49 سنة مرت على هزيمة 5 حزيران 1967 (النكسة) وكان من نتيجتها احتلال ما تبقى من الأرض الفلسطينية التي كانت في عهدة الدول العربية ( الأردن ومصر) واحتلال مساحات واسعة من أراضي دولتين عربيتين هما مصر وسوريا.
قبل النكسة الهزيمة بعام واحد تأسست منظمة التحرير الفلسطينية وانطلقت حركة فتح عام 65 وتحولت حركة القوميين العرب إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكان هدف المنظمة والحركات الفلسطينية تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، واتخذت من الكفاح المسلح طريقاً ومنهاجاً للتحرير. وجاءت النكسة وهزيمة الأنظمة العربية أمام إسرائيل لتعطي حركة المقاومة الفلسطينية زخماً ومداً جماهيرياً كتعويض عن الهزيمة وأملاً في استرداد الكرامة المهدورة للجيوش العربية في سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة.
وسيطرت ثقافة الهزيمة للأنظمة الرسمية التي رفعت شعار إزالة آثار العدوان كبديل لشعار تحرير فلسطين. وفي ظل هذه الأجواء عاشت المقاومة الفلسطينية وشرعت في مواءمة برامجها السياسية مع الواقع العربي الذي بات يعترف بإسرائيل كأمر واقع فأقرّت برنامج السلطة الوطنية على أي جزء من الأرض الفلسطينية إلى أن وصلت اليوم إلى حل الدولتين، دولة على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 (الضفة وغزة) وعاصمتها القدس الشرقية ودولة إسرائيل مسقطة بذلك هدف تحرير كامل التراب الفلسطيني.
واليوم تمر ذكرى النكسة في ظل حراك سياسي إقليمي ودولي حول القضية الفلسطينية التي تراجع الاهتمام الدولي بها نظراً لما تشهده المنطقة من زلزال هزت أركان دولها حتى باتت وحدة أراضي كل دولة من هذه الدول موضع تساؤل وبات الحديث عن تسوية إقليمية بين إسرائيل وبعض هذه الدول هو هدف الحراك الدولي والإقليمي بعيداً عن تسوية قضية فلسطين. إلى أن جاء تصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن السلام البارد مع إسرائيل لا يمكن أن يصبح دافئاً ما لم يتم الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية يقوم على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية في حدود الرابع من حزيران 1967. كما أحيت المبادرة الفرنسية الآمال لدى الشعب الفلسطيني بأنّ قضيتهم ما زالت على الأجندة الدولية رغم انشغال العالم بحربه ضد الإرهاب والتطرف.
وما لا يبشر بتقدم على صعيد المبادرة الفرنسية بوجود حكومة يمينية في إسرائيل والأكثر يمينية منها هو رئيسها بنيامين نتنياهو وليس ليبرمان أو بنيت ،فرئيس الحكومة الإسرائيلية ليس في وارد القبول بأي تسوية أو مبادرة سواء كانت فرنسية أو مصرية أو عربية، وإذا قبل بالمبادرة العربية أو الفرنسية فإنه يقبل بها بشروطه التي تفرغ أي مبادرة من جوهرها القائم على إقامة دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين حلاً عادلاً وفق القرار رقم 194.
ويبدو أن نتنياهو معني بالمبادرة العربية بعد تعديلها ليصل إلى حالة من التطبيع مع الدول العربية بعيداً عن الهدف الرئيسي للمبادرة العربية المشار إليه آنفاً، وليس أمام الرئيس أبو مازن غير أنه يؤكد تمسكه بالمبادرة العربية ولكنه في الوقت نفسه يرفض أي تعديل على هذه المبادرة التي أثرت في قمة بيروت عام 2002 لا يكل أو يملّ من التأكيد أن السلام في المنطقة يجب أن يقوم على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية دون تعديل ومرجعيات عملية السلام. وفي ذلك يضع الضوابط على المبادرة الفرنسية التي يتخوف منها البعض وعلى ما يمكن أن تذهب إليه بعض الدول العربية التي ترى أن أخطاراً مشتركة تتهددها هي وإسرائيل في تلميح غير مبرر لإيران.
إن ظروف النكسة لا زالت تخيّم على الأجواء العربية رغم مرور قرابة نصف قرن على الهزيمة ورغم حرب أكتوبر وما سجله المقاتل العربي من بطولات وتضحيات في تلك الحرب وما سطرته المقاومة الفلسطينية من صفحات ناصعة من الصمود والتضحية والبطولة في تلك الأعوام الخمسين.
وما تشهده المنطقة العربية اليوم أشد وطأة واكثر مرارة من نكسة حزيران 1967 فسوريا والعراق وليبيا واليمن في مهب الريح وعرضة للتقسيم والفتنة الطائفية والمذهبية والعرقية. ومصر التي تحتضن القضية الفلسطينية منذ نكبة عام 1948 تتعافى ببطء من أوضاعها، وكل ذلك يعكس نفسه سلباً على القضية الفلسطينية ويضع أعباء ثقيلة على القيادة الفلسطينية لتبقى القضية الفلسطينية في مركز الاهتمام العربي والدولي وتحافظ على الثوابت الفلسطينية التي تتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وحتى العودة وفق قرارات الشرعية الدولية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.