الحدث- فرح المصري
الناظر إلى ما خلفته آلة الحرب الإسرائيلية من دمار هائل لقطاع غزة، لا يرى سوى أنقاض منازل مهدمة وسيارات محطمة وأشجار اقتلعت من جذورها، كما اقتلعت أحلام الشباب الحائرة بحثاً عن المجهول في ظلمات البحر من مكانها.
ثمانية أعوام من الحصار الجائر على القطاع، شهدت ثلاثة حروب إسرائيلية على القطاع المحاصر، أدت مجتمعة إلى تدمير البنية التحتية والاقتصاد، وزيادة البطالة بين الشباب بشكل كبير لم يعهد القطاع مثيلاً لها في السنوات السابقة، الأمر الذي أدى بالعديد من الشباب إلى البحث عن ملجأ يهربون إليه لعلهم يجدون ما تبقى من الحلم الذي دمرته آلة الحرب والحصار.
لم يمضِ شهر على انتهاء العدوان الهمجي على القطاع، حتى سارع مئات الغزيين إلى الهجرة إلى القارة الأوروبية، معتقدين أنه الأمان والمستقبل المشرق، والمنقذ للحلم المدفون، لعلهم يجدون فرص عمل وحياة أفضل، لكن سرعان ما تحول هذا الحلم إلى كابوس لأهالي القطاع الحزين، نتيجة غرق أكثر من قارب يحمل مهاجرين غزيين وسوريين، الأمر الذي أدى إلى قضاء معظم من فيها.
وفي الوقت الذي لم ينتهِ فيه أهالي غزة من حصر شهداء العدوان وجرحاه، حتى باتوا يحصون عدد من فقدوا جراء الهجرة إلى المجهول.. من جرح إلى آخر.. ومن مصيبة إلى مثلها.
في هذا السياق، قال المحلل الاقتصادي ماهر الطباع: "إن قطاع غزة يعاني منذ 8 سنوات من حصار خانق وإغلاق لكافة المعابر، كما تعرض خلال تلك الأعوام إلى ثلاثة حروب أثرت على الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير". مضيفاً أنه قبل الحرب الأخيرة والقطاع يعاني من معدلات بطالة عالية، وصلت إلى 45% في الربع الثاني من عام 2014، وأصبح هناك 200 ألف عاطل عن العمل".
وتابع: "سعى العدوان الأخير على القطاع إلى استهداف المنشآت الاقتصادية، والأراضي الزراعية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسب البطالة لتصل إلى 55%. كل هذه الأمور أجمع تعمل على إحباط الشباب ودفعهم للهجرة".
هل نحن اليوم أمام قضية تجار هجرة؟؟
قال المحلل السياسي عادل سمارة: "نحن الآن نعيش مرحلة جديدة من الهجرة، فعقب هجرة شعبنا عام 1948، استغل "تجار الهجرة" آنذاك العمال الفلسطينيين كأيدي عمل رخيصة في الدول التي هاجروا إليها، وباعتقادي أننا اليوم أمام الطبعة الأخيرة من المتاجرة بالهجرة".
فيما قال الطباع: "قبل العدوان الأخير على القطاع عمليات الهجرة والحصول على تأشيرات رسمية لبعض الدول كانت موجودة، فالشباب في غزة يحلمون في الذهاب إلى أوروبا، وربما هذه الظاهرة كانت قليلة قبل العدوان إلا أنها كانت موجودة بالفعل".
وأضاف "إذا لم يتم عمل ضوابط مشددة للهجرة، سيكون هناك انتشار لما يسمى "تجار الهجرة"، فيجب أن يكون هناك رقابة على الهجرة، وليس عن طريق اللجوء إلى الهجرة غير شرعية التي أدت إلى غرق السفن التي تقل الشباب الغزيين".
الغزيون يعيشون واقعاً مريراً بعد العدوان
مئة ألف غزي اليوم بلا مأوى، فيما لا يزال 65 ألف آخرين في الملاجئ التي تديرها الأمم المتحدة، حسب ما جاء في تقرير الأمم المتحدة، ويعيشون أوضاعاً كارثية ويفتقدون لكافة مقومات الحياة الأساسية.
حرب الخمسين يوماً حولت أجزاء من غزة إلى حطام، وجعلت الحياة في غزة صعبة للغاية، فالاحتلال عمد في حربه إلى تدمير البنية التحتية، حيث تم تدمير 8 محطات مياه بعضها لضخ المياه وأخرى لتنقيتها، كما تم تدمير محطة الكهرباء الرئيسية في غزة، ودمرت أكثر من خمسمائة منشأة اقتصادية تدميراً كلياً أو جزئياً فضلاً عن ارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير.
من جهته، أكد النائب في المجلس التشريعي من غزة جمال الخضري: "أن الوضع في قطاع غزة يُعد كارثياً جراء العدوان الإسرائيلي الذي طال كافة مناحي الحياة على مدار 51 يوماً بعد حصار استمر سبع سنوات تخللها عدوانان ما زالت آثارهما قائمة حتى الآن".
وأضاف: "أن الأزمات الإنسانية تصاعدت بشكل كبير بعد العدوان، فهناك أكثر من 90% يعيشون تحت خط الفقر، بينما معدل دخل الفرد اليومي أقل من دولارين يومياً".
وأشار إلى أن 95% من مياه غزة غير صالحة للشرب، والبحر ملوث بسبب ضخ 40 مليون لتر فيه بشكل يومي من مياه الصرف الصحي دون معالجة، ما يعني آثاراً خطيرة على السكان والثروة السمكية".
لا إعادة إعمار دون وحدة
إن أهالي غزة اليوم وبعد ما عاشوه من جرائم حرب وظروف معيشية صعبة خلال العدوان، لم يعد يعنيهم سوى البحث عن حياة أكثر استقراراً وأمناً، تضمن مستقبل أفضل لأبنائهم، جراء الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع نتيجة اشتداد الحصار والعدوان الإسرائيلي عليه، فضلاً عن استمرار حالة الانقسام التي تبدد آمال المواطنين بحلول قريبة.
عدم الوحدة ستعطي ذريعة لإسرائيل والدول العربية والدول المانحة لعدم تسهيل دخول مواد البناء بحجة أنها يمكن أن تستخدم في بناء الأنفاق وصناعة الأسلحة.
كما تشترط إسرائيل ومعها المجتمع الدولي أن تقوم حكومة الوفاق بالإشراف على إعادة الإعمار، وتسيطر على الوضع في غزة، ما يعني تثبيت المصالحة على الأرض بشكل واقعي من حيث سيطرة حكومة الوفاق على قطاع غزة والعمل هناك كما تعمل في الضفة.
ويبقى المواطن الغزي ضحية هذا الخلاف الواقع بين الحركتين، خاصة أن ما يهتم به هو إيجاد فرصة عمل، وحصوله على دخل يمكنه من العيش بكرامة، بعيداً عن خلافات الحركتين.
وحول ذلك، أكد الخضري أن الانقسام له أثر سلبي على جميع مناحي الحياة، وهناك ضرورة كبيرة لإنجاز كافة ملفات المصالحة، التي بدورها تمكن الشباب من إيجاد فرص عمل يستطيعون من خلالها العيش بكرامة بعيداً عن التفكير في الهجرة، ليكونوا فريسة سهلة لتُجار الهجرة.