الحدث- مصدر الخبر
كتب حلمي موسى في صحيفة السفير:
أثار البيان الختامي الباهت الذي صدر عن لقاء وزراء الخارجية التمهيدي لمؤتمر السلام في باريس نوعاً من الرضى من جانب إسرائيل، فقد كانت هناك توقعات في تل أبيب بعد نجاح فرنسا في عقد المؤتمر، أن يكون البيان الختامي أكثر حدةً ووضوحاً، وأقل عمومية مما صدر.
ولكن هذا الرضى الإسرائيلي يصعب اعتباره نهائياً، خصوصاً أن القيمة الفعلية لما جرى هو أن هناك قناعة دولية متزايدة بأن احتكار الولايات المتحدة لرعاية المفاوضات لم تُؤتِ أكلها.
وكان لافتاً تركيز رئاسة الحكومة الإسرائيلية ووزارة الخارجية على غياب وزراء خارجية ذوي أهمية، مثل وزراء خارجية ألمانيا وبريطانيا وروسيا، فضلاً عن أن البيان الختامي كان عمومياً. لكن ثمة قناعة بين المعلقين الإسرائيليين على أن قيمة ما جرى تكمن في أن هذه هي البداية، وأن اللعبة الكبيرة هي ما سوف يأتي. ويعتقد المراسل السياسي لـ «هآرتس» باراك رابيد أن المفاجأة الكبرى من ناحية الفرنسيين تمثلت في واقع أنهم نجحوا في عقد المؤتمر، وصارت بالتالي مبادرتهم أكثر جدية من أي وقت مضى.
وبحسب رابيد، فإن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ووزير خارجيته جان مارك آيرولت لا ينويان التباطؤ أو تغيير الوجهة. وفي نظره، ليس المهم هو صياغة البيان الختامي بقدر ما هو مهم ما يبديانه لاحقاً من عزم على مواصلة الطريق. والمرحلة التالية هي ما سوف يحدث بعد ثلاثة أسابيع إلى شهر، حين تتشكل طواقم العمل التي يقترحها الفرنسيون على الدول المشاركة لتوفير رزمة الحوافز الاقتصادية والضمانات الأمنية والخطوات الفورية لبناء الثقة.
ويعتقد رابيد الذي واكب المؤتمر من باريس أن رئاسة الحكومة الإسرائيلية ووزارة الخارجية حاولتا تسجيل نقاط لمصلحتهما بادعاء أنهما أسهما في تلطيف البيان الختامي.
ولكن تلطيف البيان جاء بسبب فعل وزير الخارجية الأميركي جون كيري ورجاله. وفي نظره، لم يفعل الأميركيون ذلك حباً بنتنياهو، وإنما رغبةً في تأكيد أن المبادرة الفرنسية لن تخرج عن دائرة السيطرة الأميركية. وما يعني كيري هو استمرار الاحتفاظ بخيوط إدارة العملية السلمية في الشرق الأوسط حتى انتهاء ولاية أوباما في كانون الثاني المقبل.
وما ينبغي أن يُقلق نتنياهو، كما كتب رابيد، هو واقع أن لقاء باريس هو بداية سلسلة أحداث سياسية ستقود إلى زيادة الضغط الدولي على إسرائيل في الشأن الفلسطيني. وهناك تقرير الرباعية الدولية المقرر صدوره بعد أيام، وهو الأشمل بين كل تقارير الرباعية حتى اليوم، والذي للأميركيين دور بارز في صياغته. وسيعرض التقرير صورة بائسة للوضع في الضفة الغربية، وحول توسع الاستيطان وحالة حل الدولتين في اللحظة الراهنة. ويتوقع أن يصب التقرير حمم نقده على الطرفين، لكن بشكل أساسي وواسع على إسرائيل.
ويعتقد أن تقرير الرباعية الدولية هذا سيشكل أساساً لكل الخطوات السياسية اللاحقة، خصوصاً من جانب أميركا في الشهور القريبة التي يتوقع أن يرسخ فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما إرثه في الشأن الإسرائيلي - الفلسطيني. وتفترض إسرائيل أنه إذا أقدمت أميركا على هذه الخطوة، فإن ذلك سيتم بعد الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني المقبل.
ولكن جهات أميركية تقول إنه ليس هناك أي سبب للانتظار حتى ذلك الحين، ويُمكن لأوباما أن يبدأ بخطوةٍ قبل ذلك. وهناك اعتقاد أن ذلك سيحدث في أيلول أثناء دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث يلقي أوباما آخر خطاب له في المنظمة الدولية في ولايته.
وواضح أن كلام نتنياهو حول تأييده للمبادرة المصرية أو لجوانب في المبادرة العربية لا معنى له بعد المواقف التي أعلنتها جهات مصرية وسعودية. فالمصريون أيدوا المبادرة الفرنسية وأعربوا عن غضب شديد تجاه خطوة نتنياهو ضم ليبرمان إلى حكومته. كما أن وزير الخارجية السعودي أعلن أن المبادرة العربية ليست مفتوحة للتعديلات.
وتجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية الفرنسي كان بادر إلى الاتصال برئيس الحكومة الإسرائيلية مساء الجمعة بعد انتهاء لقاء وزراء الخارجية لإطلاعه على مجريات المؤتمر.
وقال مسؤول إسرائيلي إن نتنياهو أكد أمام آيرولت أن إسرائيل تعارض الاقتراح الفرنسي بتشكيل طواقم عمل تهتم بجوانب الصراع. وأوضح هذا المسؤول أن «رئيس الحكومة كرر في المحادثة موقف إسرائيل بأنه لا بديل عن المفاوضات المباشرة ومن دون شروط مسبقة. وأنه كان يفضل لو أن فرنسا وجهت جهدها لترتيب لقاء بينه وبين الرئيس الفلسطيني محمود عباس في باريس للبحث في سبل حل كل القضايا. وأعاد نتنياهو الاتهام بأن المبادرة الفرنسية تضر بالجهود الإقليمية لتحقيق استئناف العملية السلمية، وهي عملية لديها فرصة كبيرة للنجاح.
وأشارت «إسرائيل اليوم»، وهي أشبه بصحيفة ناطقة بلسان نتنياهو، أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية اتفقتا على إبداء الخيبة من لقاء باريس. وقالت الصحيفة إن إسرائيل كانت أكثر رضى، وأنها تشعر بأن جهودها في تلطيف البيان كانت ناجحة، لأن البيان الختامي كان «ضحلاً ونباتياً مقارنة بمسودة البيان» الذي اقترحه الفرنسيون.
وأعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن لقاء باريس كان «تضييعا للفرصة» لأن فرنسا والأسرة الدولية سمحتا للرئيس الفلسطيني بالتهرب من دعوة نتنياهو للمفاوضات المباشرة. وأكدت أن «التاريخ سيسجل أن لقاء باريس أسهم فقط في تصلب المواقف الفلسطينية وأبعد السلام».