اللعبة السياسية تجري في أكثر من ملعب، سواء على الصعيد الإقليمي أو الصعيد الدولي، فالإسرائيليون لهم لعبتهم الممجوجة المكررة والتي لها عدة أوجه يجمعها شيء واحد، وهو الخداع الذي يجري استخدامه منذ قيام دولتهم... واستشهاداً على ذلك ما أورده ضابط الاستخبارات الأمريكية الذي كان مسؤولاً عن محطة الأردن قبل وبعد حرب الخامس من حزيران، وكان قريباً من الملك حسين مدة طويلة، وبنتيجة عمله وبعد أن تقاعد من الخدمة ألف كتاباً بعنوان "مستشار الملك" بين فيه حقائق دامغة تشير إلى أن الملك حسين كان قد بذل جهوداً كبيرة من أجل استعادة الضفة الغربية مقابل سلام ثنائي واعتراف بإسرائيل (يشير المؤلف إلى أن عبد الناصر كان قد سمح للملك بأن يفعل كل ما يستطيع من أجل استعادة نصف المملكة آنذاك...)، كما يشير المؤلف إلى أن الإسرائيليين كانوا يلعبون مع الملك لعبة تقطيع الوقت وإيهام الأمريكان "رعاة تلك المفاوضات" بأنهم يتفاوضون من أجل الحل، وهم برأي المؤلف كانوا يمارسون الخداع. أين نحن من تلك المواقف؟ إنهم يكررون نفس اللعبة والخداع حتى اليوم. تصوروا أن "ليبرمان" إياه بدأ يمارس ذات الخدعة قبل أيام عندما أبدى موافقته على المبادرة العربية! أما نتنياهو فقد لحق بركب المخادعين الكذابين عندما صرح بأن هناك نقاطاً إيجابية في المبادرة العربية العتيدة، وحبذا لو أعلن ما هي النقاط غير الإيجابية؟!
إلى هنا ونتوقف أمام صفحة من صفحات الخداع الإسرائيلية المزمنة لننتقل إلى ما يسمى بالمبادرة الفرنسية التي يجري إخفاء ملامحها ولا يظهر منها سوى لقاءات تمهيدية بغياب الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، دون رسم خارطة للتحرك اللاحق ولا عناصر المبادرة، سوى وعود بأن الفرنسيين سوف يعترفون بالدولة الفلسطينية في حال رفض الإسرائيليون أفكار الفرنسيين بعد التدخلات الأمريكية والأوروبية. لن أجازف بالقول إن لا مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين سوف تجري بعد تلك التحركات، ولكنني أجازف بالقول إن الإسرائيليين أخذوا "بالمبادرة" الفرنسية لن يقدموا أكثر مما قدموا في اتفاقات أوسلو أو في محادثات كامب ديفيد في تموز عام 1970، وهي نتائج بائسة لم تصل إلى الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وها هي النتائج أمامنا.
وفي إطار أوراق اللعبة تجري الآن إعادة إحياء الحديث عن المبادرة العربية (للتلاقي مع الأفكار الفرنسية) دون الأخذ بالاعتبار الألغام التي تحملها تلك المبادرة وأخطرها ربط حق العودة للفلسطينيين اللاجئين بالتوافق مع الإسرائيليين "حل متفق عليه" ومع الطرف الذي يرفض عودتهم، لا بل يطالب الضحية بالاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية!!
بعض الخدع الإسرائيلية التي تلاقي الحديث عن المبادرة العربية تقول بأن الإسرائيليين سوف يطلبون من الأطراف العربية أن تعترف بإسرائيل وتقوم بتطبيع العلاقات معها قبل أو أثناء التفاوض وقبل الوصول إلى نهاية المفاوضات، وماذا يعني ذلك سوى أن إسرائيل سوف تقبض التطبيع والاعتراف "العلني" وبعدها تقول للفلسطينيين وداعاً لحقوقكم، وبلغة الشطرنج "كش ملك" ولن يفيد هنا الحديث عن تبادل أراضي محدود أو في الضرورة، لأن المحتل يعلن أنه لن يتخلى عن ضم القدس أو المستوطنات أو التخلي عن خططه الشيطانية في ضم أغلب مناطق الضفة الغربية والمعابر والسيطرة على الموارد المائية والأجواء الفلسطينية والتمسك بسيطرته الأمنية.. إنها لعبة خداع جديدة على ظهور العرب والفرنسيين والعالم!!
في مواجهة كل ما سبق نحن الفلسطينيون نملك الورقة الأقوى، وهي ورقة التمسك بحقوقنا ولا نساوم عليها وعمادها بناء جبهتنا الداخلية دون إضاعة المزيد من الوقت ودون العيش على الأوهام والسباحة على شبر ماء، والمدخل لذلك هو إنهاء الانقسام، الجرح الغائر في الجسد الفلسطيني، والعودة إلى الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ومشاركة الجميع ببناء مؤسساتهم الرئاسية والتشريعية ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، ومن على هذا البنيان الوطني الموحد نخوض كل أشكال النضال الوطني ونجري حركتنا السياسية مع أشقائنا العرب ومع العالم. نحن أصحاب الورقة الرابحة وما عدا ذلك فهو هراء...