لـ الشاعر: أنور الأسمر
وأنا عائد من زيارة نفسي القصيرة
ومسافرٌ
في حقيبتي ريح
ومعي حاضرٌ قلقٌ
يُثير الوقتَ في جسدي ويشعله
فلا ينطفىء حاضرٌ قلقٌ في جسدي
ولا يحيل الوقت إلى رماد
معي قلبٌ مريضٌ بالحنان
أذكى من الغياب
وأغبى من الحنين
التقيت الخريف بين دمعتين وقال لي:
لماذا فتحت النوافذ لعصافير الربيع
كي تطير من ساقيك؟
قلت له: لا ورق على غصونك لتنسج العواطف عُشها
وجسمي ورائي ساحة لترويض خيل الانتظار
قال: ماذا بعد زيارة نفسك؟
قلت له: أنا مسافرٌ
أفتش عن الحقيقة في الخريف
ربما تأخذني الريح خارج الجنوب
أو خارج الشمال
ربما خارج الشرق وخارج الغرب
ربما تجمع الشرق والغرب في جهة
وتُضَيِّع خطوتي
ربما أصعد ربما أهبط
ربما تنثرني في مكاني
ولكن لا أحد يراني
قال لي الخريف: ماذا تعلمتَ بعد الخريف؟
قلت: تعلمتُّ الشوق والانتظار
ولا حكمة في العاطفة غير العاطفة
حدثني عن الشوق – قال
- للشوق ظلٌ يُضاعف الدمعة في المرآة
وللدمعة ظلٌ يحاور على جفني ما يرتدُّ من الصدى
فأنامَ بين الظلين وأنظرَ في السماء
وأسأل:
هل أنا حيٌّ لأدلَّ البرق في صدري على غيمة
وأظفرَ بالماء؟
أم أنا ميتٌ لأوَدِّع أسئلتي
وتُشَيَّعني ذكرياتي؟
وللشوق روح
يتمشَّى في عيوننا
يخبز دمعنا ويأكلُه
ويصير حارساً وفيّاً لأيامنا
كي لايسرقَ الوقت مِنّا صورة
ويقفزَ خارج المرآة.
وللشوق فارسٌ يقود الليل
إلى ركبة المشتاق
ويُدَلِّكه بالذكريات
يتسلل كالولد الصغير إلى فراشنا
ونرضعه حكايات عن أحبتنا الغائبين
ولا ينام
فيطلب منا المزيد حتى يمتلئَ السرير
بالدمع والحكايات
فيكبرَ دفعة واحدة
ويوقدَ الليلَ فوق السرير ليصهرَ كل الجهات
ويجمعها في جهة واحدة
تحمل من دموعنا
وتدخل في عروقنا مرحلة المخاض
فتنجبَ قلقاً وخوفاً
وأسئلةً تكبر فجأة
تتكاثر فينا وتعيدَ حملنا ليصير الشوق وليَّ أمرنا
ونصيرَ أولاده الأشقياء
قال: حدثني عن الانتظار
نجُسُّهُ بدمعنا ويشرب من وقتنا
يُجَدّدُ نفسه
ويَتسرَّبُ كشيطانٍ إلى شراييننا
يُوسوس لنا لنسلِّم أرواحنا إلى خدعة الوقت
ونُسلمه قرابين أجسادنا طائعين
يعرفُ ضعفنا ويأكل لحمنا
ويعيش فينا
الانتظار بحيرة السراب التي تسرق أنفاسنا
ونحن نمشي إليها
لنسقي أوقاتنا أملاً ونُعجلُ خطوتنا قليلاً
ليقترب الأفق قليلاً
الانتظار قمرٌ يَهلّ من دمعنا
لنكمله بطيف المنتَظر
الانتظار طفل يرضع خطانا
ويلاعبنا بالأمل
هو سكين الخيال الذي يقطع الطريق
حين تَلتفٌّ حول أعناقنا
هو الطائر الذي يتبع صدى أصواتنا في الريح
ليأتي بقميص اللقاء
ويرتدَّ إلينا البصر
قال الخريف: ماذا وجدت في السفر يا مسافر؟
قلت: كل شيء على حاله
شارع يئن من سياط الانتظار
ليل مخنوق بالصور
نهارٌ مُقَنَّعٌ يخفي وجوه الأصدقاء
قصيدة مأسورة داخل مرآة الذكريات
كل شيء على حاله
أسكن الأمس واليوم لم يصل بعد