الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قصص قصيرة شِبه حقيقية/ بقلم: طارق عسراوي

2016-06-08 11:32:50 AM
قصص قصيرة شِبه حقيقية/  بقلم: طارق عسراوي
طارق عسراوي

 

صديقي الذي يصحو صباحاً ليرى في " صوْر " وجه عكاه المتخيّلة - حكاية جدته ربما - ويجوب ليل بيروت ليذرف على خدها لحن الانتظار، ويسهر معها على حافّة وتر عودٍ نبتَ يابساً على أطراف المخيّم فسقاه ماء الحنين حتى اخضرَّ،  وصار شجيّاً، يبحثُ عن رحلة لجوء إلى بلاد الثلج لتمنحَهُ حظّاً فردياً في لقاء محبوبته على مقهى يقدّم القهوة للعائدين ولو سيّاحاً قرب وقف الجزّار!

حين امتلك جواز سفر يصلح لكل الدنيا الا ذلك المقهى، بكى وغنّى لصورَ مثل أمٍّ تحضن حفيداً لتشمّ فيه رائحة ابنها الشهيد!

***

تلك الفتاة الجميلة التي كانت تَلُفُّ على كتفيها كوفيّة في كلّية الهندسة، كلّما احتفلنا في الحرم الجامعي بكل مناسبة فلسطينية، عرفت بقلب الأنثى أنّها باتت أقرب من أي وقت مضى - منذ كان جدها شابا - من تلك البيارات التي بكاها جدها حتى جفَّ فيه الحنين، ما أن التقت في كفتيريا الجامعة بشاب تميّزه لكنة اهل المثلث عن سواه من زملائها.

أذكُرُ كيفَ أشهرا خطبتهما يوم احتفالنا بالتخرّج من المرحلة الجامعية الأولى، وكيفَ ارتسمت على وجهها ابتسامة الرضا حين زرتهما في قرية الطيبة وقدما لي ابنتهما الصغيرة التي سمّياها عمّان !

***

لم تكن تجيد اللغه العربية. التقيتها في أحد مقاهي رام الله، تبادلنا كأي غريبين الحديث بانجليزية محايدة، وبشكل مفتعل أوقدنا حميميّة مبالغة في لقائنا الثاني، وهكذا حتى بتنا  صديقين تحتفظ لنا المدينة في صندوقها الأسود بذاكرة حميمة.

في ليلة من ليالي شباط العام ٢٠٠٥، وكان المطر ما زال يغسل عينيّ البلاد من أثر الإطارات المشتعله قالت : حين أوصاني أبي المولود في غرب رام الله، أن أزور هذه البلاد ترددت سنوات قبل أن أنفّذ وصيته، كانت تخيفني نشرة الأخبار وتزيد من المسافة التي تفصلني في أوهايو عن تذكرة الطائرة، لكنني اليوم أعرف أنني سأخبرك في كل صيف عن موعد قدومي.

قبل عام تقريبا، شاهدتها في صورة منشورة في موقع اخباري يتحدث عن متضامنين أجانب يتظاهرون في قرية نعلين.

***

لم يكن يخطر ببال منجمي الأرض، ولا عرافيها ولا غيرهم، أن تلك  المرأة على وجه التحديد سوف تلد ولدا في الضفه الغربية !

هي التي ولدت في مخيّم اليرموك، وترعرعت تحت كل لافتات دمشق وشعاراتها، ضاقت بها دمشق، وصغر فضاء اليرموك الواسع على جناحيها من اكتظاظ الطائرات، وفي ليلة هادئة بعد بحر طويل، وقوارب تبحر بانتظام نحو النجاة من اليأس ولو غرقاً، بدّلت حرفين لاتينيين في اسمها في مركز استقبال اللاجئين النرويجي، فلم تسترشد قارّة أوروبا كلها على المطار الذي ولجت من خلاله إلى طلب اللجوء فالجنسيّة!

بعد أن اجتازت جسر الشيخ حسين عرفت أن زواجها من قريب ينتظرها في نابلس سيعيد للروح شيئاً من بريقها، فكم مرّة سمعت والدها وهي تسير إلى جواره في سوق البزورية القريب من المسجد الأموي في دمشق وهو يقول لها : يوجد بين نابلس ودمشق تشابه ما كالذي ورثتِهِ من أمّك !