السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

النزيف الأخضر !! محمود الفطافطة

2014-09-25 12:09:40 PM
النزيف الأخضر !!
محمود الفطافطة
صورة ارشيفية

 

يسألني البعض عن رأييَ في هجرة الشباب الفلسطيني إلى الخارج .. جوابي في هذا الخصوص ينطلق من المثل الأفريقي القائل: " أن تُقذف بالحجارة وأنت في وطنك خير لك من أن تحتضن الذهب وأنت خارج وطنك ". هذا المثل يذكرنا بقيمة الاوطان وأنها الروح للإنسان. فالوطن هو التربة التي يتغذى منها الانسان بوجد الانتماء وخلود الذاكرة وعطر الذكرى وعبق " العزوة" ومداد البناء. وطن فيه المرء يولد  وبه يعتز وإليه يعود ولو طاف بلدان وقارات..  معظم عظماء العالم كانت وصيتهم أن يدفنوا في مسقط رأسهم، ولنا في مانديلا مثالا على ذلك الذي دفن في قريته الصغيرة " كونو" بجنوب أفريقيا

فالوطن هو جذر الانتماء وصيرورة الحكايات ومنبت الاصالة وذاكرة الرجوع اليه ولو بعد حين ..إنه موطن الولادة ومسار النشأة وعودة الغياب ومدفن الأجساد وعنقود الذكريات..  الهجرة كلمة قد لا تفيض كثيراً برغوة الألم والحرمان مثل مفردة الغربة ..إنها الكلمة التي تودع في النفس مرارة البعد وجمرة الشوق للوطن ولبساتين العنب وكروم الزيتون وحقول القمح .. انها الغربة  التي تفجر في المشاعر لحن الاشتياق للأهل والأصدقاء .. انها الغربة التي تعمر في القلوب وجع المنافي وحرقة التشرد والارتحال..

ألم الهجرة والاغتراب قاس وصعب الأمر الذي تغنى بسمفونية مرارته كتاب وشعراء..  فها نحن نرى الاديب السوري زكي قنصل الذي هاجرإلى الأرجنتين يصدح ليقول:: يـاعائدين إلـى الـربوع قـلبي تحـرق للـرجوع نهنهتـه فـازداد تـحنانا وعـربـد في الضـلوع يـاعائدين إلـى الـحمى قلـبي به عـطش وجوع بـالله هـل في الـمركب متسـع لملـهوف ولـوع وحـزمت أمـتعتي فـيا قلب ارتقب يوم الرجـوع.

لا اشجع اطلاقاً على الهجرة من الوطن لا سيما للشباب إلا في أمور مهمة جداً مثل ( الدراسة أو العمل أو التدريب أو الترفيه أو للعلاج ) ومن ثم العودة. الأعداء يعملون دوما لتفريغ هذا الوطن من ابنائه ..لذا علينا ان نكون متيقظين من ذلك.. الهجرة من بلد لآخر ليس كالهجرة من فلسطين لخارجها.. فلسطين محتلة وهجرة اي شخص منها له مضاعفات سلبية مستقبلية على الوطن والبعد التحرري له..الوطن أحق أن يبقى به ابنائه وشبابه.. أليس هذا الوطن هو الذي رباهم وعلمهم .. أليس له الحق أن يبنوه ويحصنوه من لوثة فاسد أو قسوة محتل ؟ .. أليس هذا الوطن هو الذي يتجرع مرارة أبشع احتلال عرفته البشرية ويحتاج الى رجال يحرروه ، لا الى اناس يهجروه جسداً وقلباً وانتماءاً..

فلسطين عظيمة وأهلها عظماء .. إنها ارض النبوات والرسالات والكرامات.. ارض يجب أن نبقى فيها ولها ومنها .. انها الارض المباركة والمقدسة.. إنها أرض الله وخاصته .. إنها أرض لا يعمر فيها ظالم .. إنها الارض التي يجب أن يعمرها المؤمنين والأحرار .. فانتم الاحرار أيها الشباب الذين تؤمنون بأن الوطن كالروح لكم.. وبأنه مهما تعرضتم لقهر الغاصب وفساد الناهب ستبقون مرابطين في وطنٍ حتى النهاية .. كيف لا وأنتم الذين تُسمون به وتنتسبون له.

لا نريد لأحدٍ ـ سيما لشبابنا ـ أن يكون بئس الحالة الخاصة والعامة دافعاً له لكره الوطن والهجرة منه .. علينا جميعاً بالصبر والثبات .. أليس الحياة هي الجهاد الأكبر .. أليست فلسطين هي أرض الرباط ، فلنرابط بها حتى لا نتيح لعدونا أن يسلب المزيد منها ...نتمنى أن ينقطع نزيف هجرة شبابنا ، لأن في هجرتهم نزيف للوطن ..نزيف  يصادر القوة ، ويُجهض المنعة ، ويطمس مقومات الأمل ، ويعتم فضاءات التحرر والحرية. نتمنى أن ينتهي سؤال الهجرة ليبدأ سؤال العودة !!.