يا أعداء الله! سلموا تسلموا" بهذه العبارات صدحت منابر الجوامع التي استولت عليها حركة حماس في قطاع غزة وحولتها لمراكز عسكرية ومراكز احتجاز وتعذيب. هكذا أعلنت حماس عن اختطافها الوشيك لقطاع غزة قبل قرابة العشر سنوات من اليوم وهي تخاطب الآخر الفلسطيني الذي عزمت على قهره، معلنة بشكل جلي عن رؤيتها للعلاقات الوطنية: فإما الخضوع أو رصاص البنادق.
منذ أيام وردود الأفعال الغاضبة تتوالى من الفصائل حول الاساءة والكذب الذي أطلقه القيادي البارز في حركة حماس، محمود الزهار، تجاه الزعيم الخالد ياسر عرفات وتاريخنا الجمعي الذي يبدوا أن للرجل ثأراً معه بما أنه ورفاقه كانوا غائبين عنه.
المصيبة لا تكمن فيما قاله الزهار لأنه اعتاد التعدي على التاريخ والقامات النضالية التي لا تتفق ورؤياه السياسية. الطامة الكبرى تتمثل في وجود ممثلين عن الفصائل التي غضبت بأثر رجعي وشمل الحضور نائبا عن كتلة فتح أيضاً، استمرت في الجلوس كما قالت لاحقاً في اعتذارها الباهت احتراماً للحضور!
ما قاله الزهار وتقوله حماس في أدبياتها عن الحركة الوطنية ليس بجديد وهو جزء من قناعات كوادر الحركة ومسلحيها. هذا ما عايشناه في غزة ابان السقوط، حين أٌنزل العلم الفلسطيني وديس تحت البساطير على وقع تكبيرات المسلحين المنتشين بنصرهم. هؤلاء كانوا وما زالوا على قناعة أنهم يمثلون قوة تحظى بدعم رباني حصري مقابل القوى المعادية لهم ولله بحسب هذا المنطق المنحرف.
بعد قرابة العقد من تجلي هذا الانحراف الوطني والاجتماعي، ما زلنا في حالة انفصام كمجتمع وقوى سياسية. لقد فشلت القوى السياسية في تشكيل عقد اجتماعي واضح ومتفق عليه وفشلت أيضا في حماية حق الأغلبية من التعدي الذي تمارسه يوميا حماس على تاريخها ونضالها ومكتسباتها.
لا ينفع الاعتذار يا سادة. هذا لن ينقذ مجتمعنا مما هو فيه من انقسام تفرضه حماس على أبناء الشعب الواحد وتبقي عليه بقوة السلاح والعربدة الإعلامية. نحن بحاجة لعقد اجتماعي يلتزم به الجميع، رايته علم فلسطين ومقامه الاحترام للجميع، نتفق فيه أن الفصائل وجدت لخدمة الشعب والقضية في إطار منظومة سياسية واحدة ليس فيها مقدس إلا الدم الفلسطيني ولا تفويض مطلق إلا للشعب الفلسطيني. ليس من المنطقي أن يستمر هذا الحوار العبثي بين الفصائل الذي يرقص حول القضايا دون أن يواجهها وتتخاذل فيه الفصائل عن الدفاع عن هويتنا الوطنية التي تشكلت بالتضحيات والدم والدموع. ليس من المجدي أن نخدع أنفسنا بالقول أن هناك حواراً حول المصالحة بينما يصر طرف على امتهان كرامة الكل الفلسطيني لأنه الآخر ولأن هذا الطرف الذي يعتبر نفسه وكيلاً لله وإرادته لا يقبل الآخر الذي يعتبره على تضاد مع هذا التكليف المُتخيل.
كفانا كذباً ونفاقاً. على حماس أن تغير من أدبياتها وتصحح علاقتها بالكل الفلسطيني بأن تقبله وتحترمه وإلا فما جدوى الحديث عن وطن ومصير واحد؟! الشعب الفلسطيني لم يخضع لأي وصاية ولن يستسلم لوصاية حماس. ولحماس نقول: كفوا عن هذا التعدي، تخلوا عن عقيدة الحقد واقبلوا فلسطين كما هي حتى تكونوا جزءاً إيجابياً فيها. لا نريد اعتذاراً موارباً من حماس، نريد ونستحق تصحيحاً جذرياً في العقلية والمسار.