مع نشر هذه الكلمات، سيكون جميع طلبة فلسطين قد أوشكوا على إنهاء تقديم امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) ضمن النظام "القديم"، المعمول به منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، في حين، سيتهيّأُ في غضون أسابيع، نحو ألفي طالبٍ متطوعٍ لتقديم الامتحان بشكل تجريبي، ضمن النظام الجديد المقترح، الذي سنعمل على تطبيقه العام المقبل إن شاء الله.
هذا النظام "الجديد"، جاء في سياق خطّة التطوير الطموحة، التي بدأتُها وأُسرتي التربوية، التي أفتخرُ بها وأعتزّ، والتي بدأناها فكرةً، ثم رسمنا خطوطها العريضة، فباتت واضحة المعالم، لا تقف عند تطوير نظام الثانوية العامة فحسب، بل تمتدّ في نسقٍ تربوي تعليمي مدروس ومُخطّط له، لتشمل جميع أوجه النظام التربوي ونشاطاته، عبر رقمنة التعليم العام، والأخذ بيد طلبتنا لاستثمار التكنولوجيا في التعليم، في عصر بات يستوجب منّا الإسراع في اللحاق بركب التطوير والإبداع. ولم نغفلْ موضوعاً في غاية الأهمية، هو دمج التعليم المهني والتقني بالتعليم العام (المدرسي)، فيما نعمل كخليةِ نحلٍ في ورشةٍ كبيرة، تعكف على تغيير المناهج وتطويرها، بما يتلاءم مع مقتضيات التطوير المنشودة، ونظام التوجيهي الجديد.
لقد أخذنا على عاتقنا نقل التعليم نحو التميّز والابتكار، والتطوير والريادة، ليس في إطار الشعارات، بل بالعمل والمتابعة، وسنبدأ بحول الله بقطف ثماره سويّاً قريباً أيضاً تجسيداً للرؤية الثاقبة للأخ الرئيس محمود عباس وحكومته العتيدة ورئيسها الذي يعتبر التعليم أحد أهم منصات التحرير والاستقلال، وما تقديم التوجيهي الجديد وتطبيقه إلا دليل ملموس تجاه تحقيق هذه الرؤية.
ونحن ما زلنا على العهد، ولن نخلف الوعد الذي قطعناه أمام قيادتنا وأبناء شعبنا، ونعوّل على أبناء شعبنا الذين نجدهم دوماً معنا، داعمين ومساندين، للوصول الى برّ الأمان التربوي التعليمي، الذي يحقّق نهضةً فكريةً تربويةً تعليميةً إبداعيّة، لجيلٍ نُعوّل عليه أن يقود البلاد، لما فيه خير العباد، جيل الدولة الأبيّة المُتحقّقة، والمنتصرة على الجهل والتخلّف، وعلى الاحتلال والاستعباد.
ولتوضيح محاور النظام الجديد، فإن الوزارة ستعقد قبل 1/9 من كل عام، دورتين كاملتين للامتحان، ويتقدم الطلبة له وفق نظام الدورات، حيث تعقد الدورة الأولى في شهر حزيران، ولدى الطالب الخيار في التقدم للمباحث كافة في هذه الدورة، بحيث يتقدم بنصف عدد المباحث على الأقل منها، على أن يستكمل ما تبقى من مباحث في الدورة الثانية، التي ستعقد في شهر آب، ويمكن للطالب الذي لم يتقدم لأي من المباحث في الدورة الأولى أن يتقدم للمباحث كافة في الدورة الثانية، أو لاستكمال المباحث التي اختار أن لا يستكملها في الدورة الأولى، كما يمكن للطالب في هذه الدورة أن يتقدم لأي من المباحث التي تقدم لها في الدورة الأولى ويرغب في تحسين علامته فيها.
أما الدورة الاستكمالية، فستعقد في شهر كانون أول من كل عام، يتقدم الطلبة فيها للمباحث التي لم يستكملوها في الدورة الثانية.
وتقسم المباحث التي يدرسها الطالب في الصف الثاني عشر إلى: مباحث إجبارية ومباحث أساسية، وعلى الطالب النجاح فيها جميعها وفق الآلية الآتية:
- أربعة مباحث إجبارية تحتسب علاماتها في تحديد معدل الطالب في امتحان الثانوية العامة.
- أربعة مباحث أساسية (يشترط أن ينجح الطالب فيها جميعاً)، وتحتسب العلامات لأعلى مبحثين منها في المعدل.
وفي إطار النظام الجديد، سيتم اعتماد ملف إنجاز الطلبة، وهو ملف يحوي أعمال الطالب في عامين (الحادي عشر والثاني عشر) بهدف إعطاء فكرة عامة عن مستوى أدائه، وطبيعة شخصيته، والمهارات التي يمتلكها، ويبنى هذا الملف على نتائج مشاركاته الايجابية والفاعلة من خلال نموذج أُعدّ خصيصاً لهذا الغرض، ويتم اختيار ما يتم تجميعه في الملف من خلال قواعد للاختيار لتحقيق الأهداف الرامية لتحفيز الطلبة على التعلم، وقياس جوانب التعلم المتعددة لديهم، وتوعيتهم وتحميلهم مسؤولية تعلمهم، وتعزيز مبادراتهم الايجابية، وتنمية التفكير النقدي لديهم من خلال التأمل والتفكير الذاتي في مستوى أعمالهم، وتعزيز جوانب الإبداع والتميز والتقدير الذاتي والمجتمعي لهم، ومساعدتهم على تقييم وتثمين أعمالهم، وتقديم أدلة ملموسة لإثبات مستوى إنجازهم وتوفير الفرصة لتنمية مهارات التحليل والتفكير وحل المشكلات لديهم.
ويتم تقييم ملف إنجاز الطالب بواسطة المعلمين أنفسهم، وتشكل الوزارة لجاناً خاصة في كل مديرية للمراجعة، اعتماداً على نظام التقدير (ضعيف/جيد/جيد جداً/ممتاز) ويظهر بذلك تقدير أداء الطالب في شهادة الثانوية العامة.
وحسب النظام الجديد، فإنه لا يوجد إشهار إعلامي للعلامات، بحيث يحصل كل طالب على علامته بشكل شخصي حين استكمال متطلبات شهادة الثانوية العامة.
وإضافة إلى الفروع: (العلمي، الأدبي، الشرعي، الفروع المهنية) سيتم إقرار فرعين جديدين في إطار النظام الجديد، وهما: الإدارة والريادة، والفرع التكنولوجي.
وضمن تطوير آليات عقد الامتحان وتصحيحه، سيتم استحداث بنك الأسئلة لكل مبحث، وتعدد نماذج الامتحان الواحد، حتى في ذات القاعة، وتطوير أدوات وآليات جديدة لتصحيح الامتحان.
ومن هنا، فإننا نبشّر أهلنا وأبناءنا، بأننا سنطوي صفحة الألم، ونفتح صفحة الأمل، رائدُنا تضحياتٌ جسام، وطموحُ شعب حُرٍّ أبيّ، يسعى للحرية والانعتاق، عملَ فنجَحَ، وسَعَى فَرَبح، فَحَقَّ له أن يقفَ على أرضه الطاهرة، ويرقبَ خارطةَ الفرح.
إننا ندرك تماماً أن إحداث أيّ فرقٍ في بُنية النظام التربوي، أمرٌ ليس سهلاً سيقف بوجهه البعض، ولكننا نثق تماماً أننا سننجح عبر التفافكم ودعمكم في ذلك، وما نظام الثانوية العامة الجديد، إلا خطوة في هذا السياق، لأننا نعوّل عليه في كسر النمطيّة السائدة للتعليم، القائمة على الحفظ والتلقين، والبعيدة عن الإبداع والتميّز، والتي لا تتيح المجال أمام القيادات الشابة للاتجاه نحو الريادة وتنمية ملكة التفكير، وروح البحث والابتكار، بعيداً عن القلق والتوتّر، والتوجّس والترقّب، والخوف الذي يهزّ النفوس.
إن قطار التطوير قد انطلق فعلاً، ولن يوقف مسيرته الرائدة وهج الغبار، الذي يتعمّد البعض إثارته في الأفق، فالأجواء صحيّة ونقيّة ومواتية، والمخلصون كبارٌ وكُثر، وفلسطين ستُبنى بسواعد أبنائها البررة، الذين ما هانوا، وما لانوا ولا استكانوا، ولأن شمس الحقيقة لا تحجبها خيوطُ غربالٍ، فهي ساطعةٌ بهيّةٌ تنشر الدفء، وتنبئ بمستقبل زاهر، وهذا ما نعمل لتوفيره وتحقيقه- اليوم ودائماً- لأبنائنا.
بقلم: د.صبري صيدم/ وزير التربية والتعليم الفلسطيني