ها إنَّ يوم الخامس من حزيران عام 67 - والَّذي تعود ذكراه للمرَّة التَّاسعة والأربعين على التَّوالي - ما زالَ ما حصلَ فيه يُدْهِشُنا ويُدْهِشُ الجميع باستثناء إسرائيل الَّتي – وفي الحقيقة – لمْ يُدْهِشْها ما حصلَ فيه يوماً من الأيَّام بما فيه ما قد ترتَّبَ على ذلك من نتائج، وإنْ كانتْ قد تظاهرَتْ بذلك على نحوٍ مُدْهِش في ذلك الحين وحتَّى وقتِ قريب !!.
في كِتابِه "الطُّعم في المصيدة" وهو كتابٌ يتناول فيه شلومو غازيت - منسِّق أعمال الحكومة في المناطق منذ عام 67 وحتَّى منصف عقد الثَّمانينات من القرن الماضي - تاريخ الاحتلال الإسرائيلي ومجرياته ووقائعه، حتَّى الوصول إلى مرحلة انبثاق واقع إدارة السُّلطة الفلسطينيَّة لشؤون الفلسطينيين - في عام 1994 – أولئك الفلسطينيُّون الَّذين ما زالوا في الحقيقة هم وسلطتهم وأرضهم تحت الاحتلال الآنْ.
يتناول شلومو غازيت أسباب ووقائع ومجريات ونتائج حرب عام 67 - وقد كان بالمناسبة وقتها وفي مرحلة ما قبل نشوب الحرب مديراً لشعبة الدِّراسات في هيئة الاستخبارات العسكريَّة – ويقدِّم لنا غازيت روايته على نحوٍ توثيقيٍّ يُفيدُ بأنَّه كان قدْ تقدَّم وبناءً على طلبٍ من وزارة الدِّفاع وفي آذار عام 1967 – أي قبل نشوب الحرب بثلاثة أشهر – بخلاصة تقييم هيئة الاستخبارات العسكريَّة لنتائج الحرب المتوقَّعة، وأنَّ تلك الرُّؤية قد تضمَّنت وبناءً على معطيات تناولتْ دراسة أوضاع الجيوش العربيَّة على كافَّة الجبهات وكذلك دراسة الأوضاع الاجتماعيَّة المعيشيَّة والاقتصاديَّة والسِّياسيَّة لكلٍّ من الضِّفة الغربيَّة وقطاع غزَّة تحديداً؛ بأنَّ تلك الحرب ستكون في غاية السُّهولة وستحسمها إسرائيل في ساعات قليلة. وبناءً على ذلك كان من الضَّروري تقديم رؤية شعبة الدِّراسات في هيئة الاستخبارات لآفاق الحل السِّياسي بعد الحرب، ويشرح شلوم غازيت ذلك بالتَّفصيل في فصولٍ مختلفة من كتابه. وبذلك فإنَّ غازيت ينفي وبمنتهى الصَّراحة أنَّ إسرائيل كانتْ مُنْدَهِشَة من وقائع ونتائج حرب الأيَّام السِّتة عام 1967.
نجدُ ذلك – وعلى سبيل المثال لا الحصر - واضحاً أيضاً في فصول وسياقات وملاحق كتاب " أسياد البلاد.. الاستيطان في أرضِ إسرائيل منذ عام 67 وحتَّى عام 2006" لعوديت رازينطال ؛ وهو كتابٌ يتناول دوافع ودراما الاستيطان وفق منهج التَّحقيقات الصَّحفيَّة وإجراء اللِّقاءَات مع زعماء وروَّاد حركة الاستيطان وأعضاء غوش إيمونيم ومجالس المستوطنات، ووفق منهج البحث الَّذي يستند إلى الوثائق الرَّسميَّة ومحاضر اجتماعات الحكومات الإسرائيليَّة المتعاقبة، وأرشيف قراراتِها الرَّسميَّة؛ حيث نجد في واحدة من ملاحق الكتاب والوثائق التي تمَّ العناية بمناقشتها، مُلْحَقاً تحت عنوان: ( سرِّي للغاية ) وهي وثيقة تمَّ إعدادها وتقديمها في أواسط شهر حزيران من عام 67 – أيّْ بعد انتهاء الحرب بأيَّام قليلة !! – لوزارة الدِّفاع وللحكومة الإسرائيليَّة، من قِبَلِ مجموعة من الجنرالات وعلى رأسِهِم الجنرال " دافيد كمحي " وهو أحد الجنرالات الَّذين خطَّطوا للحرب وقادوا جبهاتِها، حيث يعرضون في تلك الوثيقة أو المذكِّرة الرَّسميَّة حقيقة تقديرهم للموقف فبل الحرب وبعدها وضرورة استثمار نتائِجها في صياغة حلٍّ سياسي يُديم الاحتلال مع إعطاء الفلسطينيين بعض حقوقهم السِّياسيَّة، ضمن صيغ تُصنِّفُ وتقسِّمُ مناطق السَّيطرة الخاصَّة بكلٍّ من الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين، وفق صيغٍ يتمُّ الاتفاق حولها مع ممثِّلي الفلسطينيين فيما بعد. وفي الحقيقة فإنَّنا نجدُ ونرى ملامح تلك الخطَّة والمُذَكَّرة بادية واضحة في الصِّياغات الَّتي أصرَّت عليها إسرائيل أثناء المفاوضات مع الفلسطينيين في أوسلو والقاهرة وشرم الشِّيخ إبَّان التسعينات من القرن الماضي، والَّتي أفضى عن نتائِجها ما نراه الآن !!.
بكلِّ الأحوال، يتضِحُ أنَّ الدَّهشة التي أبدتها إسرائيل تجاه نتائج حرب 67 لم تكُنْ في الحقيقة سوى تظاهراً في محاولةٍ دائبة لاستثمار نتائج تلك الحرب بأقصى فاعليَّة وبأكثر كفاءَة كما رأينا حتَّى الآنْ، فيما نواصلُ نحنُ اجترار دهشَتِنا وفجأةِ فاجِعَتِنا !!.