضاع الإقليمية والدولية باعتبارها ميداناً لمناوراته وأطماعه التوسعية وإمعاناً في إنكار حقوق الفلسطينيين وصفع الأبواب في وجوه كل أصحاب النوايا والمصالح الخاصة، والواهمين بالوصول إلى تسوية مع العنصريين والتوسعين الإسرائيليين، كما تشكل هذه الخطوة المجنونة توتيراً مع دول الجوار والفاعلين الإقليميين مثل مصر، وأملاً في تطوير علاقاته مع بعض الدول الخليجية بعد عبارات الغزل والمواقف التي صدرت من بعضهم أمام الرأي العام العربي الإقليمي، كما تشكل خطوة نتنياهو وقوعاً في أوهام ضرب سوريا وضم الجولان وتفتيتها طائفياً واستعداداً لضرب المقاومين الفلسطينيين واللبنانيين وبشكل خاص ضرب حزب الله اللبناني، وهي إشارات أكثر من واضحة على رفض الاتفاق الدولي، والأمريكي بشكل خاص مع إيران وانتظاراً لإدارة أمريكية جديدة وأكثر يمينية تساعد أقصى اليمين الإسرائيلي على تنفيذ أطماعه التوسعية بما فيها التخلي عن اتفاق 5+1.
الأهم من التوصيف والتحليل السابقين يتمثل في البحث عن دور عربي وفلسطيني لمواجهة هذه الغطرسة والإهمال التي ينتهجها اليمين بتحالفه الجديد، وبماذا يمكن أن يرد الفلسطينيون وبعض العرب على ذلك: "ما هو موقف الفلسطينيين تجاه تصليب بنائهم الداخلي؟ وحدتهم وإنهاء انقسامهم البغيض، وإعادة بناء وتطوير مؤسساتهم المتهالكة في مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير، وهل ستعود مصر لتتبوأ موقعها قي زعامة الصف العربي وتبتعد عن أصحاب المشاريع الإقليمية؟ هناك أسئلة كثيرة لا يجيب عليها العرب (في ظل جامعتهم العربية المنحازة والفاقدة للأهلية، ولا دور لها في سوريا والعراق واليمن رغم نزيف الدم والخراب...).
الرد على تحالف نتياهو – ليبرمان هو بنزع الأوهام أو البحث عن مبادرات تأتي ولا تأتي، وفي ظل انحياز أمريكي نحو الأقوياء، لا بل في ظل انحياز الدول نحو مصالحها وليس نحو أصحاب الحقوق الذين ينامون على ريش النعام وعلى الأوهام والفاقدين لكل عناصر القوة...