أحسن صنعا رئيس الوزراء بلقائه وعدد من وزراء الإختصاص ومن في حكمهم في القطاع الإقتصادي، وكبار موظفي هذه الوزارات يوم الأحد الموافق الخامس من حزيران، مع رؤساء وممثلي مؤسسات القطاع الخاص وما يناهز مئتي رجل وسيدة أعمال، للإستماع الى هموم وقضايا ومطالب وتظلمات المشاركين، في كل ما له علاقة بالتحديات والتعقيدات والمشاكل الناتجة عن عدم التفاعل والتجاوب الكافي من هذه الوزارات، والحكومة ككل في تمكين القطاع الخاص من حقوقه المالية والسياساتية والتشريعية والإدارية. وأحسن صنعا رئيس الوزراء باستجابته لاقتراح تحويل هذا اللقاء الى منتدى دوري، تطرح فيه القضايا وتتم مراجعة التقدم في حلحلتها ما بين الإجتماع والذي يليه، إضافة لاقتراحه تشكيل لجنة تنسيق دائمة لمتابعة القضايا التي تطرح في هذا المنتدى الوليد.
بعيدا عن كم الهموم والمشاكل والتظلمات التي طرحها القطاع الخاص في كافة المجالات تقريبا، وعلى رأسها العلاقة مع وزارة المالية، يهمني في هذا المقال تسليط الضوء على جملة شجون القطاع الخاص بما يتعلق بالطاقة المتجددة، والتي فرضت نفسها على أجندة الاجتماع المذكور، خاصة في ظل التناقض القائم بين شعار "الإستقلال الطاقي عن إسرائيل" عبر الطاقة المتجددة، الذي ترفعه السلطة الفلسطينية، وواقع تكريس التبعية على أرض الواقع، نتيجة للسياسات والتشريعات والقرارات التي تصدر عن القطاع العام بشأن البيئة الإستثمارية وإجراءات ترخيص وتشغيل مشاريع الطاقة المتجددة، وربطها بشبكات توزيع الكهرباء المحلية.
ولمن فاته الأمر، فقد أصدرت السلطة الوطنية استراتيجيتها للطاقة المتجددة عام 2012 لمدة 3 سنوات، ومن ضمنها مبادرة الطاقة الشمسية، بحيث يتم ترخيص أنظمة توليد كهرباء بالكاقة الشمسية لألف منزل حتى عام 2015 بقدرة 5 كيلو واط ساعة لكل منها، وشراء الكهرباء المولدة منها بأسعار تفضيلية، إضافة الى توليد ما لا يقل عن 130 ميغا وط ساعة من مصادر الطاقة المتجددة الأخرى حتى نهاية عام 2015. للأسف الشديد، فقد تمخضت الخطة عن إنشاء قدرة توليد كهرباء تقل في مجموعها عن 6 ميغا وط ساعة، لأسباب عديدة أهما إحجام القطاع التجاري والصناعي عن الإستثمار نتيجة لغياب الإطار القانوني الناظم، ومعارضة معظم موزعي الكهرباء لربط الأنظمة على شبكاتهم، وعدم التدخل الإيجابي من السلطة الفلسطينية لتهيئة البيئة الإستثمارية. إضافة الى ذلك، لم يستفد من المبادرة أكثر من 20% فقط من المنازل، نتيجة لمعارضة موزعي الكهرباء وتقاعس السلطة (كما تدعي بعض شركات توزيع الكهرباء) عن تعويضها بالفرق بين سعر الشراء من إسرائيل وسعر الشراء من هذه المنازل، وصعوبة شروط منح التسهيلات المصرفية لمثل هذه المشاريع.
لاحقا، وعلى الرغم من النتائج المخيبة للآمال في مجال تنفيذ الإستراتيجية الوطنية آنفة الذكر، قامت السلطة الفلسطينية بتحديث هذه الإستراتيجية، بحيث أعلنت عن رفع سقف اهتمامها بالسعي الى توليد ما لا يقل عن 240 ميغا وط في الساعة (أي 25% من خليط الطاقة الكلي في فلسطين)، من الطاقة المتجددة بحلول عام 2020. وبقدر ما أثلج صدورنا هذا التوجه المحق، وبقدر ما كنا وما زلنا نأمل بأن يتم فتح المجال للإستثمار الواسع في الطاقة المتجددة للتخفف من الإعتماد المتزايد على إسرائيل، إلا أن هذه الأهداف الهامة معرضة للحاق بسابقتها، ما لم تبادر السلطة الى تدارك الموقف والشروع جديا في إصلاح البيئة الناظمة لهذا القطاع، والتي يأتي في مقدمتها إعادة النظر في السياسات والتشريعات والقرارات، والطاقة السلبية التي تميز تعاطي سلطة الطاقة مع مطالب وهموم وشجون القطاع الخاص، في سعيه للإستثمار المجدي في هذا القطاع.
لقد أعلن رئيس الوزراء خلال اللقاء المشار اليه مع القطاع الخاص، بأن السلطة الفلسطينية مهتمة جدا بتنمية قطاع الطاقة المتجددة، وأن لديها توجها صادقا للشراكة مع القطاع الخاص وممثليه، من أجل تنفذ مشاريع كبيرة في هذا المجال، بما في ذلك تنفيذ عطاءات حكومية لبناء محطات توليد بقدرة إجمالية لا تقل عن 160 ميغا وط ساعة خلال الفترة القربية القادمة في الضفة الغربية (أي أكثر من 20% من حاجة الضفة الغربية)، مما يؤذن ببدء مرحلة التقليص التدريجي لاعتمادنا على إسرائيل في التزود بالطاقة الكهربائية.
من واقع تجربتنا الحية، فإن تحقيق طموحات رئيس الوزراء المعلنة خلال الإجتماع المشار اليه في مجال الطاقة المتجددة، يستدعي من رئيس الوزراء شخصيا قيادة انقلاب جذري في الموقف الرسمي من بيئة الإستثمار في الطاقة المتجددة، وتوجيه كل من سلطة الطاقة ومجلس تنظيم قطاع الكهرباء للإنفتاح والتجاوب والإنسجام مع هذا التوجه، قولا وعملا. وقد يكون من المفيد في هذا السياق، مبادرته لتشكيل مجموعة عمل من كافة الأطراف بما فيها ممثلين عن مكتبه، وسلطة الطاقة ووزارة الإقتصاد الوطني والاتحاد العام للصناعات الفلسطينية واتحاد صناعات الطاقة المتجددة وموزعي الكهرباء، وتكليفها بمراجعة القضايا والتحديات والمعيقات التي تحول دون النمو السريع لهذا القطاع، ووضع المقترحات الخاصة بإصلاح البيئة الإستثمارية وتفعيلها وتطويرها وتنميتها.
ولأغراض عملية، أقترح على رئيس الوزراء ان تتضمن أجندة عمل هذه المجموعة بلورة اقتراحات محددة على مستوى السياسات والإجراءات والتشريعات الحكومية، والحوافز الخاصة بالإستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، وتنظيم ورقابة عمل شركات توزيع الكهرباء في هذا المجال، وآلية إحالة العطاءات الحكومية في هذا المجال، وبلورة خطوط عريضة لأجندة وطنية للطاقة المتجددة قائمة على الشراكة الحقيقية بين كافة الأطراف، إضافة لاقتراح تدخلات حكومية لتفعيل وتعزيز مجلس تنظيم قطاع الكهرباء، وتمكينه من العمل باستقلالية كاملة عن سلطة الطاقة، كجهة رقابية ومنظمة لقطاع الطاقة المتجددة.
إن ريادة فلسطين في مجال الطاقة المتجددة ممكنة لما حباها الله من مزايا مناخية شبه مثالية للإستثمار في توليد الكهرباء من طاقة الشمس تحديدا، ومفيدة لأهميتها الإقتصادية، حيث من المتوقع أن تسمح الإمكانات الفنية لشبكات توزيع الكهرباء لاستيعاب استثمارات لبناء محطات توليد بقدرة إجمالية لا تقل عن 350 ميغا وط ساعة، أي ما لا يقل عن استثمار 500 مليون دولار أمريكي، تمكننا من تقليل اعتمادنا على إسرائيل بحوالي 70 مليون دولار سنويا، وخلق الاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وتحقيق دخل وطني صاف بحوالي مليار دولار خلال فترة إنتاجية هذه الأنظمة.
وأخيرا، فإن ريادة فلسطين في مجال الطاقة المتجددة واجبة أيضا لأهميتها السياسية في مجال الانفصال التدريجي عن إسرائيل. ولا يتأتى كل ذلك إلا بالإنفتاح الكامل من قبل السلطة الفلسطينية على التجارب المحيطة، والتعلم منها لتطبيق الأفضل منها في فلسطين.