خبراء ومسؤولون: مجالات الاستفادة من الركام كثيرة لكن الإمكانيات اللوجستية ضعيفة
اقتصاديون: مشاريع الاستفادة من الركام ستوفر آلاف فرص العمل للمتعطلين في غزة
غزة - محاسن أُصرف
أينما مررت في أحياء محافظات غزة تُحاصر بصرك أطنان الركام، هنا بعضُ حجارةٍ كبيرة وأعمدةٍ رخامية، وأسفل منهما رمل اختلط ببارود الصواريخ فأصبح قاتم السواد، ليدل على حقد الاحتلال الإسرائيلي في تعامله مع سكان القطاع ومعالمه.
السكان لم يكن بإمكانهم إزالة ركام بيوتهم في ظل ضعف إمكانياتهم المادية وفقر القطاع للإمكانيات الفنية من آلات ومعدات خاصة بأعمال الإزالة، والوزارات المعنية أرادت قبل إزالته حصره إحصائياً لتقدير التكلفة المالية وتوفير الإمكانيات اللازمة للتعامل معه، بالإضافة إلى وضع الخطط للاستفادة منه قدر المستطاع بما يُحقق حماية للبيئة من جهة والتخلص منه للبدء بإعادة الإعمار من جهة أخرى.
"الحدث" في سياق السطور التالية تبحث مع خبراء ومسؤولين إمكانية الاستفادة من أطنان الركام المتكدسة في أحياء وأزقة محافظات القطاع وما يُمكن أن تُحققه مشاريع الاستفادة من الركام على صعيد توفير فرص عمل للمتعطلين.
تُشير إحصائيات وزارة الأشغال العامة والإسكان في قطاع غزة إلى أن مخلفات 51 يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قُدرت بـ(2.5) مليون طن من ركام المباني والمؤسسات المختلفة تتمثل في (15671) منزلاً ومبني، منهم (2276) تدمير كلي، و(3395) تدمير جزئي وهو ما يُعادل أربعة أضعاف الركام الناتج عن عدوان(2008-2009)، ما يدعو إلى التفكير جدياً بآليات للاستفادة منه وإزالته فوراً حماية للإنسان والبيئة.
ويطرح استشاريون وخبراء لـ"الحدث" بعض الأفكار التي يُمكن تنفيذها لاستغلال الركام في مشاريع قيد التنفيذ خاصة في ظل الحصار الإسرائيلي وافتقار القطاع للمواد الخام اللازمة للإعمار والبناء، إلا أنهم يُؤكدوا أن تكاليفها العالية وعدم توفر الآلات الثقيلة الخاصة بإعادة التدوير قد تقف عائقاً ما يتطلب فك الحصار بشكل عاجل.
فرص عديدة وإمكانيات قليلة
يؤكد ناجي سرحان، وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في قطاع غزة، لـ"الحدث" أن وزارته شكلت لجنة للاستفادة من الركام بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة وسلطة جودة البيئة، وبدأت برصد الاحتياجات الطارئة لإزالة الأنقاض كالكسارات التي تُستخدم في تفتيت وإزالة الركام قائلاً أن: "توفيرها يحتاج إلى رفع الحصار بشكل كامل وفتح المعابر"، وأضاف أن الوزارة وضعت مع الجهات المختصة خطة لمئة يوم من أجل معالجة الردم، ونوه أن الوزارة من أجل ذلك اتخدت خطوات أولى بإزالة جزء من ركام المنازل وتوفير إيجارات وشقق بديلة لأصحاب البيوت المدمرة.
وطرحت الوزارة عدداً من الأفكار للاستفادة من أطنان الركام والمُقدرة بـ 2.5 مليون طن منها توسيع ميناء غزة البحري أو إنشاء ألسنة بحرية تمنع نحر الشواطئ وتُشكل كاسرات موج يُمكن استخدامها لأغراض سياحية، بالإضافة إلى إمكانية استخدامها أيضاً في البناء وأعمال صيانة الطرق والبنية التحتية، وكذلك تدعيم ميناء الصيادين وبعض المناطق الساحلية المطلة على البحر كمنطقة مخيم الشاطئ المتآكلة غرب مدينة غزة.
ومن ناحيته قدر "سمير اللوح" مدير عام الآليات والنقل بوزارة الأشغال العامة والإسكان تكلفة إزالة الركام والأنقاض بـ 30 مليون دولار، وقال: "إن عملية إزالتها سواء عبر مشاريع الاستفادة منها أو التخلص منها منعاً للمخاطر البيئية تستغرق(6-8) أشهر في حال فتح المعابر وإدخال المعدات والآليات اللازمة خاصة وأن معدات وآليات الوزارة قديمة ولا تسد سوى 20% من حجم الركام المُقدر بـ2.5 مليون طن"، داعياً إلى الإسراع في فتح المعابر وإلزام الاحتلال بإيصال المعدات الثقيلة التي يمنع دخولها منذ سنوات، مؤكداً أن إزالة الركام من أهم الاحتياجات للبدء بإعادة الإعمار وبناء ما دمره الاحتلال الإسرائيلي على مدار 51 يوماً من عدوانه على القطاع.
إنتاج البسكورس
فيما يلفت "بهاء الدين الأغا" المسؤول عن لجنة الاستفادة من الركام في وزارة البيئة، إلى إمكانية إنتاج مادة البسكورس المستخدمة في البنية التحتية للطرقات من أكوام الركام وذلك عبر طحنها في كسارات خاصة، كاشفاً أن الأمم المتحدة تقوم حالياً على هذا المشروع وبدأت بفحص الركام وإحصاء كمياته بالتعاون معنا ومع وزارة الأشغال العامة والإسكان، وأوضح أن المرحلة الأولى سيكون تنفيذها عبر الأمم المتحدة بتمويل من السويد لتجهيز مكان الطحن والكسارة، إلا أن الحصار يُعيق هذا المشروع، وقال: "نحن بحاجة إلى إخال الآليات والمعدات اللازمة للبدء بطحن الركام وتحويله إلى مادة أولية يُمكن استخدامها في الطرقات".
إعادة تدوير الركام
ومن جهته أشار "م. محمد النجار" مدير فرع "بكدار" في غزة أن مخلفات المباني التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه على غزة تتطلب جهداً وإمكانيات مالية وفنية ضخمة لإزالتها، وقال أن: "استمرار بقائها في أحياء وأزقة القطاع مُضر بالبيئة"، منوهاً إلى ضرورة التخطيط وطرح أفكار إبداعية للتعامل مع أطنان الردم والاستفادة منه.
ويقترح "النجار" طحن الركام وإعادة تصنيعه كمواد أولية للبناء كبنية تحتية للطرقات والاستفادة منها في عملية إعادة الإعمار، ومن جهة أخرى قال: "يمكن استخدام الركام أيضاً في توسعة المساحة الجغرافية للقطاع عبر طمر بعض مساحات من الشواطئ التي بدأت بالتآكل بفعل نحر مياه البحر لها"، وأضاف أنه كذلك يمكن الاستفادة منها في تأهيل الساحل وبناء ألسنة بحرية أو كاسرات أمواج من شأنها أن تحد من مد البحر وتآكل الشواطئ.
إنتاج أراضٍ جديدة
وفي المجال ذاته يُشدد "إبراهيم ماضي" رئيس قسم التصميم في الدائرة الهندسية بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" أن أفضل استفادة يُمكن تحقيقها من أطنان الركام المتكدسة في مختلف محافظات القطاع هي إنتاج أراضٍ جديدة في البحر، وأشار إلى أنها تجربة ناجحة تُحاكي التجربة اللبنانية في الثمانينيات بعد الحرب الأهلية، مؤكداً أنه تم ردم أنقاض البيوت في البحر بما يُعرف بطريقة الصنم بردم الركام بطريقة موازي للساحل كلياً، وبمزيد من التوضيح أشار "ماضي" إلى أن كمية الركام المدمر والمقدرة بـ2 مليون طن يُمكن أن تُنتج 500 دونم بواقع دونم واحد لكل محافظة من محافظات القطاع وتكون بوضع 2 طن ركام للمتر المكعب بمتوسط ردم 2 متر.
بانتظار المشاريع
وبمزيد من الأمل يرقب أصحاب الكسارات في قطاع غزة إلى البدء بمشاريع الاستفادة من الركام لتحريك عجلات ماكيناتهم وتشغيل الأيدي العاملة التي تعطلت بمجرد إغلاق الأنفاق، ومنع إسرائيل وصول مواد البناء الأولية إلى القطاع، ويقول "جمال أبو سمرة" صاحب مصنع حجارة في المنطقة الوسطى: "العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة خلف دماراً هائلاً نسعى إلى الاستفادة منه في إعادة صناعة الحجارة"، ويُضيف أن الحصار المفروض على القطاع والذي استمر راسخاً حتى بعد إعلان حكومة التوافق وإنهاء الانقسام وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار كان سبباً في التفكير بإعادة استخدام الركام، خاصة في ظل الكميات الهائلة منه، ويؤكد أنه على الرغم من التكلفة العالية لإعادة التصنيع إلا أنها تبقى خياراً جيداً في ظل الحاجة الماسة لها في القطاع، وحول آلية إعادة التدوير أشار "أبو سمرة" أنها تتم بتكسير الركام للحصول على الحصمة ومن ثمَّ طحن الأخيرة في ماكينات التصنيع الخاصة مع تزويدها بكميات من الإسمنت لتستعيد صلابتها ومن ثمّ استخدامها كمادة أولية للبناء وخاصة في الطرق، وأوضح "أبو سمرة" أن عمليات إعادة التدوير تُوفر فرص عمل للكثير من المتعطلين، داعياً إلى الإسراع في تطبيق مشاريع الاستفادة من الركام وإيجاد إمكانيات مادية لإدخال الكسارات الخاصة بأعمال التدوير خاصة وأن الموجود في القطاع قديم ومتهالك وبعضه متعطل.
صعوبات التطبيق
وتبقى الأفكار المُتاحة للاستفادة من الركام حبراً على ورق إذا لم يتم فتح المعابر وتوفير الإمكانيات الفنية والمالية لإزالته تمهيداً للاستفادة منه، ويؤكد على ذلك الخبراء الذين التقتهم "الحدث" حيث قال "ماضي" إن سرعة إزالة الركام مرتبطة بمدى توفر الآلات الخاصة لذلك"، لافتاً إلى أن القطاع يفتقر للإمكانيات الفتية من الآلات والمعدات نتيجة استمرار إغلاق المعابر ومنع الاحتلال الإسرائيلي دخول الآلات الثقيلة إليه.
كما طالب "الآغا" مسؤول لجنة الاستفادة من الركام في سلطة جودة البيئة حكومة التوافق بالضغط على الاحتلال لرفع الحصار وإدخال الآليات اللازمة للتعامل مع الركام بما يُحقق حماية الإنسان والبيئة من أخطار الركام التي تبعث غازاتها السامة في أجواء القطاع وتؤثر على حياة الإنسان والشجر.
فيما ألمح "النجار" إلى ارتفاع تكاليف إعادة تدوير الركام وتحويله إلى حصمة أو بسكورس كما حدث في عام 2012، قائلاً: "تكلفة إنتاجها عالية عوضاً أنها لا تُستخدم وحدها بل تحتاج إلى مواد أولية أخرى للبناء".
وبيّن "سرحان" وكيل وزارة الأشغال أن التكاليف الباهظة تقف عائقاً أمام تنفيذ مشاريع الاستفادة من الركام التي طرحتها الوزارة والجهات المختصة ذات العلاقة، بالإضافة إلى الإجراءات الإسرائيلية التي تمنع البناء في البحر، منوهاً إلى أنهم تعرضوا لتهديدات مباشرة من قبل الاحتلال إبان بنائهم اللسان البحري على شاطئ غزة قبل الحرب، داعياً حكومة التوافق إلى إيجاد اتفاقية تُلزم الاحتلال بتنفيذ الأفكار المقترحة للاستفادة من الركام.
جدوى اقتصادية
ويرى "د.معين رجب" الخبير في الشأن الاقتصادي أن عمليات إزالة الركام من شأنها أن تُوفر فرص عمل لآلاف المتعطلين عن العمل والذين تجاوز عددهم خلال العدوان على غزة الـ 200 ألف متعطل، وقال لـ"الحدث": "إن الاستفادة من أطنان الركام المتكدسة في مختلف أحياء محافظات غزة مهم وفيه فائدة وجدوى اقتصادية جيدة إلا أنه عالي التكلفة ويحتاج إمكانيات فنية ضخمة"، وبمزيد من التفصيل أوضح أن كمية الركام والمُقدرة بـ 2.5 -3 مليون طن تحتاج إلى حوالي (60) ألف شاحنة لتعبئتها ونقلها إلى المكان المراد الاستفادة منها فيه، ناهيك عن عدم توفر المعدات الثقيلة والكسارات التي من شأنها تسهيل مشاريع الاستفادة من الركام، وقال: "على الرغم من ذلك تبقى مشاريع الاستفادة من الركام هامة في ظل عدم توفر المواد الأساسية اللازمة للإعمار"، داعياً الجهات المعنية بإيجاد مشروع إستراتيجي بتمويل موثوق من أجل البدء بتنفيذه وتحقيق الجدوى الاقتصادية بتخفيف أعباء البطالة والبدء بإعادة الإعمار التي ستشكل نقلة نوعية للاقتصاد الفلسطيني انتظرها منذ انتهاء حرب (2008-2009).
يذكر أن أهم نتائج إعادة تدوير الركام والاستفادة منه في مشاريع إستراتيجية واقتصادية داخل قطاع غزة هي تخليص القطاع من مخلفات المباني المدمرة كونها مصدر تلوث بيئي وتهدد صحة الإنسان.