يقول النفري: "بين النطق والصمت، برزخٌ فيه قبرُ العقل، وفيه قبور الأشياء".. لا شك أننا ندرك أن اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة، كانت مجرد حلم أفلاطوني كامن في أعماق النفس البشرية، لم ولن تتحقق في هذه الحياة التي اتيناها عرايا وسنرحل منها كما اتينا.
في رام الله ودون تعميم، تنظر للصورة تجد فيها الكثير من الألوان المتداخلة، هنا شخص، يحمل اخلاقه ويسير بها، وهناك آخر لا اخلاق لديه ولم تكن يوماً إحدى صفاته، وثالث ورابع، وصولا إلى أنك لن تجد من ينزعج من مثل هذا التداخل الفلكلوري في مجمله، خاصة وهو يأخذنا إلى واحدة من أهم ميزات شعبنا الفلسطيني منذ خمسين عاماً تقريبا، ألا وهي ميزة التنوع الثقافي جراء الانتشار الفلسطيني في الداخل والخارج.
الإشكال الحقيقي ليس في هذا التنوع، ولكن في الاحساس المتنامي لدى كثيرين بتراجع مفاهيم الأخلاق العامة التي تردت في نواحٍ شتى من الحياة. في السياسة كما في الاقتصاد والاجتماع، والأهم والأخطر في الثقافة.
حينما نقول في الثقافة، فنحن حتماً نتحدث عن كتاب المقال، الشعر، القصة، الرواية، الفن، الصحافة، الرسم، إلى اخر قافلة المبدعين، الذي لا يوجد بينهم من ينكر وجوده الفاعل والبارز في لعب الدور الوطني إن توفرت الطاقات وخلصت النوايا، وهنا مربط الفرس.
"النوايا" تلك التي بات من الملفت للنظر، أن البعض منا لا يملك إلا سوأتها، لا لأن حسنها ليس حاضرا، وإنما لأنه لا يريد منها لا حسناً ولا سواء إلا لذاته الأنا الأنانية، في حين أن التجسير بين النوايا الحسنة والنوايا السيئة، سهل، لان الفرق بين النقد والتفكيك، فرق بسيط جدا، ويتداخل بعضه لشدة تشابهه في كثير من الأوقات.
لحسن الحظ أو سوئه لا أدري تماما نصطدم احياناً بشخصيات كاريكاتورية مريضة نفسياً، ممن استفادوا وما زالوا من التطور التكنولوجي ليرتدوا اقنعة لا تشبه وجههم، يحاولون من خلالها تعويض النقص الموجود بحياتهم الواقعية، عبر الاساءة تلو الأخرى لزملاء لهم، لا لشيء سوى الغيرة والحسد والخوف، وربما المرض وتداعياته المقلقة خاصة على صعيد الأنوثة حيناً، والذكورية أحياناً وأحيانا.
كل ذلك تحت مسمى الأدب، والأدب منهم براء، جاهلين أو متجاهلين أن ممارسة الفعل الأدبي ليس تفجيراً فلسفياً أو كلاماً مزركشاً وربما منافقاً في أغلب الاحيان، كما يفعل بعض الفارغين من أي مضمون يذكر، ولكنه إن لم يكن فعلا أدبياً تكسوه الأخلاق فهو حتماً سيؤدي عاجلاً ام اجلاً إلى فقدان الهوية والاحترام، تلك الصفات التي تميزنا نحن العرب عن سوانا من العرايا، والعُري هنا عُريٌ من كلِ أدبٍ وأخلاقٍ وتربية، فيا أصحاب "الأدب ومدعيه إن الأدب ليس مسألة حسابية وإنما الأدب مسألة أخلاقية، والأدب والأخلاق صفات لا يمكن أن تتوفر إلا من المنبع، فكن لمشهدك واصدقائك وزملائك ومنبعك سفيراً للنوايا الحسنة، لا لنواياك السيئة.