محللون لـ"الحدث": لا رقابة على الأسعار.. والعقوبات غير رادعة
الحدث- فرح المصري
ارتأت الحكومة الفلسطينية أن يكون الحد الأدنى للأجور 1450 شيقلاً في الشهر للعاملين، وأن يكون الحد الأدنى للأجور لساعة العمل الواحدة 8.5 شيقل، وتم سريان القرار عام 2013 رغم معارضة الغالبية له لاعتباره ظالماً وغير منصف، ولا يستطيع تأمين متطلبات الحياة الأساسية.
ومع دخول الشهر الفضيل، وارتفاع أسعار السلع لزيادة الطلب عليها من جهة، ولغياب الرقابة من الجهات المسؤولة من جهة أخرى، تعالت أصوات المواطنين المطالبة بوضع حد لهذا الغلاء، وأجمع محللون اقتصاديون، على أن المواطن يشعر بهذا الغلاء نتيجة أن ربع سكان فلسطين يعيشون تحت خط الفقر، حيث أن معدل خط الفقر للأسرة هو 2300 شيقل في الشهر، وخط الفقر المدقع 1900 شيقل.
وعليه قامت "الحدث" بعمل معادلة بسيطة لاحتساب تكاليف الشهر الفضيل على العائلات الميسورة في فلسطين، باختصار عائلة من أربعة أشخاص تأكل طبخة تحتوي الدجاج يوما بعد يوم، على اعتبار أن سعر كيلو اللحمة 82 شيقلا، والتي لن يكون بمقدورهم شراؤها، وبالتالي سيلجؤون لشراء الدجاج.
وبذلك فإن تلك العائلة ستحتاج إلى 15 دجاجة "حجم متوسط" خلال الشهر بمعدل 300 شيقل بجانب 10 كيلو أرز 62 شيقل، و10 كيلو بندورة طوال الشهر 50 شيقل، 5 كيلو خيار 25 شيقل، 3 رزم خس 15 شيقل، 2 كيلو ليمون 10 شيقل، اسطوانة غاز 65 شيقل والمجموع أصبح يقارب 600 شيقل وإضافة 300 شيقل لوازم أي طبخة خلال الشهر سيصبح المجموع ما يقارب الـ1000 شيقل دون احتساب الحلويات والمشروب، ليتبقى للعائلة 450 شيقل فقط، الأمر الذي يعني استغناء غالبية العائلات عن الدجاج واللحمة وتفضيلهم للعدس وما شابه حتى يستطيعوا قضاء الشهر الفضيل.
رواتب غالبية المواطنين لا تكفي لسد حاجات ربع الشهر
تقول المواطنة سحر (30عاماً): "إن غلاء الأسعار يرتفع نتيجة زيادة الطلب على البضائع في رمضان، فالتاجر يزيد من الأسعار استغلالاً للمواطنين ولا يراعي ظروف معيشتهم الصعبة".
وتشاركها في الرأي منى (35 عاماً): "أنا راتبي 2500 شيقل، وأم لثلاثة أطفال، أنا جوزي متوفي من سنتين، وبعاني من ضائقة مالية شديدة عند اقتراب المناسبات بشكل عام، ورمضان بشكل خاص، يعني أنا عادة ما بعتمد على العزومات عند الأهل لإطعام أطفالي اللحوم، لأني جدياً لا أستطيع تحمل تكلفتها الباهظة".
منار (35 عاماً): "أنا بشوف أنه التجار كثير بتلعب بالأسعار نتيجة زيادة الطلب عليها، وأنا الحمد لله الراتب بكفي برمضان، لأنه أغلب الأيام بنفطر عند أهلي أو دار حماي، أي أنه مش كل يوم بنطبخ".
حنان (30 عاماً): "إن التجار يقومون برفع الأسعار في فترات المناسبات، وشهر رمضان بشكل خاص، لأنهم على يقين أن المستهلكين سيشترون السلع الأساسية مهما وصل سعرها لإضطرارهم عليها، ولكن للأسف رواتبنا ما بتكفي، وبتخلص نتيجة هذا الغلاء من نصف الشهر، حتى التمر الذي يشكل القوت الأساسي للعائلات الفقيرة يرتفع سعره، لكن للأسف لا يوجد رقابة، والوضع على حالة منذ سنوات".
العز للعدس واللحمة بلاها
عدنان (30 عاماً): "أنا راتبي ما بكفي لنص الشهر بالشهر العادي، فكيف بشهر رمضان، الناس بتنوع بالأكل بين اللحمة والدجاج، ونحن ننوع بين العدس والزيتون والزعتر، يعني العز للعدس واللحمة بلاها".
سارة (33 عاماً): "الراتب أكيد ما بكفي في ظل الغلاء اللي بنعيشه، أعمار أطفالي تتراوح بين 12-15 عاماً، ولكني أقوم بمنعهم من الصيام في الفترات "الصعبة" شفقة عليهم من البقاء جياع طوال اليوم، كون المائدة لا تسد جوعهم المستمر منذ الصباح".
حلا (27 عاماً) تقول لـ"الحدث": "أنا مثل الكثير من الناس بستبدل البضائع الفلسطينية بإسرائيلية بالمناسبات لكثرة العروض عليها وأسعارها الرخيصة، وأستبدل اللحم الطازج باللحم المجمد، حتى أستيطيع تأمين احتياج أسرتي الصغيرة، كما أن المواطينين يقومون بشراء الملابس من المتاجر الإسرائيلية لرخصها، ونتيحة قيام بعض التجار الفلسطينين برفع الأسعار بشكل كبير".
إيمان (23 عاماً): "إن غلاء أسعار البضائع الفلسطينية يتحمل مسؤوليته صاحب المحل والحكومة بسبب عدم الرقابة على الحد المسموح للسقف السعري، كما أن أصحاب المتاجر يتعمدون وضع البضائع الإسرائيلية في الرفوف الأولى لزيادة نسبة أرباحهم".
دور وزارة الإقتصاد الرقابي خجول جداً
قال الاقتصادي والمحاضر في جامعة بيرزيت هيثم ضراغمة: "إن السبب الأساسي في زيادة أسعار السلع الاستهلاكية في شهر رمضان هو غياب الرقابة على الأسعار نهائياً من قبل الجهات المسؤولة".
ويضيف ضراغمة: "إن الدور الرقابي لوزارة الاقتصاد بهذا الخصوص خجول جداً، ما يجعل المواطن الفلسطيني عرضة لاستغلال وجشع البعض من التجار".
في ذات السياق، حمل رئيس حماية المستهلك صلاح هنية في بيان له، وزارتي الزراعة والاقتصاد الوطني المسؤولية المباشر عن ضعف الإجراءات تجاه ضبط أسعار وكميات اللحوم الحمراء في السوق الفلسطيني.
عوامل تساعد التجار في التلاعب بالأسعار:
وأشار ضراغمة إلى أن هناك أربعة عوامل تساعد بعض التجار في التلاعب بالأسعار: الكمية والنوعية والوقت والمكان، بمعنى متى أشتري، وكيف أشتري، وأين أشتري، وكمية ما أشتري، وأوضح أن الوعي لدى المواطن الفلسطيني بموضوع المناسبات قليل جداً، فهو ينتظر المناسبات للتبضع، ما يشجع بعض التجار على رفع الأسعار خاصة أن التجار يستوردون البضائع قبل المناسبات بقترات طويلة ما يزيد ربحهم بشكل كبير.
كما أن المواطنين يقومون بشراء كميات كبيرة تفوق احتياجهم خوفا من نفاذ المخزون، وهذا بدوره أيضا يرفع من أسعار السلع والبضائع، علما أن الكميات الموجودة في الأسواق لم تتغير واستهلاك المواطن لم يتغير، وزيادة الطلب مقتصر على بضائع مرتبطة بالشهر الفضيل كالحلويات والسوائل..إلخ، حسب ما أكد ضراغمة.
من جهة أخرى، قال ضراغمة إن الأفراد بطبعها تحاكي بعضها وتختار "التقليد" بأن تتوجه لذات المتاجر لشراء البضائع، "فمكان الشراء" مهم في تحديد أسعار السلع، فإذا تمركزت على جهة واحدة سيكون هناك غلاء في أماكن وكساد في أماكن أخرى.
كما أن الأفراد في بعض الأحيان يبحثون عن البضائع رخيصة الثمن الأمر الذي يدفع التاجر إلى القيام بزيادة سعرها ليفوق رأس مالها وتحقيق ربح 100%، والمواطن يبقى يعتقد أنه حصل على سلع رخيصة وتكون فائدتها أقل وجودتها أقل، حسب ما أشار الخبير الاقتصادي.
العقوبات غير رادعة:
وعن دور وزارة الاقتصاد الوطني، أشار الخبير الاقتصادي هيثم ضراغمة إلا أن غياب أي دور فعلي وملزم للوزارة ساهم في زيادة تلاعب التجار بأسعار السلع والخدمات، وتابع إن تسعيرة البضائع غير ملزمة على التجار وذلك نتيجة خلل في الاطار القانوني من ناحية العقوبات والمخالفات.
وأضاف ضراغمة: "إن العقوبات على التجار "المخالفين" لا ترتقي مع حجم الحدث، وهي عقوبات غير رادعة وتتراوح من 60-100 دينار فكيف للتاجر أن يرتدع؟ لذلك يجب تعديل القانون الفلسطيني بهذا الخصوص".
لماذا نشعر بغلاء الأسعار؟
قال المحلل الإقتصادي هيثم ضراغمة: "إن المواطن الفلسطيني يشعر بغلاء أسعار السلع والبضائع، لأن ربع سكان فلسطين يعيشون تحت خط الفقر 12% والحد الأدنى للأجور في فلسطين 1400 شيقل، بينما معدل خط الفقر للأسر 2300 شيقل، وخط الفقر المدقع 1900 شيكل".
وأضاف ضراغمة: "إن هناك تشابه كبير بين أسعار السلع والبضائع لدينا، ولدى إسرائيل، وهذا ظلم كبير بحق المواطن الفلسطيني، كون معدل دخل الفرد الاسرائيلي يصل لـ 4500 شيقل، الأمر الذي يشكل مفارقة عجيبة في الحد الأدنى للأجور ما يؤدي إلى إرباك الشارع الفلسطيني".
توحيد التسعيرة في فلسطين
وطالب الخبير الاقتصادي بضرورة وضع وتوحيد التسعيرة في فلسطين، جعلها ملزمة على جميع السلع، مع جعل هامش ربح معقول للتاجر، هذا الموضوع سيساعد في ضبط التلاعب بالأسعار وحماية حق المستهلكين.
وهناك ضرورة لأن يتم تعديل القانون الفلسطيني للارتقاء بالقوانين والمخالفات لترتقي بحجم الحدث، ويجب على المسؤولين ووزارة الاقتصاد الوطني بشكل خاص تعزيز دورها الرقابي، حسب ما أشار ضراغمة.
كيف يتجنت المستهلك غلاء الأسعار؟
قال ضراغمة: "إن إدراك المواطنين للأمور الأربعة التي ذكرناها، تساعده في تجنب الدخول في أية متاهات، وتمنع التجار من زيادة أسعار السلع وتجعله يرضخ لرغبة المواطن، فيجب الشراء بكميات معقولة، واختيار النوعيات الجيدة، وعدم انتظار المناسبات واستباقها للتبضع، وأخيراً عدم التركيز على متاجر معينة والتنويع بينهم.
الأسعار في فلسطين أعلى من مستوياتها عالمياً
ويوضح ضراغمة، إن مستويات الأسعار في فلسطين أعلى من مستوياتها عالميا، سواء كانت السلع مستوردة أم محلية، وفي بعض الأحيان وصلت أسعار بعض السلع إلى أكثر من ثلاثة أضعاف السعر العالمي مثل أسعار اللحم البقري الطازج.
ويشير إلى أن التضخم في فلسطين هو "تضخم مستورد" إلى حد كبير، نتيجة اعتمادنا على الأسعار العالمية خاصة الغذاء والوقود، وتحليل التضخم والتنبؤ به يعتمد على متغيرين هما: تكاليف الواردات، ومؤشر أسعار الغذاء العالمي، كون الغذاء يحتل الوزن الأكبر في سلة المستهلك الفلسطيني.
وحول التوقعات المستقبلية للتضخم توقع ضراغمة ارتفاع أسعار المستهلك في فلسطين بالمتوسط بما نسبته 2.2٪ خلال العام الجاري، و1.8٪ خلال العام المقبل.
ويأتي هذا الارتفاع المتوقع في نسبة التضخم انعكاساً للارتفاع المتوقع على تكاليف الواردات التي من المنتظر أن ترتفع بحوالي 2.5 ٪ العام الجاري، حسب ما أشار المحلل الاقتصادي.
في الإطار ذاته، أعدت جمعية حماية المستهلك في وقت سابق رزمة نشرات ومطويات لتوضيح فكرة ترشيد الاستهلاك وسبل تحقيق الترشيد، وناشدت المواطنين لعدم التدافع للشراء، حتى تحقيق استقرار في الأسعار وعدم تقديم مبرر لرفع الأسعار، خصوصاً أن معظم ما يتم شرائه في هذه الأيام يكون تعبيراً عن شهوات ما قبل رمضان.