الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في حضن التوت / بقلم: خليل ناصيف

2016-06-09 02:12:01 AM
في حضن التوت / بقلم: خليل ناصيف
في حضن التوت

 

لدي، بشكل عام، تجربة سيئة مع النصوص الأدبية المحلية، الأمر الذي يجعلني أتردد وأفكر مرتين قبل قراءة عمل أدبي محلي، ولذلك عندما بدأت بقراءة كتاب (في حضن التوت) للكاتبة الجليلية أنوار الأنوار كنت مدفوعاً فقط بالفضول للتعرف أكثر على فكر أنوار، بعدما منحني لقائي بها على هامش معرض فلسطين الدولي للكتاب صورة جميلة وموجزة عنه. كان هذا في البداية فقط، لأنني بمجرد أن فتحت الكتاب وجدت نفسي أدخل عالماً جميلاً ومختلفاً وجديداً.

(في حضن التوت) كتاب يضم مجموعة مميزة من النصوص القريبة جداً من القصة القصيرة، وإن كانت مختلفة عن القصة القصيرة بمفهومها الكلاسيكي، وهي نصوص مكتوبة بصدق فريد بحيث أنها تخترق روح القارئ بسهولة. الصدق وحده بالطبع لا يصنع عملاً أدبياً مميزاً، فالكتاب يمتاز بلغة شعرية راقية، حتى أن بعض نصوصه تكاد تكون قصائد منثورة نجحت الكاتبة في صياغتها بشكل قصصي مؤثر، والحقيقة أن قدرة أنوار على صياغة أفكار عميقة وقضايا اجتماعية شائكة في لغة جميلة تقترب من الشعر لهي قدرة تستحق الإعجاب والاحترام، وتجديد في الأسلوب السردي تشكر عليه الكاتبة، لأنها مهمة غير سهلة ولا يقدر عليها سوى كاتب متمكن، فغالباً ما يتم طرح المواضيع العاطفية في لغة شعرية، بينما يتم طرح القضايا الاجتماعية، مثلاً، في لغة جافة، إلا أن أنوار تمكنت بمهارة صيادة محترفة من مزج كل ذلك في عمل أدبي متكامل وحلو بحلاوة ثمار الصبار الذي أزالت عنه الكاتبة أشواكه شوكة شوكة، وقدمته للقارئ عملاً فنياً جاهزاً للتأمل، وأنا أدعوه لتأمل أصابع بطلة الكتاب الدامية، وأدعوه للتساؤل أين ذهب كل هذا الشوك، ومن أين جاء أصلاً.

الكتاب يناقش مغامرات ومشاهدات وحياة وموت وأحلام امرأة عاشت في غابة مجتمع شرقي نبتت أنيابه في دروبه الضيقة، ويروي لنا كيف حاولت تلك المرأة أن تمشي قدماً دون أن تتعرض للنهش والفتك في حديقة المصائد الشرقية، غير أنه لا يروي وجعاً فردياً لامرأة بمقدار ما يروي قصة حياة إنسان لربما شاهدها  كل واحد منا عن قرب، إن لم يكن قد عاشها بنفسه، وهي قصة مستمرة حدثت في الماضي وتحدث الآن وأنت تقرأ هذه الكلمات عزيزي القارئ. ولكنها، مثل كل الجراح العميقة، قلما ننتبه لها أو نتوقف عندها، ربما لأن وعينا الجماعي اعتاد مشاهد معينة، والاعتياد يقتل الغرابة والإثارة والاندهاش، (في حضن التوت) محاولة لإعادة هذه الدهشة التي سوف تولد التساؤل وتعيد اكتشاف كلمة (لماذا) في أعماقنا، وأظن أن الكتاب نجح في ذلك إلى حد بعيد، في أعماق كاتب هذه السطور على الأقل.

في نص (رجفة الأتون) تتحدث أنوار عن المرأة التي تحولها الغيرة إلى نمرة مفترسة لنظيراتها لا للغزالات، وبعد أن تفترس نظيراتها لا تتوقف الغيرة عن نهشها حتى تفترس نفسها، فتكتشف أنها كانت من نفسها تغار. هذا النص الباهر المليء بالانبهارات أذهلني تماماً، لأن أنوار غرست فيه حدائق الانبهار مرة واحدة، وسقتها مرة واحدة، ثم وضعتها بين دفتي كتاب يتربص بالقارئ ليبهره مرات ومرات.

كتاب في (حضن التوت) صدر في 140 صفحة عن دار الجندي في القدس في ربيع 2016
للكاتبة أنوار الأنوار (أنوار سرحان).