الحدث - رام الله
لعلم لا يبقي على حقيقة ثابتة، فبعدما تربعت نظرية أينشتاين حول سكون الكون وغير قابليته للتغيير لمدة قرن تقريبا، أصبحت الآن محل شكوك بعدما أثبت العلماء أن الكون متحرك بل يتمدد بشكل متسارع، وستتلاحق الحقائق بهذا الشأن مع تزايد البحوث حول أسرار الكون حتى أصبح العلماء يعتقدون أن مصير الكون الذي نعيش فيه سينتهي إلى جليد.
يتمدد الكون بمعدل أسرع مما كان يعتقد في السابق وهو اكتشاف مفاجئ قد يثير الشكوك في جزء من نظرية النسبية لألبرت أينشتاين التي يرى فيها أن الكون متجانس ومتوحد الخواص، وهو في حالة سكون وغير قابل للتغيير، وهذه النظرية ركيزة لعلم الفلك صمدت أمام التحديات لمئة عام.
وظاهرة تمدد الكون في علم الفلك هي تمدد أبعاد الكون ومجراته والتي تظهر في ابتعاد أي نقطتين في الكون عن بعضهما البعض من دون أن تكون لهما حركة.
وقال علماء إن إدارة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) ووكالة الفضاء الأوروبية أعلنتا في بيانات صحافية مشتركة، أن الكون يتمدد أسرع من المتوقع بنسبة تتراوح بين خمسة وتسعة بالمئة، ويثير الاكتشاف أيضا افتراضات عما يشغل 95 بالمئة من الكون ولا يرسل أي ضوء أو إشعاع وهو ما يعرف باسم "الطاقة المظلمة".
ويتحدث العلماء عن أن الكون كان في بدايته منكمشا في نقطة واحدة، وأن انفجارا حصل في اللحظة الأولى جعل الكون يبدأ في التمدد، سمي في ما بعد "الانفجار العظيم".
أما عن كيفية تفسير استمرار تمدد الكون في ظل نظرية الانفجار العظيم، فإن الحرارة المتبقية من الانفجار هي التي تقف وراء استمرار تمدد الكون، وتشير كل الدراسات الأخيرة للمجرات البعيدة إلى أن النجوم المتفجرة "المستعرات" والحرارة المتبقية من الإنفجار جعلتا الكون يتمدد بشكل سريع بما يؤكد أن الكون مازال يسير بدفعة من طاقة الفراغ المضادة للجاذبية، أي أن طاقة الفراغ هذه هي السبب في هذا التمدد.
وتقول مجلة "فوكس" البريطانية، إن العلماء اعتقدوا لفترة أن الجاذبية كانت القوة الهامة الوحيدة التي تحكم العالم، ولكن ذلك الاعتقاد لم يدم طويلا. ويعتقد علماء الفلك أيضا أن أحد أشكال طاقة الفراغ هي التي أحدثت الانفجار العظيم في مراحله الأولى متغلبة على الجاذبية في عملية أُطلق عليها اسم "الانتفاخ أو التضخم الكوني"، وإلى وقت قريب كان العلماء يعتقدون أن طاقة الفراغ تلاشت سريعًا في أعقاب ذلك الانفجار الضخم، ولكن الدراسات الأخيرة للمجرات البعيدة كشفت أن الكون يتمدد ويتسع بأعلى معدل على الإطلاق مما يوحي بأن طاقة الفراغ مازالت موجودة، وفي الواقع – حسب المجلة – تشير أحدث البيانات إلى أن طاقة الفراغ مازالت أقوى قوة مؤثرة في الكون.
وقال أليكس فيليبنكو، وهو عالم فلك من جامعة كاليفورنيا في بركلي، "ربما الكون يخدعنا". وشارك فيليبنكو في إعداد ورقة ستنشر قريبا عن الاكتشاف.
ولا يتطابق معدل توسع الكون مع توقعات مستندة إلى قياس بقايا الإشعاع المتخلف عن الانفجار العظيم الذي أدى إلى الكون المعروف منذ 13.8 مليار عام.
ومن بين الاحتمالات لهذا التباين، أن الكون لديه جسيمات دون ذرية غير معروفة تشبه النيوترونات والتي تسري بسرعة مثل سرعة الضوء التي تبلغ حوالي 300 ألف كيلومتر في الثانية.
ومن بين الأفكار الأخرى أن ما يعرف باسم “الطاقة المظلمة”، وهي قوة غامضة مضادة للجاذبية اكتشفت في عام 1998، ربما يدفع المجرات بعيدا عن بعضها البعض بقوة أكبر من التقديرات الأولية.
وقال آدم ريس، المؤلف الرئيسي للبحث وهو أستاذ للفيزياء بمعهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور بولاية ماريلاند، "هذا قد يكون مفتاحا مهما لفهم أجزاء في الكون تشكل 95 بالمئة من كل شيء ولا تصدر ضوءا مثل الطاقة السوداء والمادة السوداء والإشعاع الأسود".
تقول وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، إن المعروف عن هذه الطاقة أقل بكثير مما يجب أن نعرفه، فالعلماء يعرفون كمية الطاقة المظلمة الموجودة في الكون لأنهم يعرفون مقدار التوسع الذي تسببه للكون، لكن في ما عدا هذا الأمر فإن كل ما يعرفه العلماء عن الطاقة المظلمة هو تقريبا لا شيء.
وكان ثلاثة علماء فازوا بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2011 (سول بيرلماتر وآدم ريز من الولايات المتحدة، وبراين شميت من أستراليا) لاكتشافهم المذهل لتسارع التمدد الكوني، وهو ما يعني أن الكون قد يتحول يوما إلى جليد، بحسب ما يعتقدون.
وتعد نظرية التمدد الكوني من أحدث النظريات في هذا المجال، وقد تمكنت من الإجابة على أسئلة عويصة، بالرغم من حداثتها، وأهم الأسئلة هي:
كم عمر الكون؟ وكيف نشأت المجرات؟ ولماذا يتمدد الكون؟
وفي تسعينات القرن الماضي، كان هناك شيء واحد مؤكد بخصوص عملية تمدد الكون، وهو أن الكون من الممكن أنه يحمل كثافة قليلة للطاقة التي قد تؤدي لوقف عملية التمدد هذه وإعادة انكماش الكون من جديد.
ويعتمد توسع أو انكماش الكون على طبيعته وتاريخه، ومع كمية مناسبة من المادة، ويمكن أن يتحول التمدد إلى تقلص وانهيار، وبما أن الكون يتمدد والمجرات تتباعد عن بعضها فإن متوسط الكثافة الكونية يتناقص، ونستطيع من خلال معدل سرعة التوسع الحالية، أن نستنتج أن الكثافة كانت هائلة منذ ثلاثة عشر مليار عام، وتبين المشاهدة أن المجرات كانت متقاربة.
وأظهرت ملاحظات وبيانات تليسكوب الفضاء هابل الشهير الخاصة بالنجوم المتفجرة متناهية البعد، أن تمدد الكون يتباطأ منذ زمن بعيد، لكن المفاجأة أن التباطؤ كان أكثر مما هو عليه الآن، بمعنى آخر فإن الكون يتسع بالفعل منذ زمن بعيد مضى لكن بمعدل أبطأ مما هو عليه في وقتنا الحاضر.
هذا الأمر يعني أن توسع الكون وتمدده لم يتباطأ بسبب الجاذبية كما كان يعتقد الجميع، لكن الكون كان ولا يزال في حالة تسارع. في ذلك الوقت أصاب العلماء الذهول لأنه لم يكن أحد يتوقع هذا الأمر، والأهم أن أحدا لم يكن يملك أي تفسير عن سبب حدوث هذا الأمر، لكن بالتأكيد هناك شيئا ما يسبب هذا التسارع، وهو ما بدأ العلماء في البحث عنه.
المصدر: العرب