الحدث- مصدر الخبر
في أواخر التسعينيّات، بدأت الشبكة العنكبوتيّة بنسج خيوطها في قطاع غزّة، من خلال بطاقات تبيعها شركة الاتصالات الأرضيّة الوحيدة في فلسطين «بالتل». تحتوي البطاقة على اسم مُستخدم وكلمة مرور، ليتم الاتصال عبر خط الهاتف الأرضي. وكانت عمليةً صعبة ومُعقّدة، لا تكاد توفّر سرعة إنترنت لا تتجاوز 128 كيلو بايت.
لكن، مُقارنةً بتلك الحقبة، كان يُنظر إلى الإنترنت على أنه كنز بعض العائلات الغزيّة المُقتدرة. في أيلول /سبتمبر 2012، بدأت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالتعاون مع شركات الإنترنت في القطاع، تطبيق تعليمات حظر «المواقع المشبوهة»، والمواقع الإباحيّة، مبررة ذلك بهدف «حماية مستخدمي الإنترنت وخصوصاً الفئات الهشة مثل الأطفال والمراهقين من الوقوع في الرذيلة، خصوصاً من خلال شبكات الإسقاط والمخدرات»، ما أثار سخط المشتركين على شركات الإنترنت، خاصة مع تفاقم بطء خطوط الإنترنت منذ صدور ذلك القرار، وحجب الكثير من المواقع الالكترونيّة التي لا تحوي المواد المذكورة.
في المقابل، لا يخلو القطاع من الجرائم الممارسة عبر الإنترنت، كسواه من مدن العالم المتّصلة بالإنترنت، أكانت جرائم ابتزاز أو سرقة.
الرقابة، الجريمة والقانون
في العام 2012، لمّا صدر قرار حجب المواقع المذكورة أعلاه، وترافق مع انهيار سرعة الخدمة، اعتبر كثيرون أن القرار صائب، إذ يأتي لحماية الأطفال والمراهقين من فخ المواقع الإباحيّة، بينما اعتبره آخرون تسلطاً من حكومة حركة «حماس» التي تسيطر على غزّة. هؤلاء وجدوا فيه وجهاً من وجوه الرقابة «الحمساويّة» على خطوط الإنترنت في غزّة، وعلى المواد التي يجري الشباب أبحاثاً عنها. في المقابل، لم يأبه كثيرون أيضاً للقرار، خاصةً في ظل وجود العديد من برامج «البروكسي» التي يمكن أن تخترق جدار الحظر، كما يمكن تغيير «أي بي» الأجهزة التي يستخدمها الهاكرز والمطوّرون.
إلا أن الرقابة لم تشمل ما تم التعرف على تسميته بجرائم الإنترنت.
في فلسطين، لا يوجد تشريع خاص يتعلق بجرائم الكمبيوتر والإنترنت، إلا أنه يمكن ملاحقة هذه الجرائم عن طريق اللين في فهم نصوص قانون العقوبات الفلسطيني، بحيث يمكن إدراج بعض الجرائم المتعلقة بالكمبيوتر كالسرقة والنصب وخيانة الأمانة والإتلاف وغيرها، تحت نصوصه.
وما زالت هناك مجموعة من التشريعات الجنائية الهامة تحت الإجراء في المجلس التشريعي، من بينها مشروع قانون العقوبات الذي يعرض مباشرة في المواد (393-397) من الفصل السادس منه لجرائم الحاسب الآلي. وهناك مشروع قانون الإنترنت والمعلوماتية، الذي ما زال تحت الإعداد في ديوان الفتوى والتشريع في وزارة العدل، والذي تضمن العديد من القواعد والأحكام والجرائم والعقوبات المستحدثة في ما يتعلق بالإنترنت. أما الجرائم التي لا تتكيف مع قانون العقوبات لسنة 1936 فهي جريمة السب والقذف عبر الإنترنت، وجرائم الجنس عبر الإنترنت، وجريمة التجسس عبر الإنترنت.
ولا ينص قانون العقوبات الفلسطيني مباشرة على هذه الجرائم المتعلقة بالحاسوب، ولكن يتم القياس عليها، وإعطاء مرونة للقانون انتظاراً لصدور القانون الجديد، حتّى أنّ قانون العقوبات الحالي لم يتضمن أية إشارة إلى جرائم الكمبيوتر والإنترنت باعتبارها جرائم مستحدثة، وإنما جاءت نصوص قانون العقوبات لتعالج الجرائم معالجة تقليدية.
الابتزاز / الدعم المالي
إن وصول الإنترنت إلى غالبيّة الشرائح الفلسطينيّة في ظل الحصار الذي تتعرّض له غزّة، دفع بالكثير من عباقرة الإنترنت لارتكاب «الجرائم الالكترونيّة»: غايات الاختراق الإلكتروني تنوّعت ما بين ابتزاز فتيات عن طريق الإنترنت، سرقة حسابات بطاقات ائتمان، شراء تذاكر طيران، تسديد مخالفات للدولة، تسديد فواتير كهرباء ورسوم فنادق سياحية، دفع قيمة العمليات الشرائية لمراكز التسوق.
مسؤول في قسم المباحث الإلكترونيّة في قطاع غزّة أكّد لـ «السفير» أنّ بعض المتهمين الموقوفين تحت بند «جرائم الإنترنت، والجرائم الالكترونيّة» قاموا بابتزاز فتيات من خارج قطاع غزّة، وتهديدهن بنشر صور لهن يعتبرها المجتمع فاضحة إن لم يقمن بتحويل مبالغ ماليّة لهم، مُشيراً إلى أنّ عدّة شكاوى «لم يُحدد عددها» تلقّاها القسم من خارج القطاع. وعلى أثرها، تم تعقّب عدد من المُبتزين، وتحويلهم إلى قسم المباحث الالكترونيّة.
يشرح المسؤول في المباحث الإلكترونيّة الذي طلب عدم نشر اسمه أن «بعض المتهمين قاموا باستخدم برنامج تهكير لسرقة آلاف دقائق الاتصال من شركات عالميّة، وتحويل الأرصدة لشركات اتصالات مقابل مبالغ ماليّة، وتحويل أرصدة لزبائن آخرين، ومن ثم تحويل الأموال عبر بضائع أو مكاتب صرافة». واعتبر أنّ «خطورة الجرائم الإلكترونية في قطاع غزة تكمن بسهولة إخفاء معالم الجريمة، لعدم قدرة غالبيّة المجني عليهم من الأجانب خارج فلسطين على تقديم بلاغات أو شكاوى لدى سلطات التحقيق في غزة بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة عبر الإنتربول الدولي».
ويلفت «السفير» إلى أنّ أحدث أشكال الجرائم التي تنطوي تحت بند «التسوّل الالكتروني» تجسد في قيام العديد من الفتيات والشبان من قطاع غزّة بإضافة أرقام عشوائيّة لأشخاص من دول الخليج، والبدء بمراسلتهم عبر تطبيق «واتس أب»، ومحاولة استعطافهم عبر شرح الأوضاع المأساويّة في قطاع غزّة لهم، أو تزويدهم بتقارير طبيّة حقيقيّة أو مزورة لحالات إنسانيّة ومرضيّة لديهم، أملاً أن يقوم الشخص بتحويل مبلغ مالي لهم على شكل مساعدة، يتراوح ما بين 200-500 دولار.
ويقول المسؤول في قسم الجرائم الالكترونيّة: «نحن لا نستطيع تتبع مثل هؤلاء الأشخاص، ما لم تصلنا شكاوى رسميّة، على الرغم من وجود هذه الظاهرة في قطاع غزّة. إلا أننا لا نستطيع التحقّق منها بدقة، أو تتبع هواتف وحواسيب هؤلاء الأشخاص. لكن هناك فتيات تم ابتزازهن إلكترونياً وقدمن شكاوى رسميّة لدى القسم في غزّة من الخارج، وقمنا بتتبع هؤلاء الأشخاص واعتقالهم والتحقيق معهم».
بعضٌ من جرائم الإنترنت تتابعها دائرة المصادر الفنية في الإدارة العامة للمباحث في الشرطة الفلسطينية. يشرح مديرها الرائد تامر سمور أن دائرته تتعامل مع مختلف الشكاوى التي يتقدم بها المواطنون والمتعلقة بجرائم التشهير عبر الإنترنت: «نحن لا نتابع الحسابات والصفحات عبر الانترنت وفايسبوك بالكامل، على اعتبارها من خصوصية المواطن. لكننا نُتابع الشكوى التي يتقدم بها المواطنون في هذا الصدد».. علماً أن شركات الانترنت والاتصالات، حسبما أكد الرائد سمور، تتعاون بالكامل مع الدائرة عبر تزويدها بالبيانات التي يتم طلبها عبر النائب العام. كما لفت إلى التعاون مع «جوال»، شركة الاتصالات الخلويّة في فلسطين.
نسب مستخدمي الانترنت في غزة
إن عدد الحواسيب لدى الأسر الفلسطينية 1.1 مليون حاسوب ما بين كمبيوتر مكتبيّ و «لابتوب» و «تابلت» وهاتف ذكيّ. وبلغت نسبة الأسر التي تمتلك هاتفاً ذكياً 51.0 في المئة في العام 2014، بواقع نسبته 59.4 في المئة في الضفّة الغربية، و34.7 في المئة في قطاع غزة. وقد بلغت نسبة الأسر في فلسطين التي لديها حاسوب 63.1 في المئة في العام 2014، بواقع 66.9 في المئة في الضفة الغربية، و55.6 في المئة في غزة، بارتفاع نسبته 30 في المئة عند المقارنة مع ما يقارب 32.8 في المئة من الأسر في فلسطين كان لديها جهاز حاسوب في العام 2006.
وارتفعت نسبة مستخدمي الانترنت من كلا الجنسين في العام 2014 مقارنة بما كانت عليه في العام 2000، فانحسرت الفجوة بين الجنسين. إذ ارتفعت النسبة بين الذكور من 7.9 في المئة إلى 59.6 في المئة، وارتفعت النسبة بين الإناث من 2.8 في المئة إلى 47.5 في المئة. وتبين الإحصائيات أن 48.3 في المئة من الأسر في فلسطين لديها اتصال بالإنترنت، بواقع 51.4 في المئة في الضفة، و42.2 في المئة في غزة.
أما نسبة استخدام الانترنت بين الأفراد (10 سنوات فأكثر) الذين يمتلكون الحاسوب في فلسطين فقد بلغت 53.7 في المئة، بواقع 54.5 في المئة في الضفة، مقابل 52.2 في المئة في غزة.
على مستوى الشركات، فإنّ عدد شركات الانترنت العاملة والمسجلة في فلسطين للعام 2015 قد بلغ 56 شركة. أما شركات استيراد أجهزة الاتصالات فقد بلغ عددها 40 شركة.
ميغا بـ 40 شيكلاً
يكاد يقتصر تقديم خدمات الانترنت قانونيا تقريباً في الأراضي الفلسطينية على مجموعة الاتصالات الفلسطينية «بالتل»، والتي تتضمن المزود المرخص الوحيد للاتصالات الخلوية في فلسطين. وعلى الرغم من حظر قيام المزودين الإسرائيليين بتقديم خدمات لسكان الأراضي الفلسطينية بموجب اتفاقية أوسلو، إلا أنه يقدر أنّ المزودين الإسرائيليين يشكلون ما نسبته 20 في المئة من السوق.
بعد العام 2006، بدأت «بالتل» تطوّر خطوط الإنترنت في قطاع غزّة، وتنوّع باقات الإنترنت والحزم المعروضة لمشتركيها ضمن خطوطها في الهاتف الأرضي. فبدأ الإنترنت يغزو معظم منازل الفلسطينيين في غزّة، مع تنوّع السرعات والأسعار والعروض من شركات تعمل ضمن نطاق «بالتل»، بحيث تبقى «بالتل» الموزّع الرئيسي باسم شركة «حضارة»، الموزّع الفرعيّ الخاص بالانترنت.
بالنسبة إلى الأسعار ومع تقدّم الزمن، صارت «حضارة» مثلاً تقدّم خدمات الإنترنت في القطاع عن طريق اشتراك منزلي وآخر تجاري، بسرعاتٍ تبدأ من 1 حتّى 30 ميغابايت. فيبلغ سعر سرعة 1 ميغا 40 شيكلاً في الشهر (حوالي 10 دولارات)، وتتصاعد العروض حتى أقصى السرعات 30 ميغا وسعرها 138 شيكلاً (حوالي 36 دولاراً).