الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عام التغيير الأميركي بقلم: نادر الغول

2016-06-07 07:49:03 PM
عام التغيير الأميركي
بقلم: نادر الغول
نادر الغول

لربما لا يعي المواطن العربي والشرق الأوسطي وحتى الأميركي أهمية الانتخابات الرئاسية القادمة، وخاصة في ظل "الثورة" السياسية التي يقودها على طرفي النقيض السيناتور الديمقراطي بارني سنادرز، ورجل الأعمال الجمهوري دونالد ترامب، فكلاهما من خارج البناء التقليدي للحزبين، أو كما يحلو للإعلام الأميركي تسميتهما ب outsiders.

الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر - تشرين الثاني هي انتخابات مفصلية ولربما بداية تحول دراماتيكي للسياسة الأميركية بداية على المستوى الداخلي وبالتأكيد مرورا بالسياسة الخارجية.  ليس بالضرورة نحو الأفضل وخاصة في حال فوز الجمهوري ترامب، وهذه ليست مبالغة في ظل الشرخ الموجود بين نقيضي السياسة الأمريكية.

ساندرز وترامب خلقا حالة سياسية مختلفة عن ما شهدته الحالة السياسية الأميركية في تاريخها المعاصر، وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة والمتقدمة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، لا تعلم أين تتموضع في ظل حالة التنافس بين المرشحين "الثوريين" إن جاز التعبير.

بالنسبة لرجل الأعمال ترامب كما اوردنا في مقال سابق "الحالة الترامبية واشكالياتها" استطاع استغلال النقمة الموجودة على القيادة التقليدية للحزب الجمهوري في استقطاب جمهوره وكتلته الانتخابية الصلبة، التي أثبتت فعاليتها عندما لم يستطع أي من منافسيه الصمود امامها.

فمرشحي الحزب الجمهوري ومن دعمهم من القيادة السياسية للحزب في مواجهة "النكتة" او "المزحة" دونالد ترامب، لم يستطيعوا معرفة المزاج العام للناخب الاميركي الجمهوري، وهو ما استطاع ترامب توليفه لصالح حملته. فالقيادة التقليدية للحزب وخاصة جماعة حزب الشاي الجمهوريين لم يابهوا بالمزاج العام للناخب في مقابل الحفاظ على مكتسباتهم الشخصية والمالية. وهذا يفرض على الحزب اعادة تقييم سياساته التي نفرت مؤيديه من التصويت لابناء الحزب التقليديين واختيار مرشح دخيل على الحزب.

والحالة الترامبية اوجدت حزب جمهوري مرادف للحزب الجمهوري التقليدي ومعه حزب الشاي، فحزب ترامب الجمهوري هو حزب جديد يعتمد على الناخب ذو الثقافة المحدودة أو الذي يرى في رسالة ترامب الانتخابية بارقة امل في ظل وضع اقتصادي مازال يعاني من الأزمة العالمية عام ٢٠٠٨، وهم في الغالب يشاركون لأول مرة في العملية الانتخابية والعمل السياسي.

الحالة الترامبية هي القشة التي قسمت ظهر الحزب الجمهوري وستؤدي إلى حالة انقسام ليس فقط على المستوى الاميركي ككل ولكن داخل اطر الحزب الجمهوري. وهذا بأي حال من الأحوال لا يعني أن ترامب لا يمكن ان يكون رئيسا في الانتخابات القادمة.  وخاصة  في ظل الانقسام في الحزب الديمقراطي بين مناصري كلينتون وساندرز. استطلاعات الرأي تقول انه مناصري ساندرز لن يصوتوا لوزيرة الخارجية السابقة، لانهم لا يرون أنها تقدم جديدا لهم.

في حالة السيناتور ساندرز فهو ايضا من خارج قيادة الحزب الديمقراطي التقليدية ولطالما كان عضو مستقلا في مجلس الشيوخ يمثل ولاية فيرمونت الصغيرة، ولكنه استطاع من خلال حملته الانتخابية والتي يمكن القول أنها استطاعت الصمود بسبب الحالة التراكمية التي انتجها خطابه الشعبوي وتمرده على راس المال الاميركي الداعم الاساسي لكل السياسيين الاميركان. واستطاع من خلال خطابه الانتخابي تقديم الجديد لفئة الشباب اساسا الذين يرون في رسالته نافذة لتحول اجتماعي قادم.

ما يميز ساندرز عن كلينتون ان مؤيدي هيلاري يمكن ان يصوتوا لساندرز ولكن العكس غير صحيح وهؤلاء يفضلون خيار ثالث او عدم التصويت في العملية الانتخابية، والتي توصف عادة بانها من اقل نسب مشاركة الانتخابات في الدول المتقدمة والغربية.

في ظل هذا الانقسام او الشرخ العامودي بين الناخبين وعدم رغبة العديد من الجمهوريين التصويت لترامب، وكذلك الديمقراطيين الرافضين التصويت لكلينتون، تبرز الاحزاب الصغيرة، مثل حزب الخضر ومرشحته جيل شتاين او حزب الليبراليين ومرشحه حاكم ولاية نيومكسيكو السابق غاري جونسون ومرشحه لموقع نائب الرئيس حاكم ولاية ماساتشوستس ويل ويلد.

 حزب الليبراليين يحتل الان المرتبة الثالثة في الأحزاب الأميركية، حيث تقدر أخر استطلاعات الرأي نسبة ما يمكن أن يحصل عليه الحزب بحدود عشرة بالمئة، وهي نسبة ممتازة في دولة يسيطر عليها تاريخيا حزبين رئيسين.  هذه النسبة من الممكن أن تغير مجريات الأمور في الكثير من الولايات، بحيث ممكن للثقل المتواضع للحزب تحويل بعض الولايات المحسوبة جمورية إلى ديمقراطية أو بالعكس.

الليبراليون هم بالأساس جمهوريين تقليديا، وهم حزب يؤمن بالحرية الشخصية للفرد دون التدخل في شؤونه، وهم ايضا ضد تدخل الحكومة الفيدرالية في شؤون الافراد. وان كل مواطن امريكي لديه الحق في اختيار أفعاله وأقواله في ظل حرية التعبير المكفولة بالقانون والدستور الاميركي.

إشكالية حزب الليبراليين والخضر، هو ضعف التغطية الانتخابية والإعلامية. فوسائل الإعلام الأميركية لا ترى في هؤلاء المرشحين مواد إعلامية دسمة يمكن ان تجذب المشاهد الاميركي وتدفعه لمتابعة هذه او تلك القناة. على العكس من حالة ترامب الذي يستحوذ على اكبر مساحة إعلامية في هذه الانتخابات. وهو ما يعتبره البعض احد مكاسب ترامب واهم أسلحته ضد منافسيه الجمهوريين، الذين استثمروا الملايين في بث رسائل إعلانية من اجل استقطاب الناخب مقابل دعاية مجانية لترامب بسبب كثافة التغطية.

أخيرا، إشكالية هذه الانتخابات التي تعتبر ظاهريا أنها خيار ديمقراطي وان المواطن الاميركي هو من يقرر من سيحكمه، أنها انتخابات لا ديمقراطية والية اختيار الرئيس الاميركي بعيدة كل البعد عن العملية الديمقراطية. حيث يقوم الناخب الاميركي باختيار اعضاء "المجمع الانتخابي" وهم بالتالي سيقررون من هو الرئيس القادم. وهذا ينسف أول جملة في الدستور الاميركي " نحن الشعب" "WE The People".