الحدث- ياسمين أسعد
لم يكتفِ الاحتلال في فرض سياسته التعسفية الخانقة على الفلسطنيين في القدس، لتطال يده أحلام الأطفال والقاصرين المقدسيين، التي باتت تُحبس داخل جدران المنزل.
عامر سعيد، والد الطفل عثمان لم يتخيل يوماً أن تحرم سلطات الاحتلال طفله من الابتسامة والخروج للعلب في حارات البلدة القديمة، فعثمان ابن الـ 14 عاماً، والمقيم في حي باب حُطة في القدس يقبع منذ أكثر من 10 أشهر في "الحبس المنزلي". حيث قامت سلطات الاحتلال باعتقال عثمان في تشرين الثاني من العام الماضي بحجة إلقاء زجاجة حارقة على جنود الاحتلال خلال مواجهات في باحات الأقصى.
وأكد سعيد في مقابلة لـ"الحدث": أنه خلال اعتقاله تعرض نجله عثمان، لأبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي، كان أقساها تهديده المتواصل بالاغتصاب، محاولين خلع ملابسه، مضيفاً: "اليوم يمنع عثمان من الخروج من المنزل، وقبل أشهر لم يكن يسمح له بالذهاب إلى المدرسة، ما أدى إلى خسارته فصلاً دراسياً كامل، ولولا تعاون المدرسة لكان الرسوب حليفه الأبدي".
وحول الحالة النفسية التي يمر بها الطفل عثمان، قال والده: "إنه يعاني من اضطرابات نفسية نتيجة العزل المنزلي، فحسب الطبيب المتابع لحالته، يعاني عثمان من التوحد، والإحباط، وصعوبة في النطق".
وحول الإجراءات القانونية، أوضح سعيد: "أنه منذ لحظة اعتقاله لم تصدر المحكمة حكماً صريحاً على عثمان، ففي كل جلسة يتم تمديد السجن المنزلي دون تحديد السقف الزمني لذلك".
وأشار والد الطفل إلى أنه لم تقف الأمور عند هذا الحد، فخلال حبسه المنزلي، تم اعتقاله مرة أخرى واقتيد إلى مركز تحقيق "المسكوبية"، ليتم احتجازه لمدة 3 أيام، وذلك خلال فترة المواجهات التي شهدتها مدينة القدس عقب استشهاد الطفل محمد أبو خضير، بحجة مشاركته في تلك الأحداث.
وأضاف: "أن أفضل ما تم التوصل إليه في القضية، هو السماح لعثمان بالذهاب إلى المدرسة مع المرافقة من قبل الوالدين، وهو ما حرم منه أغلب الأطفال المعتقلين في حالة عثمان نفسها. ونحن بانتظار قرار المحكمة في 27 تشرين الأول المقبل حول الإفراج عنه".
وفي القضية ذاتها، أكد هاني غيث والد الطفل أشرف "13 عاماً" من بلدة الثُوري: "تم التحقيق مع ابنه لمدة 12 ساعة يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، لتصدر المحكمة يوم الأربعاء قراراً بحبسه منزلياً بتهمة إلقاء الحجارة على جنود الاحتلال، بالإضافة إلى دفع غرامة مالية بقيمة 5000 شيقل حتى انتهاء الإجراءات القضائية".
وأكد غيث في مقابلة لـ "الحدث": "أشرف متعدد المواهب والنشاطات الفنية والاجتماعية، وبحبسه تم تدميره نفسياً وأصبح أكثر إنطوائية، وتراجع تحصيله العلمي على الرغم من أن حبسه لم يتجاوز الـ10 أيام فقط ".
بدوره، قال مدير الدائرة القانونية في نادي الأسير جواد بولس: "الحبس المنزلي في القانون بديل عن السجن الفعلي، وهو استثناء في حالات معينة بما يخص البالغين، ولكن ما يتعلق بالأطفال، فلا يوجد وجه حق لاعتقالهم، لكن الاحتلال الإسرائيلي يتحايل على القانون، ويقوم بخلق الحجج والذرائع لتبرير وتكثيف اعتقال الأطفال بصورة جماعية، والتحقيق معهم وصولاً إلى لوائح اتهام".
وأضاف: "التهم الشائعة في الآونة الأخيرة، ما يسمى بـ "مخالفات الإخلال بالنظام العام"، والتي تشمل المشاركة في المظاهرات الاحتجاجية، أو إلقاء الحجارة، وما إلى ذلك من أعمال تعتبر ضمن هامش التعبير عن الرأي وحرية التظاهر، والتي يُلحظ تراجعه بشكل خطير في المحاكم الإسرائيلية التي أصبحت تعمل كذراع يساعد على كبت الحريات والالتفاف على القانون".
وفي السياق ذاته، قال مستشار الرئاسة لملف القدس، أحمد رويضي: "إن إسرائيل تسعى من خلال سياسة الحبس المنزلي التي تفرضها في الآونة الأخيرة، إلى ترهيب المقدسيين، وتهجيرهم الطوعي من خلال الضغط على الأهالي لحماية أطفالهم من السياسات الإسرائيلية التعسفية، والتراجع عن المشاركة في المظاهرات ضد الاحتلال".
وأضاف: "أن إسرائيل تمنع أولياء الأمور من حضور جلسات التحقيق مع أطفالهم، رغم أن القانون الإسرائيلي يسمح بذلك، إضافة إلى فرض غرامات مالية تصل إلى نصف مليون شيقل".
ويشار إلى أن النيابة العامة الإسرائيلية في القدس، قررت إنزال عقوبات صارمة بحق الأطفال الفلسطينيين في القدس، بحجة ارتفاع وتيرة رشق المركبات الإسرائيلية والشرطة بالحجارة.
وأكد المحامي في نادي الأسير مفيد الحاج لـ"الحدث": " أنه ومنذ شهر تموز الماضي، تم اعتقال ما يزيد عن 240 طفل مقدسي من جيل 12-18 عاماً، 53 طفلاً، فُرض على بعضهم الحبس المنزلي حتى نهاية اللإجراءات القضائية".
وكشفت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر أمس الإثنين، عن السياسة الإسرائيلية الجديدة، والتي تطالب النيابة بتمديد اعتقال أطفال القدس، حتى انتهاء الإجراءات القانونية بحقهم، والتي يمكن أن تستمر لمدة عام، في الوقت الذي تتساهل فيه مع اليهود الذين يواجهون التهم ذاتها، تسمح بإطلاق سراحهم بكفالات مالية.
يذكر أن المواجهات التي اندلعت في القدس المحتلة في أعقاب الجريمة البشعة بحق الطفل محمد أبو خضير، الذي تم قتله حرقاً بأيدي المستوطنين، أدت إلى اعتقال قوات الاحتلال لـ 760 فلسطينياً بينهم 240 قاصراً، وتم تقديم لوائح اتهام ضد معظمهم، ونسبت إليهم "المشاركة في أعمال شغب ومهاجمة شرطي وتشكيل خطر على الأفراد في الشوارع".